بورتريه

بنعليلو.. قاضٍ أبدع في مهمة الوسيط وأنهى أزمات أشعلها سياسيون

بنعليلو.. قاضٍ أبدع في مهمة الوسيط وأنهى أزمات أشعلها سياسيون

بينما كان الوزير السابق للتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عبد اللطيف ميراوي يصب الزيت على نار احتجاجات طلبة الطب، بتصريحات “غير محسوبة” تارة وقرارات انفرادية تارة أخرى، ظل وسيط المملكة، محمد بنعليلو، من جهة أخرى يرعى الوساطة التي توصلت بعد شهور من التفاوض إلى إنهاء أطول إضراب عرفتها كليات الطب في العالم.

وخلال السنتين الأخيرتين حضر اسم وسيط المملكة بقوة خلال أبرز الاحتجاجات التي شهدتها الساحة المغربية، منها أزمة امتحانات الأهلية لولوج مهنة المحاماة، وكذا احتجاجات الأساتذة ضد النظام الأساسي، والتي أسفرت عشرات التوقيفات عن العمل مع توقيف الأجرة، إضافة إلى أزمة كليات الطب بالمغرب.

وعلى الرغم من “التجاهل” الذي ظلت الإدارة تواجه به توصيات مؤسسة الوسيط في كثير من المناسبات، إلا أن هذه الأخيرة ظلت وفية لأدوارها لتجد مخرجا لقطاعات وزارية، من أزمات صنعها سياسيون.

بنعليلو، وسيط المملكة، الذي سبق أن انتقد تأخر تنفيذ توصيات المؤسسة من طرف الإدارة، ذلك أنها بلغت 832 توصية عند نهاية السنة، أثبت خلال الأزمات سالفة الذكر الأهمية البالغة التي تكتسيها هذه المؤسسة في الوساطة، والحاجة الدائمة إلى مهامها، حتى وإن ضاق صدر بعض السياسيين بإلحاحها.

عندما يتابع المرء ترافع بنعليلو، وإذا ما نزع عنه صفته الرسمية، يخاله حقوقيا تمرس في ساحات النضال طويلا، أو معارضا احترف الخطابات، غير أن خريج المعهد العالي للدراسات القضائية يظل وفيا لأدوار المؤسسة التي عُين على رأسها، متشبثا دوما ببث الأمل الأخير لدى من أُغلقت الأبواب في وجوههم.

وفي الوقت الذي أعلن فيه فرقاء سياسيون قيامهم بمبادرات للوساطة، طغت على بعضها أبعاد الاستثمار السياسي، دون أن تفضي إلى أي نتيجة، لجأ وسيط المملكة إلى قيادة مبادرة الوساطة بغاية إنهاء أزمة كليات الطب دون خلفيات، ولعل ذلك ما لخصه بنعليلو حين صرّح لجريدة “مدار21” بأن “الوساطة المؤسساتية تقتضي السرية”، رافضا كشف ما يجري بين الأطراف، وذلك بغاية إيصال الوساطة إلى بر الأمان.

أزمة امتحانات المحاماة

خلال سنة 2023، عاش المغرب أزمة غير مسبوقة بعد إعلان نتائج امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة، إذ خاض مجموعة من “الراسبين” احتجاجات طويلة ضد وزير العدل عبد اللطيف وهبي، بسبب ما اعتبروا أنه “فساد واختلالات” عرفه الامتحان ونتائجه.

وبينما وصلت الأزمة إلى الباب المسدود، وطرق المتضررون مختلف الأبواب، ليعلنوا في الأخير خوض اعتصامات وإضرابات عن الطعام، ظهر اسم مؤسسة الوسيط التي استمعت إلى مختلف الأطراف، لتخلص إلى حل أسفر عن إنهاء الأزمة.

مؤسسة وسيط المملكة رفعت حينها “تقريرا خاصا” إلى رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، حول النقاش الذي أثير بمناسبة امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة الأخير، طالبت فيه بالإعلان عن امتحان جديد يستجيب لنفس شروط امتحان دورة 04 دجنبر 2022، الذي أثارت نتائجه جدلا واسعا بسبب “شبهات اختلالات” شابت لوائح الناجحين.

