بورتريه

مريم شديد.. أول عالمة فلكية مغربية وعربية تطأ قدماها القطب الجنوبي

مريم شديد.. أول عالمة فلكية مغربية وعربية تطأ قدماها القطب الجنوبي

يقول المتنبي: إذا غامرت في شرف مروم … فلا تقنع بما دون النجوم

نجمة حلقتنا اليوم نجمة حقيقية في علمها وعالمها، نجمة تتلألأ في سماء الإبداع والتميز، ملأت طباق الأرض علما وعملا، نالت اهتماما وطنيا ودوليا، كونها المرأة المغربية الوحيدة التي وصلت إلى القطب الجنوبي المتجمد، وقصتها نجاحها تستحق أن تكتب بمداد الذهب.

مسيرة كفاح

تنحدر مريم من أسرة فقيرة، تتكون من أبوين وستة إخوة، وهي ابنة حي درب السلطان الشعبي بالدار البيضاء. كان والدها يعمل حَدّادًا بأحد أحياء البيضاء، بينما كانت والدتها مولعة بالخياطة والطبخ. مسارها الدراسي بدأ مبكرا حيث ولجت مدرسة الفكر العربي المجاور لبيتها وهي لم تتجاوز بعد عمر الخامسة، بعد ذلك تخرجت في كل مراحلها الدراسية من المدارس المغربية العمومية.

تقول مريم شديد في مقابلتها مع قناة “الجزيرة” عام 2007: “واجهت صعوبات مادية كثيرة، ولكن هذا لم يمنعني من مواصلة شغفي في حب العلم”.

تروي مريم أن بداية شغفها وتعلقها بمجال الفلك مرده إلى كتاب أهداها إياه أخوها عن الجاذبية باللغة الفرنسية، ورغم حداثة سنها آنذاك، إذ لم تكن قد تجاوزت الثانية عشرة بعد، إلا أنها أحست بانجذاب غريب إلى هذا العالم المثير.. عالم النجوم، والأحلام المضيئة.

حصلت خلال مسيرتها الدراسية على إجازة في الفيزياء من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، ثم انتقلت إلى فرنسا لتلاحق حلمها ونالت دبلوم الدراسات المعمقة في علم الصورة في العلوم الكونية عام 1993، وبعدها بثلاث سنوات حصلت على الدكتوراه من جامعة نيس بدرجة مشرف جدا، عن أبحاثها التي اكتشفت فيها موجات الصدمة، التي تفوق سرعتها الصوت في النجوم المتغيرة، وشرحت أصلها.

تحدت الصعوبات وحصلت على دكتوراه بامتياز في علم الفلك بفرنسا، وجرى اختيارها في أول فريق دولي يسافر إلى تشيلي لإقامة أكبر تلسكوبات في العالم، وفي نيس جنوب فرنسا تتجدد الأحلام.

حلم يتحقق

من المحطات الهامة والصعبة في حياتها العلمية، مكوثها أربع سنوات في صحراء أتاكما بالتشيلي. تروي تجربتها في أحد تصريحاتها قائلة: “عشنا قساوة الظروف المناخية: جفاف قل نظيره، الحياة منعدمة إذ لا وجود للنبات والحيوانات والأمطار، لكن كان هناك أكبر تلسكوب في العالم.”

في عام 2002 عادت إلى فرنسا  ليتم اختيارها برتبة عالمة فلك وطنية، وهي رتبة يحصل عليها اثنان كل عام من بين أكثر من 300 مرشح، وعلى إثر تعيينها بالمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي مهندسة فلكية، والذي يضم أضخم التلسكوبات، رغم أنه لم يكن متاحا إلا لعلماء الفلك الحاملين لجنسيات أوروبية وأمريكية ليعملوا ضمنه، وبهذه المناسبة قال زوجها عالم الفلك ومدير أبحاث المركز الوطني للبحوث العلمية، جون فيرنن: “أمر صعب جدا أن تفوز بوظيفة في القطاع العام، ويعتبر تحديا كبيرا بالنسبة للمرأة على وجه الخصوص لأنه في مثل هذا النوع من الأبحاث هناك وجود للرجال بنسبة 80  بالمائة، بينما النساء نسبتهم محدودة.”

