هشام العسري يُخلخِل “سطحية” سردية الواقع برواية “فتنة بانك”

يلامس الكاتب الروائي والمخرج السينمائي عالم الخيال العلمي في روايته الجديدة “فتنة بانك”، بقراءة عميقة لأحداث غير مألوفة تتسم بالغرابة في مجتمع مليء بالغموض والإثارة يعكس جوانب يُغفل معالجتها رغم أهميتها، معتمدا فيها على أسلوب شاعري ومرتكزا على الاستعارة، بعيدا عن البساطة المعتادة في الأعمال الفنية المغربية.
ويغوص هشام العسري في هذه الرواية في قصة لا تقل غرابة عن سابقتها من الروايات التي يشتغل عليها، إذ ركز قلمه على شخصية نسائية تجد نفسها مبحرة في تجربة عمل غامض لا تفهم فحواه إلا عند الاقتراب من نهاية القصة، في إشارة إلى فرضيات حول نهاية العالم، وفق ما كشف عنه في تصريح خص به جريدة “مدار21”.
وفضل العسري الاشتغال على تيمة الخيال العلمي في هذه الرواية، لخلق عالم خيالي يصف نهاية العالم، يحضر فيه المنقذ الذي ستأتي به هذه السيدة التي تدعى نورا لتمنح وجهة نظر عن محاولة فهم المجتمع بطريقة مجازية.
وتتجلى أهمية الخيال العلمي بالنسبة لهشام العسري في إمكانية فتح باب تصور أشياء غير واقعية لكن في الوقت ذاته لها علاقة بالواقع المعاش، للابتعاد عن الكتابات الواقعية التي تحكي عن المشاكل الحالية، وما يأتي بعد الكارثة، بسطحية، وفق تعبيره.
ويضيف العسري: “حينما نتحدث عن مجتمعنا، فنحن نتحدث عن مجتمع من وجهة نظر سوسيولوجية مهمة عادة، لكن من الضروري أن نتطرق إلى أحداثه بمعالجة تُغيب التبسيط الذي يعبر عن العلاقات الإنسانية في هذا المجتمع، والانطلاق منها بالاعتماد على التخيل، إذ إن مجتمعنا وثقافتنا بهما الكثير من الظواهر التي تتيح لنا إمكانيات التخيل مثل “عيشة قنديشة” أو “عيشة البحرية”.
ويرى العسري أن “اللا منظور له وجود كبير لكن لا نوظفه في كتاباتنا وأفلامنا، لذلك أحاول في روايتي التي تنتمي إلى صنف الخيال العلمي، أو الفنتازيا، الحديث عن الواقع من وجهة نظر مختلفة، وغرائبية غير عبثية كما يشير البعض. ففي مجتمعنا تقع بعض الأشياء التي لا نفهمها في بعض الأحيان لذلك نعطي لمحة تقريبية عنها من خلال الكتابة والموسيقى”.
وضمن أهداف كتابته، يقول الكاتب والمخرج السينمائي هشام العسري إنه يرغب في الحديث عن المغرب بطريقة مختلفة بتوظيف جانب درامي في مقاربته لموضوع نهاية العالم، برصد الوحوش والأشخاص الذين يتسمون بالغرابة، لتجاوز الكتابات البسيطة التي تتطرق إلى قضايا مستهلكة من قبيل قصص الحب والطلاق على سبيل المثال.
وبخصوص اعتماده على أسلوب يوصف بـ”العميق” و”المعقد”، يقول العسري إن “الكتابة بالنسبة لي مهمة جدا، وما يميز الكتابة الروائية عن الكتابة السينمائية هو الأسلوب، ففي السينما نكتب صورا، أما في الأدب تكون لنا الإمكانية لكتابة كل شيء دون أن نقف عند موانع أو حواجز مرتبطة بإمكانية التطبيق على أرض الواقع”.
