رأي

صراع أجيال أم أزمة مبادئ.. كيف سقط العدالة والتنمية في 8 شتنبر؟

صراع أجيال أم أزمة مبادئ.. كيف سقط العدالة والتنمية في 8 شتنبر؟

أجد في تحميل البعض، داخل حزبنا، جيل التأسيس – هكذا بإطلاق-، مسؤولية نتائج 8 شتنبر، نوعا من التدليس، ونوعا من الهروب من تسمية الأمور بمسمياتها، وكذا محاولة لخلط الأوراق أمام أعضاء الحزب، بل وتغطية على المسؤلين الحقيقيين عن هذه النكسة الانتخابية.

ذلك أن فئات عريضة داخل المجتمع، لم تكن لتتعرف على حزب العدالة والتنمية، دون ما قدمه جيل التأسيس من تضحيات، وما تبناه من مبادئ وما اجترحه من تصورات، نحتت اسم الحزب في وجدان الشعب المغربي، ولا يمكن أن نتنكر لهذا الجيل ونلقي عليه ثقل نتيجة 8 شتنبر، لأننا لم نمض داخل الحزب ما أمضيناه، لنصبح “مساخيط الوالدين” فقط لأننا فقدنا مقاعد انتخابية!

لماذا نهرب من حقيقة كون الإشكالات التي اعترضت مسيرة حزبنا، لم تكن تتعلق بصراع الأجيال، ولم تكن أفقية في الأصل، لأن الاختلاف الدائم في الحزب، وقد ظل نقطة قوة، كان عموديا، يخترق التنظيم، وفق محددات لم يكن عامل السن واختلاف الأجيال وحده الحاسم فيها، حيث كانت مجموعات -حتى لا نقول تيارات- تتبنى التحليل نفسه والموقف نفسه، دون أن يكون معطى السن أو الجغرافيا أو الرافد مفسرا لهذا التبني، وكان حسم الجواب الجماعي يتم وفق آليات ديمقراطية، تؤطرها مقولة “الرأي حر والقرار ملزم”، إلى أن جاءت القيادة الحالية، وهي خليط بين جيل التأسيس وأجيال أخرى مختلفة إذا جاز أن نواصل استعمال هذا التصنيف، فجعلت من المقولة عبارة جوفاء وحولتها إلى مقتضى قانوني كان يتغيى التضييق على حرية التعبير. (كنت عضو المجلس الوطني الوحيد الذي صوتت ضد النظام الداخلي للحزب المتضمن لهذا التعديل).

إن الارتباك الذي سيطر على حزبنا، لا علاقة له باختلاف أوتعايش الأجيال، ولا يمكن تحميل مسؤوليته لجيل التأسيس لوحده، وعلى من يمعن في هذا التوصيف أن يراجع مسار الحزب، أو أن يعبر بصيغة أكثر وضوحا عن قصده، لأن الحديث عن هذا الجيل بإطلاق وبتعميم لن ينطلي على مناضلي الحزب ممن يعيشون حياته الداخلية بجوارحهم، لا من يعتبرون الانتماء للحزب مجرد عمل وظيفي يقضون فيه وقتهم الثالث!

الارتباك الذي قادنا إلى نتيجة 8 شتنبر المؤلمة، له علاقة مباشرة بمدى تمثلنا وتشبتنا بالمبادئ التي تأسس عليها الحزب على يد الجيل المؤسس، وبمدى الدفاع عن هذه المبادئ، وليس بشيء آخر، ولا أقصد هنا تقصير الأمانة العامة لوحدها، وهي كما قلت خليط من أجيال مختلفة، بل الجميع يتحمل مسؤولية التقصير، بحسب الموقع في التنظيم، فإذا كانت الأمانة العامة المستقيلة، قد فرطت في بعض المبادئ، فإن المجلس الوطني فرط هو الآخر في مراقبتها وتتبع تنزيلها لمبادئ الحزب وأوراقه التصورية، وفرط الكثيرون في واجب الانتقاد والبيان، إلى أن استفاق الجميع على نتائج لا تعكس مطلقا وزنه السياسي والمجتمعي.

وعندما نتواضع أمام شعبنا، وأمام مناضلي حزبنا، ونعترف بأن مشكلتنا العويصة والعميقة لها صلة بالمبادئ، وتُرجمت إلى خطاب لا روح فيه، لم يقنع ولم يعبئ حتى أعضاء الحزب، بله متعاطفيه، وترجمت كذلك إلى مواقف بلا لون ولا طعم ولا رائحة، لم تسمن ولم تغن من جوع، عندها سنكتشف بشكل تلقائي من أين نبدأ لنجد الحل للنهوض من جديد.

فإذا كان التجديد والتطوير، من سنن الحياة، ومطلبا ملحا لضمان الاستمرار، فإن الأحزاب الجماهيرية التي تبنى على الأفكار وعلى المبادئ، لا يمكن أن توضع على السكة من جديد، لتستأنف أدوارها، باسقاطات نظرية توجد فقط في بعض المجزوءات المعزولة في العلوم السياسية او سوسيولوجيا التنظيمات، لأنها تحتاج الى استثارة ما قامت عليه في اليوم الأول، من خلال انعاش ذاكرة الحزب، وربط أعضائه ومتعاطفيه برموز شكلت جسرا بينهم وبين الحزب، وساهمت في صناعة الأمل والحلم الجماعي، الذي ضخ في النفوس مشاعر الانتماء، وحولها إلى عناصر مقاومة وصمود أمام خصوم هذه الأفكار وهذه المبادئ.

بالنسبة إلينا في حزب العدالة والتنمية، مازلنا في حاجة إلى الجيل المؤسس، لكن كأفراد، ولكل فرد مكانته ومكانه في التنظيم، أما المكانة فتفرض احترامهم، وشكرهم على ما قدموه للحزب وللوطن، وأما المكان فيجب أن يحدده مدى التمسك ومدى التشبت بمبادئ الحزب، فلا يمكن لمناضلي الحزب أن يختاروا لموقع القيادة من تخلى عن الدفاع عن اللغة العربية أو دافع عن تقنين المخدرات مثلا، ولو كان من جيل التأسيس، أو من أي جيل آخر، كما لا يمكن لهم أن يستبعدوا أو يبعدوا، من دافع ونافح عن هوية الحزب ومبادئه وهو بدون موقع تنظيمي، ولو كان من جيل التأسيس.

إنها المبادئ إذا، فلنمتلك الشجاعة الكافية، ونجعلها الفيصل والحاكم بيننا، ثم نعرض ما قدمه كل مسؤول في الحزب عليها، وبالمناسبة، فهذه المبادئ لا تتعلق بالخطاب والكلام والمواقف المعلنة فحسب، بل أن أثرها يظهر في القرارات التنظيمية التي تهم مناضلي الحزب وكيفية تدبير هيآته أو تسخيرها وفق حسابات أو تقديرات غير منتجة وبعضها غير مفهوم وغير منطقي!

-عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News