تربية وتعليم

تحديات الدخول المدرسي.. ارتفاع التكاليف وشبح الإضرابات وإلغاء “مليون محفظة”

تحديات الدخول المدرسي.. ارتفاع التكاليف وشبح الإضرابات وإلغاء “مليون محفظة”

مع اقتراب كل موسم دراسي جديد في المغرب، تُطرح العديد من التساؤلات حول التحديات التي تواجه الأسر والتلاميذ على حد سواء.

ويتجدد النقاش حول مدى قدرة الأسر على تحمل تكاليف موسم دراسي جديد مرهق يثقل كاهلها، كما يعيد الحديث مجددا حول مدى استجابة هذه المقررات لمستجدات تحصيل التكوين البيداغوجي.

الدخول المدرسي بين جدل الإحصاء وشبح الإضرابات

ويأتي الدخول المدرسي الحالي في المغرب، بالتزامن مع الجدل المثار حول مشاركة الأساتذة بالإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، والذي يرافقه تساؤلات حول تأثيره المحتمل على سير العملية التعليمية والتحصيل الدراسي للتلاميذ.

ولا يمكن إهمال التخوفات من عودة شبح الإضرابات الذي طال الموسم الدراسي السابق واستمر قرابة ثلاثة أشهر كاملة، تفاعلا مع إشكالية النظام الأساسي آنذاك.

إلغاء مبادرة “مليون محفظة” يزيد أعباء الأسر المغربية

دخول مدرسي بلا مُبادرة “مليون محفظة”، شكل العنوان الأبرز، بعد إلغاء المبادرة التي كانت تهدف إلى توزيع اللوازم المدرسية على التلاميذ، وتعويضها بدعم مالي مباشر يُصرف للأسر المستفيدة من نظام الدعم الاجتماعي، ما أثار سخط الأسر التي كانت تنوي التسلح بهذا البرنامج في مواجهة لهيب ارتفاع الأسعار ومصاريف الدخول المدرسي الباهظة.

ولم يأتِ استياء فئة واسعة من الأسر المغربية خلال الدخول المدرسي الحالي اعتباطاً، بل جاء في ظل ارتفاع روتيني في الأسعار، سواء على مستوى تكاليف التسجيل أو فيما يتعلق بشراء اللوازم المدرسية، وعلى رأسها كتب المدارس الخصوصية.

ارتفاع تكاليف التعليم الخصوصي بالمغرب يثير تساؤلات الأسر

التعليم الخصوصي بالمغرب، وبالرغم من استقطابه لأعداد متزايدة من التلاميذ، إلا أن الأسر توجه سهام الانتقادات إليه بالنظر إلى ارتفاع تكاليف رسوم التسجيل به.

ولعل هذا الواقع، يثير تساؤلات عديدة حول الأسباب الكامنة وراء هذه الزيادة المتصاعدة في التكاليف.

وفي هذا الصدد، أكد الخبير التربوي، عبد الناصر ناجي، أن “السبب الرئيسي وراء هذه الوضعية هو رأي مجلس المنافسة الذي اعتبر التعليم بمثابة بضاعة، مما يتيح إخضاعه لقوانين المنافسة بين مؤسسات التعليم الخصوصي” على حد تعبيره.

وتابع عبد الناصر ناجي في تصريح لجريدة “مدار21″، أن هذا الرأي أدى إلى خضوع تكاليف التمدرس لقانون العرض والطلب، وفقاً لمفهوم المجلس نفسه.

وبخصوص تأثير هذا الرأي، أوضح ناجي أن وجود عروض مقدمة من مؤسسات التعليم الخاص، يقابله طلب من الأسر على هذا النوع من التعليم، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف التمدرس.

وأبرز الخبير التربوي أنه “كلما زاد الطلب على خدمات التعليم الخصوصي، ارتفعت تكاليفه، وهو ما يُعد انعكاسًا لقانون اقتصادي طبيعي” حسب قوله.

