رأي

نزاع الصحراء سعي مغربي للحل و مناورات الجزائر لتأزيم الوضع

نزاع الصحراء سعي مغربي للحل و مناورات الجزائر لتأزيم الوضع

تشنّ الجزائر منذ صيف هذه السنة حربا دبلوماسية وإعلامية شرسة ضد المغرب، دون أن تتورّع في تقدير القيمة الصدقية للأسباب، التي تتكاثر وتتناسل مع تواتر وتعدد الناطقين بها يوما بعد يوم، وتتوزّع الأدوات المتحكمة في سير وتنفيذ هذه الخطة الهجومية على مستويات تراتبية خمس في هرم إدارة الدولة الجزائرية؛ بدءا بالرئاسة، ووزارة الخارجية، و ما يسمى بالمبعوث الشخصي للصحراء إضافة إلى رئاسة أركان الحرب، والإعلام الجزائري دون استثناء.

ويبدو أن الجزائر لا تنطلق في تصريف عدائها المُعلن ضد المغرب من مركز تنفيذها لعناصر خطط استراتيجية محكمة. فاللّافت أنها غير مرسومة، وفي حكم غير المتوفر عليها، بل إن طريقة اشتغالها الدبلوماسي ينم عن تخبط يظهر على شكل ردّات فعل عاطفية، انتقامية تتخذ أشكال عدة؛ تتوزع بين العنف اللفظي، الوعيد والتهديد، تقديم مغالطات، ممارسة التضليل، والتهجم على المغرب في محافل واجتماعات إقليمية قارية ودولية، وانتقل أخيرا إلى استفزاز المدنين في الميدان عند الحدود الشرقية الشمالية، ومنعهم من استغلال مزارعهم.

وغاية الجزائر في ذلك هو سعيها الحثيث لتعطيل، ووقف استمرار المغرب في دعم وتعزيز تقدم مركزه، وثمينه وأجرأته، ورغبتها الأكيدة والجامحة في تجميد هذا المد التصاعدي والمنتظم، وكبحه وشلّه، ولو مؤقتا وبأي ثمن، ومهما كلّفها الأمر، ومن يدري فقد تكون مجبرة على إثارة هجوم أو اعتداء أو مناوشة ضد المغرب، مادامت ترى في النجاح الدبلوماسي المغربي هزيمة ينقل إليها شدة الضغط، ويشكل خطرا على أركان منظومة نظامها العسكري الحاكم برمته.

فقد بلغ المغرب في تدبيره لملف نزاع الصحراء مدى بعيدا وحدا عاليا، وانتقل من سياسة التدبير الدوري المرن، عندما كان رهانه على عوامل منها عنصر الزمن لتسهيل الوصول إلى الحل دون أن يتم، بل استحكم الخلاف واستفادت الجزائر من الوضع، فاعتمد المغرب استراتيجية مركبة وشاملة، تعتمد الحزم وتثبيت المكاسب ثم أجراء فعل وتأثير لتحقيق أخرى بثبات وتريث بنية تحصينها، في إطار تراتبي منظم الأولويات والأهداف بغاية الحسم والانهاء.

وتدرك الجزائر حقيقة هذه الأمور التي تُسيَّرُ بشكل شمولي، مواز منسجم، ومتناغم في مختلف تجليات الملف بما فيها الأممية وتحتل التنمية والاندماج المواطناتي الأولوية على جميع الأصعدة والواجهات، في اتجاه حل يبقي الصحراء داخل سيادة المغرب تحت الحكم الذاتي. ولا يهم في ذلك مستوى ودرجة هذا الحل؛ أكان مطابقا تاما مع مبادرة المغرب بالحكم الذاتي، كمشروع سياسي للحكم، مطروح للتفاوض أمميا بعد اعتماد مجلس الأمن للمقاربة السياسية، وتجاوزه العملي لخطة التسوية. أو حتى حكم ذاتي ولو بشكل متقدم عن أصل المبادرة المغربية بقليل. إذ لا يشكل ذلك أذنى حرج للمغرب، مادام قد ضمَّن نفس مبادرته استعداده ومرونته للتفاوض لتطويرها بشرط وضع حد نهائي للنزاع.