وعن تناوله مواضيع غير معتادة بتوظيفه الأسلوب الشاعري، يرد قائلا: “أحاول التطرق إلى هذه المواضيع التي تعجبني وتلهمني بطريقة شاعرية تبعدنا عن التبسيط، إذ أفضل دائما إحياء المعلقات التي تستهويني، خاصة التي تعود لعمرو ابن كلثوم، إذ أحاول الاستنباط منه. ففي الثقافات العربية والإسلامية وحتى قبل الإسلام كان لنا متخيلات واسعة وروح شاعرية نفتقدها اليوم في الأعمال الفنية عامة التي تعتمد على البساطة دون غوص في عمق الأشياء”.
ويسرد العسري قصة روايته الديستوبية، التي تدور أحداثها في الإنترزون، وهو فضاء خيالي مستوحى من المنطقة الدولية بطنجة، التي كانت في وقت سابق ترمز للفوضى والمقاومة، بشكل جريء كما تعود عيله الجمهور.
وفي تفاصيل الرواية الجديدة، التي تحمل مفهومين، هما “البانك” الذي يعني حركة احتجاجية ثورية، و”الفتنة”، التي تشير إلى الفوضى والانقسام.
واختار العسري في هذه الرواية، معالجة التفكك الاجتماعي والاحتجاجات المعاصرة بتوظيف أسلوبين بصري وشاعري يهدفان إلى تفكيك القواعد السردية التقليدية.
وتحكي هذه الرواية عن “نورا”، شابة تجد نفسها في عالم غامض بعد قبولها عرض عمل غريب، يغوص القارئ معها في قالب من الغموض والاكتشاف التدريجي للأحداث.
وتعكس هذه الرواية الأزمات التي تمر بها المجتمعات الحديثة، بتوظيف استعارة تعكس طابعا كابوسيا تتخلله زلازل وهزات أرضية.
وتندرج “فتنة بانك” في سياق أعمال هشام العسري التي تتناول قضايا التمدن والتهميش والإقصاء الاجتماعي، بأسلوب يمزج بين التمرد والابتكار اللغوي، وفق ما توصلت به جريدة “مدار21”.
واختار العسري أيضا في هذه الرواية أن يربط الواقع الحديث، بالتكنولوجيا والاضطرابات التي يعيشها العالم في ظل التفكك الاجتماعي، في قراءة عميقة.
يقول محمد بكرّيم عن الرواية: “يُقال إن البانك أسلوب حياة وسلوك عام، ويمكن القول إن هشام العسري استعاد هذا المفهوم ليجعله أسلوبًا خاصًا به؛ أسلوبًا يستحق مكانته في الحداثة. في كتابته نجد شيئًا من كرننبرغ، كتابة بمعناها الحديث، أي عملية خلق نص – سواء كان أيقونيًا أو لفظيًا. يضع العسري جسد الإنسان في مواجهة خلل العالم التكنولوجي: حيث يمكن قراءة تحولات الجسد الفيزيائي كاستعارة لتدهور الجسد الاجتماعي”.
وستصدر هذه الرواية الجديدة التي تحمل عنوان “فتنة بانك” في المكتبات ابتداء من 10 من شهر نونبر الجاري، ليضع العسري القارئ أمام عالم يتطلب إعادة النظر في العلاقات الإنسانية والاجتماعية، من خلال عمل ينضاف إلى سلسلة أعمال طرحها بمقاربة تعكس التوتر بين الغرابة والرغبة في البقاء.
يذكر أن الكاتب الروائي والمخرج هشام العسري، أشرف قبل أيام على إخراج مسلسل تلفزيوني يحمل عنوان “منال” الذي تولى أيضا كتابة السيناريو الخاص به.
ولارتباطه بالتجديد في مجال عمله وخوض تجارب غير مسبوقة مرتبطة بالجانب العلمي، وظف العسري في هذا المسلسل المرتقب عرضه على شاشة قناة الأولى، تقنية “التزييف العميق” التي تعمل على تغيير الوجوه.
ويتحدث هذا المسلسل الذي يعتمد في إخراجه على بتقنية “deepfake” أي “التزييف العميق” عن العمل بالتكنولوجيا في المغرب الحديث، إذ يُظهر كيفية استعمال التكنولوجيا في المغرب الحديث، من باب دفاع الشخصية (البطلة) عن ذاتها وحماية نفسها.