بسبب المسطرة المدنية.. وهبي يتجه لجرِّ الحكومة إلى أزمة جديدة

بعدما استقرت لعدة أشهر، يبدو أن مناقشة مشروع قانون المسطرة المدنية أبت إلا أن تحي خلافات دفينة بين وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، وهيئات المحامين بالمغرب وتوريط الحكومة في أزمة جديدة، وذلك بسبب ما يعتبره أصحاب البدلة السوداء “محاولات لإخراج” هيئة الدفاع من جغرافيا العدالة المغربية وتقزيم أدوارها وعدم انضباط مضامين المسطرة المدنية الجديدة للمقتضيات الدستورية.
وبمصادقة مجلس النواب على مشروع قانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية، مع الحفاظ على أبرز مضامينها، يكون وزير العدل قد بصم رسميا على انطلاق أزمة جديدة مع أصحاب “البدلة السوداء” الذين أعلنوا إضرابا لثلاث أيام، يرتقب أن تليها خطوات تصعيدية.
ورغم توضيحات وزير العدل، اليوم الثلاثاء، في الجلسة العمومية التشريعية المخصصة للمصادقة على مشروع القانون المتعلق بالمسطرة المدنية، بأنه “قوّى حق الدفاع”، معتبرا أن “المشروع أكد على دور المحامي على مستوى تمثيل الأطراف أمام القضاء، حتى في حالة الدعوى التي تطبق فيها المسطرة الشفوية”، غير أن احتفاظه بعدد من المقتضيات التي أغضبت المحامين يناقض هذه النوايا.
وشدد المسؤول الحكومي على أن “المشروع قوَّى من ضمانات الدفاع ومركز المحامي في الدعوى المدنية بحيث أصبح صلة وصل بين القضاء والمتقاضي”، معتبراً أن “إجراءات التحقيق من خبرة ومعاينة وأداء اليمين لا تتم بشكل قانوني إلا بحضور المحامي أو بعد استدعائه بصفة قانونية”.
وأمام دفاعه المستميت على صون حقوق هيئة الدفاع، اعتبر عزيز الرويبح، نقيب هيئة المحامين بالرباط، أن “مشروع قانون المسطرة المدنية كما صادقت عليه لجنة العدل والتشريع هو مشروع ضد المحاماة وأنه يضرب حقوق المتقاضين ويبخس من أدوار المحامين في منظومة العدل ببلدنا”.
وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة “مدار21” على هامش الندوة التي نظمتها جمعية هيئات المحامين، أمس الإثنين، أن مشروع المسطرة المدنية “لا يتلاءم مع مغرب اليوم ولا يستجيب لكل الأصوات التي تريد إصلاح منظومة العدالة”، مبرزا أنه “لا يمكن أن تكون العدالة قوية بمحاماة مستهدفة وضعيفة”.
وتابع نقيب المحامين بهيئة الرباط أنه “لا يمكن أن نتصور عدالة وفق ما يتطلبه الدستور ووفق الخطب الملكية التي تركز على أن قلب إصلاح منظومة العدالة هو المتقاضي وولوجه السلس والآمن لمرفق العدالة”.
ووصف الرويبح أن لحظة المصادقة على قانون المسطرة المدنية بـ”اللحظة المفصلية”، مسجلا أن جمعية هيئات المحامين “قامت بكل ما يمكن أن تقوم به للإقناع بخطورة هذا المشروع على العدالة وعلى جقوق الدفاع”، مردفا أن “التمييز بين المواطنين في اللجوء إلى القضاء بوضوح فإننا نقيم فواصل وجزر داخل المغرب”.
وشدد النقيب ذاته أن “العدالة يجب أن تكون بيئة سليمة لا بيئة لزجة تشوش على كل مجهودات الإصلاح التي يعرفها مرفق العدالة”، مسجلا أنه “نحن اليوم مضطرون إلى الدفاع عن مهنتنا وعن تاريخها ومستقبلها”.
من جانبه، انتقد النقيب الحسين الزياني، رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، “سرعة إخراج مشروع قانون المسطرة المدنية بعدما سجلنا عليه العديد من التراجعات والنقائص التي سبق أن تم تقديم بشأنها مذكرات ومقترحات لم يستجب لها ولم يجب عنها، رغم فتح المحامين باب الحوار”.
وأورد الزياني أن تنظيم المحامين لندوة تخصص لموضوع المسطرة المدنية جاء بعد سلسلة من اللقاءات مع جميع الفرقاء والشركاء من وزارة العدل والمؤسسة التشريعية والفرق البرلمانية، حيث قدم المحامون شروحات وحوارات بإشراك أكاديميين وخبراء، مفيدا أنه عند معاينة السرعة التي سيخرج بها مشروع قانون المسطرة المدنية يتضح أنه سيخرج بكيفية غير ملائمة.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن مشروع قانون المسطرة المدنية “تنتابه نقائص ومخالفة لدستور المملكة والمبادئ الكبرى، لا سيما الخطب الملكية التي تؤسس لمفهوم جديد للعدالة، يجعلها في خدمة المواطن”.