وتشعر الجزائر حاليا أنها لا تقوى آنيا على مجاراة ديناميكية ونجاعة الدبلوماسية المغربية، التي بدأت تحقق عائدا سياسيا سريعا ناتجا عن عودة المغرب للتنظيم القاري الإفريقي، والانتشار السريع في مفاصل اتخاذ وحسم القرار السياسي فيه، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بواسطة تحالفات مع الدول الإفريقية، علاقات مبنية على أسس تاريخية و على روابط عقائدية مشتركة مثينة، وعلى مرجع صداقة الشعوب الإفريقية التي كانت إرثا وتقليدا متبعا لدى ملوك المغرب، وتعزز أكثر في عهد الملك محمد السادس.

وهي علاقات معززة الآن بركن البراغماتية الاقتصادية بشراكات ذات منافع متبادلة، تنضوي في إطار سياسة المغرب الجديدة في إفريقيا. وهذا الاهتمام نابع من إيمان المغرب بأهمية انتمائه الإفريقي، وتفطنه مبكرا، وقبل دول كبرى بحيوية المجال الإفريقي في ضمان المستقبل.

كما أن رجوع المغرب إلى الاتحاد الإفريقي أملاه كون هذا التنظيم القاري هو الوحيد الذي تنشط فيه الجزائر والبوليساريو، وتحظى فيه الأخيرة بالعضوية ضدا على ميثاقه، رغم أنها مجرد حركة انفصالية مسلّحة، فوق إقليم دولة أخرى؛ الجزائر رغم أنها ليست دولة، ولا تستجمع أي ركن من أركانها سواء في نظر القانون الدستوري المبسط لهذه الأركان، وبالأحرى وفقا لقواعد العلاقات الدولية المعقد لهذه الشروط بزيادة الاعتراف الدولي.

ويزيد الوضع الداخلي في الجزائر، الضبابي وغير المستقر بفعل استمرار الحراك، وخارجيا بفعل انتكاسة سياستها الخارجية الناتج عن انزلاقها الدبلوماسي والعملي المفاجئ، حيث وجدت نفسها بغتة بين قوى دولية متنافسة، إن لم نقل متصارعة. وذلك بفعل أزمتها مع فرنسا التي تدين لها بالولاء السياسي، وسقوطها في نفس الوقت أداة طيعة في قبضة روسيا ممونها العسكري. وهو إملاق لا شك يرهق ويرهن رجوعها وعودتها إلى الأبد في ملفات إقليمية؛ من حولها في ليبيا، ومن جنوبها في مالي وفي نزاع الصحراء، الذي تعتبر حله من أمنها القومي، إذ بات السؤال والاتهام مطروحا في دعم واستعمال الجزائر للتنظيمات الإرهابية في الساحل والصحراء، وتطالب مالي رسميا التحقيق دوليا في ذلك.

وإذ يتكامل أو يتطابق التحليل عن أسباب رسوب وعجز الدبلوماسية الجزائرية عن تقديم أجوبة لعروض مغربية من أجل الحوار وفتح الحدود، و تحجرها على مطالب ستاتيكية جامدة بالاستفتاء، والمطالبة بتحديد موعد ثابت له وتعلقها بتقرير المصير، الذي تجاوزته التحولات والمتغيرات الدولية لصالح وحدة الدول، مثلما تخلت عنه الأمم المتحدة نفسها منذ 2006 بإقرار المقاربة السياسية على أنقاض خطة التسوية غير الممكنة رغم الاجتهادات الأممية. وهي في جميع الأحوال مطالب تتناقض ومبدأي الواقعية والعملية المطلوبين في الحل أمميا.

فبدأت الجزائر تشعر وتدرك أن البوليساريو قد تصبح في المستقبل القريب مشكلة جزائرية محضة، وهي التي تحمّلت لعقود من الزمن أعباء خلقها، ونفقات استضافتها، وتمويل عسكرتها، وعناء الدفاع عنها، ولو لحساب جهة استعمارية خفية، وترى نفسها تفقد خيوط لعبتها وتضعف صنيعتها تباعا، وقد لا تجني خلف الدعم الذي وفرته للبوليساريو لعقود أي ربح سوى انصهار اللاجئين في الجزائر. وهو حل في إطار القانون الدولي الخاص باللجوء، الذي يحتمل هذه الفرضية ضمن مجموع الحلول الدائمة لانهاء وضع حالة اللجوء الاعتباطية، منها حل الاندماج في البنية الاجتماعية الوطنية للجزائر.

