رياضة

جدل التحكيم.. أزمة هيكلية متشعبة تقُض مضجع “عصبة بلقشور”

جدل التحكيم.. أزمة هيكلية متشعبة تقُض مضجع “عصبة بلقشور”

توسمت الجماهير المغربية خيرا بولوج تقنية الفيديو المساعدة للحكام، “المعروفة اختصارا بـ”الفار”، الملاعب الوطنية في نونبر 2019، بيد أن آمالها في تقليص هامش خطأ الحكام تبخّر بمسلسل من الجدل والاحتجاجات ما يزال السمة الأبرز لمباريات الدوري الاحترافي المغربي في كل جولة.

تتعدد الشكايات والمُلام الأول واحد؛ “قضاة الملاعب” الذين دخلوا قفص الاتهام بعد سلسلة طويلة من الجدل والاتهامات هزت عرش كرة القدم المغربية، آخرها التحقيق الذي تجريه لجنة الأخلاقيات حول رشوة وتلاعب حكام في نتيجتي مبارتي لفريق من الدار البيضاء بالقسم الوطني الأول.

ومنذ تسريب تفاصيل التحقيق، الذي يهدد كرة القدم المغربية بفضيحة مدوية إذا ما ثبت تورط أسماء أخرى في الملف، بدأت تساؤلات الجماهير تطرح حول نزاهة المنافسة في الدوري الاحترافي ومدى تأثير سُمّ “فساد مُفترض” حقن بفعل فاعل بجسم التحكيم المغربي على نتائج مباريات فرق دون أخرى.

شماعة التحكيم.. ملاذ آمن لتصدير الأزمة

مع دخول منافسات الدوري الاحترافي ثلثها الأخير، يرتفع ضغط المباريات على اللاعبين والحكام كما الجماهير، فالجولات العشر الأخيرة تكون “حياة أو موت” بالنسبة للمتبارين في مقدمة وأسفل الترتيب.

غالبا ما تلجأ جماهير الفرق التي تنافس على درع الدوري الاحترافي أو على البقاء في قسم الأضواء إلى الضغط على حكام مباريات فريقها أو الفرق المنافسة من أجل التأثير عليهم، ما يجعل أي خطأ مهما صغُر حجمه، قادرا على إحداث زوبعة بمواقع التواصل الاجتماعي تتحول بقدرة قادر إلى مؤامرة على فريق أو فرق دون أخرى.

الأمر الذي يؤكده المحلل الرياضي، أيمن زيزي، الذي يرى أن “جدل التحكيم ليس وليد اليوم ولا يقتصر فقط على المغرب بل يوجد في كل المسابقات بكل دول العالم، لكن طريقة الاحتجاج هي التي تختلف”.

وأكد زيزي في تصريح لجريدة “مدار21” أن تقييم التحكيم لدى الجماهير مرتبط في غالب الأحيان بـ”نتائج المباريات والظروف التي تمر منها”، مشيرا إلى أنه “للأسف، التحكيم المغربي اليوم هو ضحية للمستوى المتدني والضعيف للبطولة الوطنية، إضافة إلى الأجواء المشحونة التي تجرى فيها المباريات”.

وزاد موضحا أن “المستوى المتدني للدوري المغربي ومعاناة الأندية من مشاكل تقنية بحتة تجعل المستوى ونتيجة المباراة تعلق في مستوى الحكم وأخطائه” سواء كانت مؤثرة أو لا، مردفا “عندما يكون مستوى الأندية مرتفعا ويكون هناك تفاوت بين فريقين في القوة فالحالات التحكيمية لا يكون فيها جدل كبير، لأنه في النهاية يفوز الذي يستحق، وحالة أو حالتان تحكيميتان لا تخلقان جدلا، ولكن عندما يكون المستوى متدنيا أو متقاربا وتنعدم الفرص الحقيقية للتسجيل يكون الضغط على الحكم كبيرا، لأن قرارا واحدا يمكن أن يحسم نتيجة المباراة، وهنا يكون الجدل”.

جدل الأخطاء.. أزمة متشعبة لخلل هيكلي

حاول رئيس العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية، عبد السلام بلقشور، امتصاص غضب الجماهير والأندية المغربية في خرجة إعلامية قبل أسبوع، أكد فيها أن كل الفرق في القسم الأول والثاني والهواة تشتكي من التحكيم، مقرا بأن “هناك إشكاليات حقيقية” في الصافرة المغربية.

