المغرب بحاجة إلى أزيد من 800 مليار درهم لتمويل تحوله الأخضر

يقدر حجم الاستثمارات اللازمة لتنفيذ كافة المشاريع والأنشطة التي يستهدفها المغرب في إطار “تحوله الأخضر” بحوالي 80 مليار دولار (أزيد من 800 مليار درهم)، بهدف التخفيف من الآثار البيئية الوخيمة للأنشطة الاقتصادية، وفقا لما أكدته المسؤولة ببنك المغرب، نجوى مهاوري. ما يسلط الضوء على أهمية “التمويل الأخضر”، بوصفه رافعة لتعبئة هذه الموارد المالية.
ومازال يُنظر “للتمويل الأخضر” على أنه مفهوم مستجد ونوع من “الترف المالي والاقتصادي”، رغم ضرورته القصوى في عقد صلح بين النشاط الاقتصادي والمنظومات البيئية التي تئن تحت وطأة الظواهر النشاط الإنساني؛ ما ينعكس بكوارث خطيرة مثل تفاقم حدة الجفاف والفيضانات والزلازل.
وفي هذا السياق يلتزم المغرب بالمساهمة في المجهود العالمي للنهوض بالمالية الخضراء، التي تم تناولها كمفهوم لأول مرة في أوائل القرن 21 من قبل الأمم المتحدة والمجتمع العلمي، الذي تمثله اليوم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (GIEC)، والتي أجرت سلسلة من المناقشات تمخضت عنها عدة التزامات على مدار السنوات الماضية، قبل أن تؤدي أخيراً إلى اتفاق دولي بشأن المناخ في سنة 2015، يُعرف باسم “اتفاق باريس”.
ومن المحاور التي نص عليها الاتفاق ضرورة تعبئة التمويلات من أجل التحول البيئي، وهكذا فإنه يُقصد بالتمويل الأخضر، وضع القطاع المالي، ولا سيما البنوك، في خدمة التحول البيئي، عبر تمويل المشاريع والمبادرات الرامية للحد من انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون وإحداث تحول في أنماط الاستهلاك والإنتاج
وثمة مجالان رئيسيان للتدخل يميزان “التمويل الأخضر” عن نظيره التقليدي، فمن جهة، محاولة التخفيف من آثار التغير المناخي من خلال تمويل مشاريع كهربة النقل أو القطاع الصناعي أو النجاعة الطاقية على سبيل المثال، ومن جهة أخرى ثانية التكيف مع تغير المناخ من خلال المشاريع أو الأنشطة التي من شأنها الحد أو تعويض الأضرار التي تلحق بالمنظومات البيئية والمناخية مثل المياه والموارد والتنوع البيولوجي.
البنك المركزي.. رأس حربة المملكة
ووفقا لرئيسة وحدة التمويل الأخضر ببنك المغرب، نجوى مهاوري، تكمن أهمية هذا النوع من التمويل بالنسبة للمغرب في كونه أحد البلدان المهددة بشكل كبير بمخاطر التغير المناخي، ولأجل ذلك فالمملكة عمدت منذ سنة 2009، إلى اتخاذ العديد من التدابير في هذا الاتجاه؛ سعياً وراء تحقيق أمنها الغذائي والطاقي، بالتوافق مع اتفاق باريس، الذي صادق عليه المغرب طوعا.
وأكدت المسؤولة بالبنك المركزي، خلال عرض قدمته برسم أحدث حلقات “بودكاست بنك المغرب”، أن حجم الاستثمارات اللازمة لتحقيق طموحات المغرب البيئية والمتعلقة بالتنمية المستدامة، أي لتنفيذ كافة المشاريع والأنشطة التي يستهدفها المغرب في هذا السياق يقدر اليوم بحوالي 80 مليار دولار، “التمويل الأخضر سيجعل من الممكن تعبئة الموارد اللازمة، وإدارة أفضل للمخاطر المتعلقة بالمناخ وضمان قدر معين من الشفافية والنزاهة على مستوى الأسواق”.
ولم تعد ضرورة أخذ القطاع المالي المغربي للتدابير المناخية في الاعتبار محل نقاش، منذ احتضان المملكة لمؤتمر الأطراف “كوب 22” بمراكش في سنة 2016، حين التزم القطاع المالي بتكييف أنشطته مع أهداف التنمية المستدامة وذلك بتنسيق بنك المغرب.
ولفتت مهاوري إلى أن بنك المغرب، بصفته هيئة إشرافية وتنظيمية، يسهر على تحديد المبادئ الواجب مراعاتها من قبل البنوك، فيما يتعلق بإدارة المخاطر المالية المرتبطة بتغير المناخ والبيئة، كما أنه قام بإرساء برنامج عمل يشمل تقييم المخاطر المناخية على مستوى القطاع البنكي، وتعزيز القدرات التقنية للقطاع.
وأكدت أنه من المتوقع أن يشهد التمويل الأخضر بالمغرب نموًا كبيرًا في السنوات المقبلة، نظرًا لما تفرضه الالتزامات التي تم التعهد بها في سياق العمل المناخي.
وفي هذا السياق، يعتزم البنك المركزي تركيز جهوده المستقبلية على تعزيز الإطار القانوني والتنظيمي من خلال إصدار توجيهات إضافية لتعزيز الشفافية وجمع البيانات المرتبطة بالمناخ، مع مواصلة المساهمة في المشاريع الوطنية المتعلقة بالتمويل الأخضر، ولاسيما إصدار تصنيف مالي أخضر بحلول عام 2027.