فبسبب ديناميكية الوقائع والأحداث التي لم تنتبه إليها الجزائر في وقتها وحينها، وبقاء موقفها الدبلوماسي جامدا، معاندا ومتحجرا، لا يتطور ولم يطله تجديد منذ بداية الأزمة مع المغرب في منتصف السبعينات من القرن الماضي، دون أن يقدر على ضبط وفهم واستيعاب المتغيرات الإقليمية من حوله، حيث بقي حبيس نظرة دعم الانفصال والتآمر المردودة.

وبقيت الجزائر لصيقة خطط متقادمة و متآكلة و متجاوزة، حاصرت فكر ساستها و عقول نخبتها، وعمل ديبلوماسييها، غير القمينين ، ولا كفيلين و غير مؤهلين للتفكير في المستقبل، لأنهم يتحركون في اطار سياقات استعمارية لحساب الغير، تهب رياح العصف بها حاليا، في الجزائر نفسها كما في مالي وفي غرب افريقيا، وهي في جميع الأحوال سياقات استعمارية في طريقها نحو سقوط حر ، ونحو الزوال، وتوثق الأحداث الحالية لنهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة تتأسس أمام أعين الجميع، يساهم فيها المغرب ويترقب نتائجها في أن يعم الأمن والسلام والتنمية عبر شراكات حقيقية عادلة ومنصفة. ومع كل ذلك فان الجزائر لم تستطع التقاط ذلك ، ولم تقدر خطورة سرعة الخطوات التي يتخذونها، والنتائج الوخيمة التي قد تترتب عنها، وهم محكومون على انفسهم البقاء على هذا النهج العدائي القديم والهدام ذاتيا للجزائر.

ومع كل ذلك فان سياسة المغرب من أجل الحل تفرض عليه ضبط النفس وعدم الانجرار نحو التصعيد، فالزمن الذي راهن عليه المغرب منذ البداية، لا محالة سيكشف الحقيقة المطابقة لواقع وطبيعة النظام الجزائري في خدمة الاستعمار وعلاقاته بالارهاب. وسيكون المستقبل في النهاية عادلا ومنصفا له ضد تآمر الجزائر عليه، كما ان استعصاء الحل وفق التدبير الأممي القانوني ثم السياسي، يؤدي الى الانفتاح على مقاربات أخرى تبتعد عن الاسترضاء والتوافق والمحاصصة، بل على ارادة وعزيمة فرض احترام التاريخ وسيادة المغرب ووحدته. ولنا في حوار مالي عبرة ، وفي حوار المصالحة الفلسطينية عبرة ، فالأول كان ليبقى ألدي لولا رفضه والاستغناء عنه بارادة الماليين، والثاني كان يمنح لحماس دورا وكلمة أعلى لولا ارادة اغلاقه، فوجدت حماس نفسها على الهامش.

و هو نفس النهج الذي يجب على المغرب اتباعه، فالمفاوضات وسيلة وليست غاية، وإذا لم تعط نتيجة فلا داعي لها؛ فالصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه، و المغرب لا يناقش او يفاوض على سيادته بل يمد يده لاطراف ضالة مضللة بضع الاف من المغرر بهم، يسعى المغرب لتحرير جزء من مواطنيه تتلاعب بهم اجندات خارجية جزائرية واستعمارية.

ان نزاع الصحراء المغربية في عمقه الآن انساني بطبيعته، وكذلك سيبقى، هو ليس قضية هوية، ولا وجود ولا حدود، فقبل تقرير المصير توجد حقوق اللاجئين في المخيمات، و توجد التزامات الجزائر القانونية والسياسية، وقبل تقرير المصير توجد الحلول الدائمة للجوء، وباعمال ذلك واحترامه ستتأكد جزائرية البوليساريو الى الأبد، والقانون الدولي يستوعب ذلك الحل.

-محامي بمكناس، وخبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News