أخنوش: الأغلبية متماسكة وتدخلنا إيجابياً لفائدة 90% من الأسر المغربية

قال رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، إن روح المسؤولية التي تكرس تماسك الأغلبية وتظهر مدى قوتها وانسجام مكوناتها، “إنجازاً للأغلبية وقياداتها، وتعكس نضجاً سياسياً لدى الأحزاب الثلاث”، معتبراً أن هذا التماسك مكَّن من تجاوز الآثار الجانبية التي عرفتها التجارب السابقة والتي انعكست سلباً على الأداء الحكومي والبرلماني في السنوات الماضية.
واعتبر أخنوش في كلمته، خلال اجتماع لأحزاب الأغلبية، مساء اليوم الثلاثاء، أن النجاح السياسي الذي طبع تدبير الأغلبية كان سبباً حاسماً في تجاوز التعطيل التنموي ومخلفات التأخر المسجل في عدد من الملفات الاستراتيجية. “لذلك كنا حريصين منذ بداية هذه المرحلة على ضمان تماسك الأغلبية ومكوناتها بهدف تجاوز كل الصعوبات التي ورثناها في الفترات السابقة”.
وأوضح أن الدخول السياسي لهذه السنة يجعل البلاد أمام رهانات حددها الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الأخيرة، والتي ستكون فيها قضية الصحراء المغربية والتطورات الإيجابية التي يعرفها هذا الملف واحدة من أبرز معالم السنة التشريعية والحكومية التي نحن بصددها.
وأشار إلى أن الخطاب الملكي الأخير يحمل دلالات رمزية وتاريخية جد متقدمة، “وتمر معه القضية الوطنية الأولى من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير بأبعادها الاستراتيجية المبنية على الاستباق وأخذ زمام المبادرة والتحلي بالحزم والمسؤولية. الفاعل السياسي اليوم، وفي مقدمته الفرق البرلمانية سواء في الأغلبية أو المعارضة، مطالب بالتقاط الرسائل في التعاطي مع ملف قضية الصحراء”.
وبهذا الصدد، أردف “وإذا كانت الدبلوماسية البرلمانية قد لعبت أدواراً ترافع مهمة في المراحل السابقة، فإننا اليوم نعول على فرق الأغلبية البرلمانية بالتفاعل بعمق مع مضمون الخطاب الملكي وتوحيد الجهود للدفاع عن القضية الوطنية، بما في ذلك اختيار الأطر والكفاءات البرلمانية المؤهلة للترافع دولياً، ومواكبة المستجدات والتحولات الوطنية والدولية المرتبطة بالصحراء المغربية، وجعل القضية المغربية ضمن الأجندة الرسمية للدبلوماسية البرلمانية سواء في المنظمات البرلمانية متعددة الأطراف أو في مجموعة الصداقة البرلمانية.
وفي نفس السياق الدبلوماسي، ثمن أخنوش المواقف النبيلة والشخصية للملك في دعم الشعبين الفلسطيني واللبناني، مجدداً إدانة المغرب الصريحة للحرب التي تشنها إسرائيل على الشعبين الشقيقين من خلال عمليات القتل الجماعي والتهجير القسري واضطهاد المدنيين العزل. مؤكداً على الموقف الراسخ للمملكة، “باعتبار أن السلم والاستقرار في المنطقة لن يتأتيا إلا في إطار حل الدولتين، بشكل يكون فيه قطاع غزة جزءاً لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية”.
وعبر عن تضامن المملكة المغربية الواضح والصريح مع الشعب والحكومة اللبنانيين، داعياً المنتظم الدولي للتدخل بشكل عاجل لوقف الحرب وحماية المدنيين ودعم سيادة لبنان على كافة أراضيه.
وعلاقة ب”المكتسبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تحققت في عهد هذه الحكومة”، قال إن النجاحات المحققة على جميع المستويات تؤكد بالملموس أن الاختيارات الحكومية كانت جد دقيقة ومركزة للجواب على أسئلة الظرفية الصعبة. “فجميع المؤسسات المالية الوطنية والدولية تشهد أن هذه الحكومة تجاوزت الأزمة بكل ثقة ومسؤولية، وحافظت على التوازنات الماكرو اقتصادية، مما أثر بشكل إيجابي على صلابة وصمود الاقتصاد الوطني أمام التحولات والتقلبات”.
وأضاف: “تمكنا في نفس الوقت من التنزيل السليم والمتكامل لأسس وركائز الدولة الاجتماعية كما أرادها الملك محمد السادس.. والحال أن هذه الحكومة، التي تعكف بالإرادة وحرصها على شراكة مثمرة مع فرق الأغلبية البرلمانية، استطاعت في فترة وجيزة استكمال الورش التنظيمي والمؤسساتي لتعميم التغطية الصحية على جميع المغاربة وضمان استدامتها، واستهداف الفئات المعنية بها، مع المضي قدماً نحو إصلاح عميق وشامل للمنظومة الصحية الوطنية بما يتلاءم والتوجهات الكبرى لمشروع الدولة الاجتماعية.