وشدد بلقشور، رئيس الجهاز الوصي على التحكيم المغربي، على أن العصبة الاحترافية ما تزال تقوم بالتشريح للوضع وتوصلت إلى “أننا نحتاج إصلاحات عديدة في منظومة التحكيم”.

وبهذا الصدد، يقول أيمن زيزي إن “مشكل التحكيم متشعب لأن تكوين الحكام بالمغرب يقتصر على التكوين الكلاسيكي، ولم نستطع دمج التكنولوجيا في تكوين الحكام على أساس تطوير شخص مستقل لديه سلطة القرار وقادر على اتخاذ الحُكْمِ الصائب، وهذا يعني تكوين الشخصية الذي يعني بالضرورة لتكوينا عمليا قبل أن يكون تطبيقيا”.

وأكد المتحدث ذاته أن التحكيم المغربي يحتاج اليوم وقفة تأمل كبيرة وإعادة تشخيص للأزمة لتدارك أوجه الخلل والقصور، وصرّح بالقول: “علينا اليوم إعادة النظر في تكوين الحكام لأنهم قضاة الملاعب ويجب أن يتمتعوا باستقلالية كبيرة، وعلينا أيضا توسيع قاعدة الحكام لتعزيز التنافس بينهم” الذي يؤكد أنه سيخدم مستوى “الصافرة” المغربية محليا وقاريا ودوليا.

ونبّه المحلل الرياضي إلى أن “مشكل التحكيم لا يقتصر على المغرب فقط، فالجدل نراه في بطولات عالمية قوية على غرار إسبانيا فرنسا وإنجلترا، وأينما وجدت كرة القدم فلابد من جدل تحكيمي”، لذلك فهو يرى أن الاختلاف يكون في ردة فعل الجماهير والمسؤولين التي “تكون عادية في الدول المتقدمة، لأن خطأ التحكيم جزء من اللعبة لديهم، ويعتبرون القرار التحكيمي جزءا من اللعبة؛ قد يكون في صالحك وقد يكون ضدك في بعض المرات”.

ويستدل أيمن زيزي في موقفه بأن “الحكم يمكن أن يخطئ في قرار أو اثنين، ولكن إذا نظرنا إلى نسبة القرارات الصائبة والخاطئة في مجمل المباراة سنرى أن نسبة القرارات الصحيحة كبيرة مقارنة مع الخاطئة، لكن التركيز يكون فقط على الخاطئة”، لافتا إلى أن الخطأ التحكيمي “عندما يكون مؤثرا على نتيجة مباراة بين فريقين متقاربي المستوى أو مستواهما متدنٍ نقول إن الحكم لم يكن في المستوى”.

الإعداد الذهني.. تكوين معتل لحكام المستقبل

وعلى غرار الجولات الماضية، تجدد الجدل التحكيمي في أولى مباريات الجولة الـ22، التي أجريت مساء أمس السبت، في قمة المتناقضات بين المتصدر الجيش الملكي ومضيفه اتحاد طنجة، الذي يعاني في المناطق المكهربة المؤدية إلى قسم المظاليم.

وانتقد مدرب “فارس البوغاز”، هلال الطير، بشدة الفريق التحكيمي الذي قاد مواجهة الأمس التي حسمها “العساكر” بهدف في الأنفاس الأخيرة من نقطة الجزاء، وقال بعد المباراة: “ماشي لي حافظ القوانين 17 وعندو صفارة يكون حكم، يجب وضع معايير أخرى تتعلق بالجانب النفسي”.

مضيفا “لا معنى لحكم مساعد يستفزني ويستفز بنك البدلاء، كما أن حكم الساحة يجب أن يستفسر عن الأمر قبل أن يمنح البطاقة الصفراء، لأن الحكم المساعد ليس عثمان بن عفان أو عمر بن الخطاب، قد يصيب وقد يخطئ”، مسترسلا “هناك تسرع ومكايناش حِكمة وهدوء وكاريزما وطريقة تدبير لحظات غضب المدربين.. الحكام لا يتعاملون بلباقة، وأعتقد أن هذا الجانب يجب أن يضاف في برنامج تكوين الحكام”.