وضمّنت المؤسسة تقريرها، مقترحات وتوصيات شكلت خلاصة الوساطة الهامة التي باشرتها في الموضوع، وذلك في سياق علاقة ارتفاقية قائمة على الثقة وحسن النية، وهو ما جعل المؤسسة تنجح في إنهاء أزمة كبيرة خيمت على وزارة العدل.

أزمة احتجاجات كليات الطب

وخلافا لكل الأزمات التي تدخلت بها مؤسسة الوسيط، كانت أزمة طلبة الطب هي الأعقد، نظرا لطول مدتها، وللخلاف الكبير في وجهات النظر الذي كان قائما بين الوزير السابق عبد اللطيف ميراوي وممثلي الطلبة، ما جعل مبادرة الوساطة تستغرق أشهرا.

وكان الوزير ميراوي قد أشار في أكثر من مناسبة إلى ركوب جهات سياسية على احتجاجات طلبة الطب، كما شكك في وطنية بعضهم، إضافة إلى انفراده في إعلان مجموعة من القرارات التي لم تسفر إلا إطالة الاحتجاجات، مع استحضار المقاربة الزجرية التي اعتمدها عبر طرد ممثلي الطلبة وحل لجانهم.

وإلى جانب الدور الذي لعبه التعديل الحكومي في دفع الأزمة نحو الحل بعد تعيين عز الدين الميداوي خلفا لميراوي، إلا أن تمسك مؤسسة الوسيط بجهودها في تقريب وجهات النظر كان له الوقع الإيجابي، على وضع نقطة نهاية لأزمة كادت تعصف بصحة المغاربة وبالسمعة التي راكمتها البلادج على الصعيد الطبي.

وأسفرت الجهود إعلان مؤسسة وسيط المملكة، قبل يومين، عن نجاح مبادرة التسوية التي قادتها بين الإدارة وطلبة كليات الطب والصيدلة، ترتب عنها عودة الطلبة المعنيين إلى مدرجاتهم وتداريبهم السريرية الميدانية، ووضع حد لكل الأشكال الاحتجاجية المتخذة منذ ما يناهز إحدى عشر شهرا، والتي بلغت حد المقاطعة التامة للدروس والامتحانات.

بنعليلو.. قائد جهود الوساطة

خلال مراسيم تعيينه على رأس مؤسسة وسيط المملكة، وجه الملك محمد بنعليلو إلى “..الحرص على التفعيل الكامل للصلاحيات المخولة لهذه المؤسسة، سواء في مجال القيام بمساعي الوساطة والتوفيق، واقتراح المتابعات القانونية، أو فيما يتعلق بالتعريف بدورها واختصاصاتها، والتفاعل مع المواطنين المتضررين”، ولعل ذلك ما جعل المؤسسة تنجح في تسوية خلافات كبيرة بين متضررين وقطاعات وزارية.

وولد محمد بنعليلو، الذي يشغل مهمة وسيط المملكة منـذ 13 دجنبر 2018، بتاريخ 02 فبراير 1975، وهو متزوج وأب لطفلين، سبق له أن نال وسام المكافأة الوطنية من درجة ضابط كبير، كما راكم تجربة مهنية وأكاديمية طويلة.

وشغل بنعليلو مهام قضائية، منها مستشار بمحكمة النقض، وقاض بالمحكمة الإدارية بالرباط، وقاضي التحقيق بالمحكمة الخاصة للعدل بالرباط، وقاض بالمحكمة الابتدائية بطنجة.

كما تولى مسؤوليات ومهام إدارية؛ منها رئيس قطب الشؤون الإدارية والتكوين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ومدير الموارد البشرية بوزارة العدل، ومدير الدراسات والتعاون والتحديث بوزارة العدل والحريات، ورئيس ديوان وزير العدل والحريات، ومستشار وزير العدل في السياسة الجنائية، ورئيس قسم القضايا الجنائية الخاصة بوزارة العدل، ورئيس مصلحة تنفيذ المقررات القضائية في المادة الجنائية بوزارة العدل، وعضو اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة، وعضو وحدة معالجة المعلومات المالية (هيئة متخصصة في مكافحة غسل الأموال)، إضافة إلى اضطلاعه بمهام استشارية عديدة، وشغله مهنة التدريس لسنوات بجامعات متعددة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News