وأضاف ناجي أن الجانب غير الطبيعي في هذه المعادلة هو اعتبار التعليم “بضاعة”، كما جاء في رأي مجلس المنافسة، مؤكدا في السياق عينه، أنه كان من الأجدر العودة إلى قانون الإطار الذي نص بوضوح على أن التعليم هو خدمة عمومية وليس سلعة تُخضع للمنافسة التجارية.

التعليم الخصوصي والعمومي.. غياب الفوارق الجوهرية رغم ارتفاع التكاليف

وفي ظل ارتفاع تكاليف التعليم الخصوصي، يثار تساؤل مهم حول الفوارق في جودة التعليم بين المدارس الحكومية والخاصة.

ولمعرفة موقف فيدرالية آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، استطلعنا رأي رئيسها نور الدين عكوري، الذي أنه لا يوجد فرق جوهري بين التعليم الخصوصي ونظيره العمومي، مشيرًا إلى أن الساعات الإضافية التي يتلقاها التلاميذ في كلا النظامين تشكل دليلاً قاطعا على هذا الأمر.

وتابع نور الدين عكوري في تصريح لجريدة “مدار21″، “أن التلميذ الذي يدرس بالتعليم الخصوصي، وعلى الرغم من حضوره الدروس في المدرسة، يلجأ كذلك إلى الساعات الإضافية، وهو نفس الحال بالنسبة لتلاميذ التعليم العمومي” على حد تعبيره.

وبخصوص توجه الأسر نحو التعليم الخصوصي، أوضح عكوري أن السبب لا يعود إلى الفوارق البيداغوجية، بل مرتبط أساسًا بالظروف الاجتماعية التي تدفع العديد من الأسر إلى اختيار هذا النوع من التعليم لأبنائها، مضيفا أن هنالك العديد من العوامل الأخرى التي تجعل بعض الأسر تفضل التعليم الخصوصي على العمومي.

وفيما يتعلق بالتعليم العمومي، أشار عكوري إلى أن هذا القطاع يعاني من بعض المشاكل التي أثرت على مستوى الثقة لدى الأسر في المدرسة العمومية، مشددا على أن هذه المشاكل ما زالت قائمة، ما يدفع الكثير من الآباء إلى التردد في إعادة أبنائهم إلى المدارس العمومية.

جودة المقررات الدراسية وحاجتها للمراجعة

ومع ارتفاع هذه التكاليف، يبرز التساؤل حول ما إذا كانت جودة المقررات الدراسية تتناسب مع هذه المصاريف، وما إذا كانت هنالك حاجة لمراجعتها لضمان تحقيق أفضل قيمة تعليمية.

وبهذا الخصوص، أكد نور الدين عكوري أن المقررات الدراسية المعتمدة من قبل وزارة التربية الوطنية في مختلف المستويات التعليمية، سواء الابتدائي أو الإعدادي أو الثانوي، تعاني من إشكاليات واضحة، مضيفا أن هذا الوضع دفع مدارس الريادة إلى اعتماد تجديد في المقررات الدراسية لمعالجة هذه التحديات.

وبالنسبة لتعدد الكتب المدرسية، أوضح عكوري أن الحفاظ على الكتاب الواحد في المقررات الدراسية يعد خطوة إيجابية، مشيرًا إلى “أن تعدد الكتب بمحتوى واحد وأشكال مختلفة يخلق ارتباكًا نفسيًا لدى التلاميذ، حيث يجدون صعوبة في الاختيار بين هذه الكتب المتنوعة”.

الدخول المدرسي وتكريسه لثقافة الاستهلاك

ومع حلول كل دخول مدرسي في المغرب، يثار التساؤل حول ما إذا كان يشجع ثقافة الاستهلاك بنفس الطريقة التي تبرز في الأعياد وشهر رمضان، حيث يزداد الإقبال على شراء المستلزمات، إلا أن الخبير التربوي عبد الناصر ناجي يراه أن رأيا غير دقيق.

وفي هذا الصدد، أكد عبد الناصر ناجي “أنه لا يمكن اعتبار المدرسة جزءًا من ثقافة الاستهلاك”، موضحًا أن الأسر مضطرة لإرسال أبنائها إلى المدرسة، ونافيا كونه خيارًا استهلاكيًا.

