غلاء “سمك الفقراء” بالمغرب يُعرّي “أزمة” متعددة الأبعاد

أزمة “متعددة الأبعاد” يعرفها قطاع صيد الأسماك السطحية بالمغرب، إذ لم يتأخر كثيراً انعكاس النُدرة التي اشتكت منها فعاليات مهنية في كميات أسماك السردين بالمياه المغربية على الأسعار. وعرفت الأخيرة منذ صباح اليوم الاثنين ارتفاعاً جديداً وصل إلى 20 درهما للكيلوغرام، بعد الارتفاع الصاروخي الذي شهدته الصيف الماضي كذلك.
خبراء أشاروا إلى أن الأحوال الجوية مسؤولة عن تقلبات العرض، بحيث تتراجع كمية مفرغات الصيد بسبب هيجان البحر، الذي يُعسّر على الصيادين مهمة دخوله ويقلص مردوديتهم، ما يؤدي بالتالي لارتفاع الأسعار.
غير أن الكاتب الوطني للنقابة الوطنية لبحارة وربابنة الصيد البحري، عبد القادر التويربي، يرى أن مشكلة “سمك الفقراء” ليست سوى الشجرة التي تخفي غابة اختلالات عميقة يشكو منها قطاع الصيد البحري بالمغرب، ولا سيما في ما يتعلق بصيد الأسماك السطحية، ومن بينها السردين و”الشرن” و”كابايلة” والأنشوجة.
أزمة “ثلاثية الأبعاد”
وأكد التويربي، في تصريح لصحيفة “مدار21″، أن أزمة القطاع “ثلاثية الأبعاد”؛ بُعد بشري متعلق بالممارسات والسياسات العمومية في مجال الصيد البحري، وآخر طبيعي بالإضافة إلى بعد متعلق بمعاناة المهنيين.
وفي ما يتعلق بالبعد الأول، أفاد بأن “البحث العلمي لا يضطلع كما ينبغي بواجباته في توفير معطيات علمية دقيقة للسلطات والفاعلين والمهنيين، بغية اتخاذ قرارات مستنيرة لا سيما في ما يتعلق بالراحة البيولوجية للأسماك”.
ولفت المهني إلى أنه “منذ سنة 1975 لم تعد الأسماك السطحية تستفيد من أي راحة بيولوجية في المياه المغربية، بعدما كانت في ما مضى تستفيد من راحة مدتها 3 أشهر ونصف تقريبا ما بين منتصف دجنبر إلى شهر مارس”.
وأضاف أنه ثمة ضغط شديد على صيد هذه الأسماك، بحيث تكاثرت القوارب بشكل هائل وزاد حجمها وبالتالي كمية ما تصطاده في ظل غياب فترة مخصصة للراحة البيولوجية.
وكانت تقارير إعلامية حديثة لفتت إلى أن مراكب الصيد الروسية اصطادت 10 آلاف طن من الأسماك السطحية بالمياه المغربية.
من جهة أخرى، أشار الخبير إلى “العامل الطبيعي”، مبرزا أنه منذ تسعينيات القرن الماضي أدت التغيرات المناخية إلى تحولات عميقة في بنية الصيد البحري بالمغرب؛ “مثلا، نحن حاليا في شهر دجنبر على أبواب فصل الشتاء، ولا وجود للتيارات البحرية الباردة والمطيرة التي تجذب الأسماك من المياه الإقليمية لأمريكا وإفريقيا الجنوبيتين، وبالأخص نحو سواحل وسط المغرب، وهذا الوضع قائم وتفاقم منذ حوالي 4 سنوات الآن”.
وفي معرض جوابه عن سؤال حول أسباب عدم تمتيع الأسماك السطحية بفترة راحة بيولوجية، أفاد التويربي أن الراحة البيولوجية العامة مطلب مُلح من أجل تحقيق صيد بحري مستدام وضمان حق الأجيال المقبلة من الثروة السمكية للبلاد، غير أن هذه الفترة تحتاج إلى توفير تعويضات ودعم مالي لفائدة المهنيين خلالها.
وقال إن “الأمر معقد، بحكم أن الدولة سيتعذر عليها تعويض عشرات الآلاف من البحارة، بالإضافة إلى العديد من المهن الجانبية المرتبطة بالصيد البحري والتي تشغل بدورها الكثير من الناس، ما ينذر بأزمة اجتماعية في حال إقرار راحة بيولوجية دون دعم”.
الحلول بيد “البحث العلمي” والوزارة الوصية
وفي ما يتعلق بالحلول الممكنة، طالب التويربي السلطات الوصية على القطاع بإعادة النظر ومراقبة وسائل الصيد بالسواحل المغربية التي ترزح تحت نير الفوضى على حد تعبيره.
كما طالب الباحثين المتخصصين في الشؤون البحرية والصيد بتوفير المعطيات للوزارة والمهنيين، بغية مساعدتهم على اتخاذ قرارات تأخرت كثيرا في هذا المجال؛ “ينبغي أن تكون هناك رؤية واضحة وموحدة، مشكلة القطاع أنه جد متشعب ويتعدد فيه المتدخلون، كما أن الوزارة لا تتشاور مع النقابات المهنية، وتكتفي بسماع صوت الفيدراليات وأرباب المقاولات”.
ونبه إلى مشكلة اقتطاف الطحالب؛ “هذه مشكلة صغيرة مقارنة بما ذُكر، ولكنها تلعب دورا، ينبغي تقنين وتعديل الوقت المخصص لاقتطاف الطحالب (الربيعة)، من أجل المساهمة في الراحة البيولوجية، بحيث تعمد الأسماك إلى التغذي منها والتكاثر داخلها، وحين لا تعثر عليها تكون مضطرة للهجرة إلى مناطق أخرى”.