كما أشار إلى أنه: “من خلال المراجعة الشاملة للهيكلة وتوزيعها التشريعية الصلبة، وبشكل يقطع مع الارتجالية في تدبير قطاع التربية والتكوين، تمكنا منذ بداية الولاية الحكومية من مباشرة عملية إصلاح متكامل لهذا القطاع الاستراتيجي، شعاره بناء مدرسة الإنصاف والجودة وتكافؤ الفرص. فواقع المدرسة العمومية المغربية جعل الفريق الحكومي حريصاً على كل الحرص على أولوية التعليم خلال هذه الولاية، ومن خلال تبني طريق واضحة المعالم، أساسها التلميذ والأستاذ والمدرسة، وتوفير كل الشروط الضرورية لنجاح هذه التجربة وجعلها محطة من محطات الارتقاء الاجتماعي لكافة أبناء الشعب المغربي.
وأكد أن الرؤية الحكومية تتقاطع مع التوجيهات الملكية بخصوص الحق في السكن لجميع المغاربة، مسجلاً أن الحكومة بادرت إلى إطلاق برنامج الدعم المباشر للسكن لتعزيز قدرة الطبقات الاجتماعية ذات الدخل المحدود والمتوسط على اكتساب سكن لائق بما يحفظ كرامتها ويلبي حاجتها، وهو البرنامج الذي لقي إقبالاً كبيراً في جميع المدن المغربية”.
ولفت عزيز أخنوش في كلمته إلى أن الحكومة تمكنت من اتخاذ خطوة حاسمة نحو تعاقد اجتماعي جديد عبر إطلاق مسلسل الحوار الاجتماعي بحكمة وابتكار، “وهو الذي ظل متوقفاً خلال مرحلة الحكومات السابقة، مع توفير ما يقارب من 45 مليار درهم لكل الاتفاقيات الاجتماعية المتلاحقة في عدد من الملفات المتعثرة، مما يبرز بالملموس التوجه الخاص الراسخ في جعل الحوار مع الفرقاء أولوية متجددة ضمن أجندة الحكومة الحالية”.
ومضى قائلاً: “موازاةً مع هذا التفوق الحكومي في المجال الاجتماعي، كنا على موعد تاريخي لإقرار نطاق جديد للاستثمار، الذي شكل دعامة أساسية للاقتصاد الوطني. وأمام الوضعية المقلقة للمخزون المائي، وبالتزامن مع تزايد سُوات الجفاف وقلة التساقطات، عملت الحكومة تحت التوجيهات الملكية السديدة بكثير من اليقظة والاستباق، على توفير كل الإمكانيات المالية والبشرية لتدارك الزمن التدبيري لهذا القطاع الحيوي، ومباشرة البرنامج الوطني للتزود بالماء الشروب ومياه السقي، بتكلفة إجمالية تقارب 143 مليار درهم.
وفي نفس السياق، أفاد أن المرحلة المقبلة سيكون فيها موضوع التشغيل أولوية حكومية بامتياز، ورهاناً استراتيجياً ستعمل على تكريسه وتوفير كل الشروط والإمكانيات الضرورية لإنجاحه بما يضمن التقليل من نسب البطالة في صفوف الشباب والكفاءات المغربية. مؤكداً أن الحكومة تمكنت من خلال البرامج ومختلف المجهودات الحكومية من التدخل إيجابياً لفائدة 90% من الأسر المغربية على اختلاف مستوياتها وفئاتها.
وفيما يتعلق بالفيضانات، جدد أخنوش تعازيه لعائلات ضحايا الفيضانات التي عرفتها بلادنا مؤخراً، وأكد أن الحكومة ومختلف السلطات تدخلت بشكل مستعجل للتخفيف من حدة الخسائر وإعادة الحياة، وأطلقت تنفيذاً لتوجيهات الملكية برنامجاً لتأهيل هذه المناطق بميزانية إجمالية تتجاوز 1.5 مليار درهم تشمل إعادة تأهيل المناطق المتضررة، “فيها مساعدات مباشرة تعني السكان، حيث تخص 80 ألف درهم للمساكن المتضررة جزئياً و140 ألف درهم للمساكن المتضررة كلياً”.
وقال إنه بنفس الطموح والإرادة السياسية، تواصل الحكومة مسيرة الارتقاء الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين والمواطنات، حيث يشكل مشروع قانون المالية لسنة 2025 محطة مهمة لاستكمال تنزيل البرنامج الحكومي. “فالحكومة تظل وفية لالتزاماتها، أي مواصلة الشغل، ومواصلة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، ثم الحفاظ على استدامة المالية العمومية”.