وتابع رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب أنه “لا يمكن القبول بتقزيم دور المحامين في المحاكمات، ولا يمكن أن نقبل بجعل المواطن يلج العدالة غير متبصر وغير عارف بالمقتضيات التشريعية المعقدة والمتعددة، ولا يمكن أن نقبل بحرمانه من حقه في الطعن بالاستئناف”.
وفي السياق ذاته أبرز النقيب رفض المحامين القبول بتسقيف مبالغ معينة التي كان ينبغي أن تكون على الأقل بمعايير معتدلة، مضيفا أنه في إطار الأوراش الكبرى بالمملكة فإن هذا المشروع سيجهز على العديد من التوجهات خاصة الجانب الاقتصادية والاستثماري، ذلك أن المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغرى جدا هي في طور البناء وبالتالي لا يمكن تسقيف قيمتها المالية حين لجوئها العدالة مما سيخلق لها ضررا.
وشدد على مبدأ المساواة أمام القضاء، مضيفا أن المشروع ينص على أنه حين صدور الحكم الاستئنافي إذا طعنت فيه الدولة لا يمكن التنفيذ ولكن إذا طعن المواطن فإنه لا يتم إيقاف التنفيذ بالنسبة للأشخاص العاديين، علما أن الدستور ينص على أن المواطنين سواسية أمام القانون سواء كانوا أشخاص ذاتيين أو اعتباريين.
ولفت إلى أن كل الاقتراحات التي تم تقديمها لم تتم الاستجابة إليها، مفيدا أن قضية الوكيل فإن الأمر لا يتعلق برغبة المحامين في الاحتكار بل هو مجال المحامي الذي يجب أن تحصنه الدولة لأن المحامين هم أبناء الوطن ومغاربة وقطاع فاعل ومكون أساسي من مكونات العدالة.
وتمسك بأن مساهمة الدفاع في تجويد المنتوج القضائي وتسهيل الولوج إلى القضاء وضمان الولوج إلى المستنير إلى القضاء لابد أن يكون المحامي يؤدي دوره.
حاتم بكار، عضو مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب، اختار أن يتوجه إلى الحكومة “لعلها تسمع وتنتبه للمخاطر التي يعرفها التشريع في قانون المسطرة المدنية”، داعيا إياها إلى “الانفتاح على الحوار وعلى التوافق كما نادينا بذلك منذ بداية ولاية مكتب الجمعية في مارس الماضي”.
وأورد بكار، في تصريح لجريدة “مدار21″، “أننا انفتحنا على الجميع والتقينا مع وزارة العدل ومسؤولين تابعين للوزارة عدد من المرات”، مبرزا “أننا جلسنا في طاولة واحدة مع متدخلين في مجال العدالة بالإضافة إلى اشتغالنا داخل البرلمان مع الفرق البرلمانية لندق ناقوس الخطر حول هذا المشروع”.
وسجل المتحدث ذاته أنه “من 2016 إلى اليوم مر مشروع قانون المسطرة المدنية ب16 صيغة من المسودات”، مسجلا أنها “صيغ تتناقض في الكثير من مقتضياتها”.
وطالب عضو جمعية هيئات المحامين بـ”صياغة مشروع قانون مسطرة مدنية جديد يتناسب مع طبيعة المعاملات الموجودة اليوم عبر الرقمنة وغيرها”، مشددا على أنه “لا يجب أن يمس بالمقتضيات الدستورية الأساسية والحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها دستوريا”.
وأحال بكار على تأكيد الملك بصفته ضامن الحقوق والحريات على أن الخيار الديموقراطي وخيار الحقوق والحريات خيار استراتيجي لا رجعة فيه، موردا أن “الحكومة اليوم بسياستها العمومية تتناقض مع السياسات العامة للدولة”.
وزاد موضحا: “تقدمنا بعدد من المذكرات في هذا الباب ولازلنا متشبتين بفتح باب الحوار”، مستدركا في لهجة يطبعها الاتهام أن “من يسرع المصادقة عل هذا المشروع لن يتمكن من تغييب دور المحاماة”.
وواصل المتحدث ذاته مخاطبا من يتهمهم بعزل المحاماة عن منظومة العدالة بالقول إن “من يحاول أن يخرجنا من جغرافيا العدالة فإن موقفنا للتاريخ وبيننا الأيام”.