المنعطف الهام في حياتها كان عام 2005 عندما تم اختيارها من قبل المؤسسة العلمية المعنية بأبحاث القطب الجنوبي “بول إيميل فيكتور” لكي تكون ضمن الفريق العامل في مشروع تنمية مستقبل القطب الجنوبي، من خلال مشاركتها في برنامج دولي يضم فرنسا، إيطاليا، أمريكا، استراليا لبناء مرصد عالمي كبير في القطب الجنوبي المتجمد.

تصف مريم رحلتها في إحدى البرامج الحوارية: “كانت أجمل رحلاتي العلمية والإنسانية، السفر دام عشرة أيام، وكنا حوالي 15 فردا، لم أجد كلمات لأعبر فيها عن قساوة العبور في البحر المتجمد.”

وأضافت: “واجهتنا صعوبات مناخية كبيرة، وبالنسبة لي هذه التجربة كانت مدرسة حقيقية للصبر، خاصة أننا فقدنا 30 بالمائة من قوتنا الجسدية، وكنا نمشي ببطء شديد وكأننا نمشي في الفضاء بسبب الأجواء الصعبة.”

يقول مدير مؤسسة أبحاث القطب الجنوبي، جرارد جدجي، إن “مريم امرأة متطوّعة إلى حد بعيد، وكانت متحمسة للذهاب إلى القطب الجنوبي، ومجتهدة جدا في الموقع، وبعض المشاريع المطبقة حاليا تعتمد على ما أنجزته من عمل هناك.”

تمتاز مريم بطاقة متجددة عالية، وهي متحمسة لكل عمل يصب في مصلحة العلم، إذ قامت بتركيب تلسكوب على القمر الصناعي “كوروت” في 27 دجنبر 2006، والذي يقوم بدراسة الزلازل وذبذبات النجوم، واكتشاف بعض النجوم والكواكب خارج المجموعة الشمسية، وعندما سألها زميل لها يعمل في وكالة الفضاء الأمريكية “الناسا” عن إذا كان لها اهتمام بالذهاب في بعثات إلى المريخ، مجيبة بأنها جاهزة لأي مهمة بدون تردد.

تمثيل المرأة المغربية

خُلِّد اسم مريم شديد بين النجوم كأول عالمة فلك في العالم تصل في بعثة فلكية إلى قلب القطب الجنوبي المتجمد، ولم يصل أي عربي هناك قبلها.

تصف مريم فرحتها بهذا الإنجاز قائلة: “عندما وصلت إلى هذا المكان كعربية ومغربية كنت فرحة بهذا، خاصة أننا كنا فريقا من مختلف الجنسيات، وكان بالنسبة لي محط افتخار واعتزاز أن أكون امرأة عربية مشاركة أيضا، وكذلك وصولي هناك يعتبر رمزا لحرية المرأة، إذ أردت أن أشير إلى التحرر التي تعيشه المرأة اليوم عن السابق.”

أرادت أن تضع شيئا عربيا يغرس في قلب القارة المتجمدة، ليحيي ذكرى من مرّوا هناك، فدفعتها روحها الوطنية وانتمائها لبلدها الأم أن تحفر علم المغرب في عمق الجليد، كأحد أصعب الأماكن صعوبة في الوصول إليه، وبرودة في العالم التي تهبط فيها الحرارة إلى 80 درجة تحت الصفر، رغم أنها ذهبت في مهمة استكشافية تمثل فيها المرصد الوطني الفرنسي.

لم يكن العلم المغربي الشيء الوحيد الذي حملته معها إلى رحلتها المتجمدة، بل أيضا نقلت معها ثقافة بلدها، وهيأت لزملائها طبقا من الكسكس المغربي والذي أثار إعجابهم رغم الظروف المناخية الصعبة التي كانوا فيها.

وترى شديد بأن العالم العربي يمكنه أن يساهم في تطور العلم على صعيد دولي، وأنه لا يقل شأنا عن باقي الدول الأخرى المشاركة.

أنجزت شديد الكثير من الاكتشافات الفلكية ونشرت أكثر من 100 دراسة في دوريات عالمية ولم تصل وقتئذ إلى سن الأربعين، وهو أمر نادر على المستوى العالمي.

وتتويجا لنبوغها العلمي الزاهر بالعطاءات، حصلت مريم شديد على جائزة المرأة العربية في العلوم من جامعة ريجنت في لندن سنة 2015، كما وشحها الملك محمد السادس بوسام ملكي تقديرا لجهودها، كما أدرجت مجلة “فوربس” اسمها كواحدة من بين العلماء الثلاثة الأكثر إثارة للاهتمام في العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News