وأضاف: “من هذا المنطلق، يضمن مشروع قانون المالية عدداً من الإجراءات، منها إصلاح الضريبة على الدخل التي لم تعرف أي مراجعة منذ 14 سنة، من خلال تخفيض السعر الهامشي إلى 37% مع هامش الإعفاء التام ليشمل الأشخاص الذين تقل مداخيلهم عن 6000 درهم شهرياً، وهو إجراء سيستفيد منه أزيد من 2.5 مليون أجير، بالإضافة إلى 4 ملايين الذين يعنيهم هذا الإصلاح. كما سيتضمن رفع الدعم الاجتماعي المباشر لفائدة الأسر بمبلغ 250 درهم عن كل طفل من الأطفال الثلاثة الأوائل، و375 درهم عن كل طفل من الأطفال الأيتام من جهة الأب”.
وأكد أن الحكومة ستواصل أداء الاشتراكات برسم نظام التأمين الإجباري الأساسي على المرض الخاص بالأشخاص غير القادرين على أداء الواجبات الاشتراكية، وذلك بميزانية تقدر بـ 10 مليارات درهم. موضحاً أنها كذلك ستقوم بدعم القدرة الشرائية للمواطنين بمبلغ يصل تقريباً إلى 16.5 مليار درهم لصندوق المقاصة لدعم المواد الاستهلاكية الأساسية، ومواصلة دعم الكهرباء، وإقرار إعفاءات من الضريبة على القيمة المضافة ومن الرسوم الجمركية على مجموعة من الواردات من الحيوانات الحية واللحوم ومجموعة من المنتجات الفلاحية، لكي تعود الأسعار إلى مستوى معقول.
وأضاف: “ستخصص الحكومة 85 مليار درهم لقطاع التعليم، حيث زدنا 11 مليار درهم بالنسبة للسنة الماضية التي شهدت زيادة كبيرة، واستفاد القطاع الصحي من ميزانية إجمالية تصل إلى 32 مليار درهم، وزدنا تقريباً مليار درهم بالنسبة للسنة الماضية. أما حصة الدعم الاجتماعي المباشر فهي هذه السنة 26.5 مليار درهم”.
وأبرز أن الحكومة ستعمل من خلال قانون المالية على توطيد دينامية الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال، مشيراً إلى أنها ستعبئ ميزانية إجمالية تصل إلى 340 مليار درهم مخصصة للاستثمار العمومي، إلى جانب المقتضيات الإصلاحية التدريجية التي عرفتها قوانين المالية سنة 2023، مثل إصلاح الضريبة على الشركات، وإصلاح الضريبة على القيمة المضافة، وإدماج القطاع غير المهيكل، وإصلاح الضريبة على الدخل لتشجيع مبادرات التشغيل.
وأضاف “استكمالاً لإرادتنا في دعم الجهوية المتقدمة ودور المجالس المنتخبة في التنمية المجالية، سيتم بمقتضى هذا قانون المالية 2025 رفع حصة الجماعات الترابية من مداخيل الضريبة على القيمة المضافة من 30% إلى 50%”.
وبالنسبة لأولويات النصف الثاني من ولاية الحكومة، قال إن الحكومة ستخصص 18 مليار درهم للرفع من وتيرة تنزيل البرنامج الوطني للتزويد بمياه الشرب، و14 مليار درهم لإطلاق مقاربة مندمجة ومتكاملة للنهوض بالتشغيل. معتبراً أن “هذه إجراءات ملموسة تؤكد الإرادة القوية للحكومة للوفاء بالتزاماتها التي تعهدت بشأنها مع المواطنين والمواطنات، مع الحفاظ على التوازنات المالية للدولة”.
وتعهد بتحقيق الحكومة نسبة نمو متوقعة تبلغ 4.6%، ومواصلة خفض عجز الميزانية للوصول إلى ناقص 3.5%، ونسبة التضخم في حدود 2%. لافتاً إلى أنه في شتنبر الفارط كان أقل من 1%.
ورغم ما وصفه ب”الحصيلة التاريخية المسجلة في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية”، دعا الأغلبية البرلمانية والأحزاب المكونة لها إلى بذل مجهود إضافي للتواصل والتعريف واستغلال كل الفرص والقنوات المتاحة للتواصل مع المواطنين والترافع بكل قناعة راسخة حول المنجز الحكومي “الذي هو كبير، ونحن فخورون به”.
كما طالب الأغلبية الحكومية بتوحيد الجهود والاستمرار في التماسك والتلاحم لاستكمال تنزيل البرنامج الحكومي والأولويات الاستراتيجية المستعجلة على أكمل وجه، وذلك في أفق الاستعداد الجيد لباقي المحطات المقبلة في جو يسوده الاحترام والتقدير المتبادل، والتحلي بأخلاقيات الممارسة السياسية، جاعلين الهدف الأسمى هو خدمة الوطن والمواطنين بكل تجرد ومسؤولية.