ولا شك في أن طريقة إدارة الحكام قد تؤثر بدورها في السير العادي للمباريات بتأجيج غضب اللاعبين والمدربين والجماهير، ما يجعل الجانب الذهني، المغيب في تكوين الحكام المغاربة، مهما في تشكيل ملامح حكام المستقبل، وفق ما أكد أيمن زيزي في تصريح لـ”مدار21″.

وأوضح المحلل الرياضي أن التكوين الكلاسيكي للحكام عفا عنه الزمن اليوم، موضحا “يجب التركيز على المستوى الذهني للحكام وألا نظل نركز على الجاهزية البدنية وسرعة اتخاذ وتنفيذ القرار”، مشددا على ضرورة إيلاء الأهمية أكثر لـ”شخصية الحكم، وتطوير مؤهلاته لاتخاذ القرارات الصحيحة”.

موجة الاستقالات.. عصبة بلقشور على صفيح ساخن

وأحدثت الاستقالة المفاجئة لرئيس اللجنة المركزية للتحكيم، عبد الرحيم متمني، رجة داخل العصبة الاحترافية لكرة القدم، سيما بعد تصريحاته الأخيرة حول أسبابها التي لخصها في “وجود تضارب مصالح شخصية وعامة”.

وسبقت استقالة متمني رحيل محمد الكزاز عن رئاسة مديرية التحكيم في أكتوبر الماضي لأسباب صحية، بيد أن مصادر متطابقة أكدت أن رحيله مرده بالأساس إلى رفضه لمعايير ترشيح حكام مغاربة “دون المستوى المطلوب” لنيل الشارة الدولية.

واستقرت العصبة الاحترافية على الحكم السابق، عبد الحق القرقوري، لخلافة رئيس اللجة المركزية للتحكيم المستقيل، عبد الرحيم متمني، في الجولات العشر الأخيرة من الموسم الكروي، في تكرار لسيناريو الموسم الماضي، عندما أعفي يحيى حدقة من رئاسة مديرية التحكيم في الثلث الأخير من الموسم.

وتضع الاستقالات العصبة الاحترافية في موقف اتهام ومسؤولية عن الارتجالية التي يدبر بها جزء حساس وركن أساس في اللعبة الأكثر شعبية في العالم، ما يسائل رئيس العصبة الاحترافية، عبد السلام بلقشور، الذي فشل حتى الآن في السير بسفينة التحكيم المغربي إلى بر الأمان.

“الفار”.. شيء ما ينقصنا!

ورغم اعتماد تقنية الفيديو المساعدة للحكام في كل مباريات الدوري الاحترافي، لم ينجح “الفار” في تقليص هامش خطأ “قضاة الملاعب” المغاربة، بل وجاء بمفعول عكسي في بعض المباريات، بعدما أجج الغضب أكثر في حالات تحكيمية ترى الجماهير أنها “تُكيّف داخل غرفة الفار” على مقاس فرق دون أخرى.

وتنتقد فئة كبيرة من الجماهير تقنية “الفار” التي لم ترفع مستوى التحكيم المغربي، والتي تكلف ما يفوق مليار سنتيم في الموسم الواحد، وفق تصريحات سابقة لجمال الكعواشي، الرئيس السابق للجنة المركزية للتحكيم.

ولا يتفق أيمن زيزي مع هذه الانتقادات، إذ أكد أن “الجميع يعتقد أن تقنية الفيديو وسيلة للحسم في الحالة التحكيمية بشكل قطعي، لكن الحقيقة أنه تقنية لمساعدة الحكام على اتخاذ القرار الصحيح لا غير”.

واسترسل موضحا موقفه “كما يعرف الجميع، العديد من القرارات التحكيمية تحتاج تأويلا عكس بعض الحالات التي يكون فيها القرار قطعيا، والحُكّام في بعض الحالات يتخذون قرارات بروح القانون والنوايا والسلطة التقديرية”.

جدل التحكيم.. زوبعة في فنجان

وأكد زيزي أن الجدل القائم حول أخطاء التحكيم “لا يجب أن يأخذ أكثر من حجمه”، مستدركا “لكن، يجب أن نحاول الحد منه، وهذا يتطلب إرادة لدى المسؤولين لاختيار حكام تتناسب شخصيتهم مع المهام التحكيمية التي سيزاولونها، وإعطاء الحكام الثقة وأدوات وظروف العمل الجيدة، وبعد ذلك يمكننا محاسبتهم”.