وأضاف الخبير التربوي أن شراء الأدوات المدرسية يعتبر ضرورة لتلبية احتياجات الأطفال التعليمية، وهو نفس الأمر بالنسبة للتعليم الخصوصي الذي تلجأ إليه الأسر غالبًا بشكل اضطراري بسبب عدم تلبية التعليم العمومي لتوقعاتها.

وبخصوص اختيار الأسر للتعليم الخصوصي، قال ناجي إن هذه الأسر تعتبر أن التعليم العمومي لا يوفر خدمة تعليمية وتربوية بمواصفات الجودة المطلوبة، مما يدفعها إلى اللجوء إلى القطاع الخاص لضمان مستقبل أفضل لأبنائها.

في عز ارتفاع اسعار الكتب المدرسية.. ما هو دور الوزارة في ضبط السوق؟

تزايد شكاوى الآباء من ارتفاع التكاليف، يدفعهم للتساؤل عن دور وزارة التربية الوطنية في تنظيم سوق الكتب المدرسية وضبط الأسعار.

ولذلك، أكد نور الدين عكوري، أن الكتب المدرسية المعتمدة من قبل وزارة التربية الوطنية والتي تُدعمها الحكومة هي الكتب المتاحة في السوق المغربية، مضيفا أن هذه الكتب تخضع لمراجعة وتقييم الوزارة لضمان جودتها وتوافقها مع المناهج التعليمية.

وبخصوص المقررات الدراسية الموازية، قال عكوري إن العديد من مؤسسات التعليم الخصوصي تعتمد على هذه المقررات، التي تكون غالبًا مستوردة من الخارج أو منتجة محليًا، موضحا أن هذه المقررات غالبًا ما تكون بأسعار مرتفعة نسبيًا مقارنة بالكتب المدرسية الرسمية.

وأضاف رئيس فيدرالية آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، أنه من الضروري أن تكون هذه المقررات الموازية معتمدة من قبل الوزارة الوصية لضمان جودتها ومطابقتها للمناهج المعتمدة، مشددا على أهمية أن تكون الأسر على دراية بهذا الأمر لضمان تلقي أبنائها التعليم الذي يتماشى مع المعايير المعتمدة.

إصلاح المقررات الدراسية

ونظرًا للاختلالات التي تعاني منها المقررات الدراسية، تبقى الحاجة إلى الإصلاحات ضرورية لتتماشى بشكل أفضل مع احتياجات التلميذ المغربي.

ولذلك، أكد الخبير التربوي، عبد الناصر ناجي، أنه “يجب أولاً تحديد ما نريده من المتعلم المغربي والمستقبل الذي نطمح إليه، وذلك من خلال رسم صورة واضحة لمستقبله”.

وتابع ناجي أن هذه الصورة للمستقبل تتجسد في النموذج التنموي الجديد، الذي يسعى إلى تحديد معالم المملكة في أفق عام 2035.

وبخصوص تخطيط التعليم، قال المتحدث ذاته “إن التخطيط يجب أن يتجاوز الحاضر إلى الأجيال القادمة، على الأقل جيل أو جيلين”، موضحا أن التفكير اليوم ينبغي أن يكون في اتجاه “مغرب 2050″، وما سيكون عليه المواطن في تلك الفترة.

وأضاف لخبير التربوي أنه عند تحديد مواصفات المواطن المغربي، يتعين تسطير الكفايات والمهارات التي يجب أن يتقنها، لكي يتمكن من تنفيذ ما تم رسمه في النموذج التنموي بنجاح.

ولعل الدخول المدرسي، يفرض تحديات كبيرة على الأسر المغربية من حيث التكاليف وجودة التعليم.

ورغم جهود وزارة التربية الوطنية، يبقى السؤال حول قدرة النظام التعليمي على مواكبة احتياجات التلاميذ، مما يجعل الإصلاحات أكثر إلحاحاً لضمان تعليم عادل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News