وعن تحقيق لجنة الأخلاقيات بخصوص اتهامات رشوة وتلاعب في نتيجة مبارتين، أوضح المحلل الرياضي أنه “مع كامل الأسف، كانت هناك ممارسات في فترة من الفترات بالمغرب كان وراءها سماسرة يحاولون استغلال قربهم أو معرفته بالحكام للتأثير على نتائج المباريات بشكل مباشر، وكنا نرى في كل موسم حالات يسلط عليها الإعلام الضوء على أنها كانت محاولات لرشوة الحكم”.

وواصل: “هذا الأمر موجود على الصعيد العالمي؛ في إسبانيا وإيطاليا وغيرهما، دائما هناك من يريد التأثير على الحكام بإغرائهم، وهذا شيء عادٍ في كرة القدم ولا يمكننا إنكاره أو القول إنه مقتصر فقط على المغرب”، مستطردا “لكن الأهم اليوم هو كيفية الحد من الظاهرة”.

ويعتقد أيمن زيزي أن ضمان نزاهة الحكام تبدأ “بمعايير اختيارهم، يعني الشخصية والتربية والأخلاق، لأنه في المغرب نقتصر فقط على الجانب التقني المرتبط باللياقة البدنية والإلمام بالقوانين وتطبيقها، لكن لا نختار الحُكّام وفق مجموعة المعايير مثل تلك التي تقوم بها مؤسسات الدولة عندما تريد تعيين موظف سامٍ من خلال إجراء مجموعة من التحريات على الشخص ومحيطه”.

وشدد على أن اختيار المرشحين لولوج عالم التحكيم يجب أن ينبني على أشخاص يتميزون بـ”النزاهة خارج الملعب قبل أن داخل الملعب، ولهذا أركز على شخصية الحكام قبل كل شيء”، مشيرا إلى أنه “يجب مراعاة الأخلاق والتربية والمحيط لاختيار الشخص المناسب لمزاولة التحكيم، وبالتالي هنا يلزمنا تطوير أساليب مراقبة الحكام خارج وداخل الملعب”.

قضاة الملاعب.. أزمة تكوين وغياب ثقافة الخطأ

وإجابة على سؤال حول مكن الخلل في جسم التحكيم المغربي، قال المحلل الرياضي ذاته أن “اليوم، نحن مطالبون برفع مستوى تكوين الحكام، والمستوى التقييمي لهم، وتوسيع القاعدة، إضافة إلى تقبل ثقافة الأخطاء التحكيمية التي هي جزء من اللعبة”.

وأبرز أيمن زيزي أنه يجب “إعادة النظر في منظومة التحكيم بشكل جذري، على مستوى اختيار الحكام، تكوينهم، مراقبتهم وتقييمه، وأيضا إرساء ثقافة كروية مبنية على تقبل الفوز والهزيمة وأيضا القرارات أو الأخطاء التحكيمية التي هي جزء من اللعبة”، مسترسلا “فكما يمكن للمدرب أن يخطئ في التشكيلة أو في اختيار طريقة اللعبة، وكما يمكن للاعب أن يخطئ في تمريرة أو يهدر ضربة جزاء، فالحكم جزء من اللعبة، وأن يخطئ أمر وارد”.

واستدرك بالقول “لكن غير المقبول أن تكون الأخطاء متكررة من حكم واحد”، لذلك جدد تأكيد ضرورة “وضع معايير أو قانون لحماية اللاعبين والحكام، والشخص الذي لا يتوفر على مؤهلات للتحكيم من الأحسن أن يتبعد عن المنظومة”، مضيفا “الحكم ليس مجرد شخص عادٍ، بل يجب أن تتوفر فيه مقومات ومزايا شخص مرشح لأن يصبح حكاما، ويملك سلطة القرار وسلطة التنفيذ”.

وشدد أيمن زيزي على ضرورة “إعادة النظر في التكوين وتقييم الحكام وإدخال التكنولوجيا في التكوين لأنها مهمة للغاية، إضافة إلى التوجه إلى البحث العلمي لتحديد المعايير العلمية لحكم ناجح”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News