سياسة

التشغيل يُرهِق الحكومة بنصف ولايتها والسكوري “شارد” في مواجهة البطالة

التشغيل يُرهِق الحكومة بنصف ولايتها والسكوري “شارد” في مواجهة البطالة

مع اقتراب نصف عمر الولاية الحكومية، يطرح ملف التشغيل نفسه بقوة على حكومة عزيز أخنوش، في وقت تضع أرقام المندوبية السامية للتخطيط حول سوق الشغل بالمغرب حجرا في حذاء الحكومة خلال ما تبقى من الزمن الحكومي، الذي تسعى خلاله للوفاء بتعهداتها في الوصول إلى خلق مليون منصب شغل خلال هذه الولاية.

وبينما كان الاقتصاد المغربي يحاول الخروج من انعكاسات جائحة “كوفيد19” واسترجاع مناصب الشغل، ورغم برامج “أوراش” و”فرصة”، جاءت الأرقام حول البطالة معاكسة للطموحات، في وقت تلعب الحكومة بـ”فريق ناقص” بسبب حالة الشرود التي يعيشها يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، الذي توضح عدد من المؤشرات محدودية وزارته بمجال التشغيل.

ورغم أن القطاعات الوزارية التي يشرف عليها السكوري تُعد معنية مباشرة بملف التشغيل، فالوزير السكوري بدا وكأنه غير معني بالوضع المستفحل بالبطالة وفقدان مناصب الشغل وإفلاس المقاولات، وذلك ما تُرجم في عدم تكثيف تحركاته أو تغيير طرق الاشتغال لزيادة الفعالية، والأكثر من ذلك أنه دخل في مرحلة “تجميد” لأنشطته، وفق ما أكدته مصادر لجريدة “مدار21″، وهو القرار التي يتزامن مع ظرف حسّاس، تستعد فيه المعارضة لتقديم ملتمس الرقابة لإسقاط الحكومة.

وعي الحكومة بوجود السكوري خارج التغطية في موضوع التشغيل جعلها تفكر بأخذ المبادرة من الوزير خلال النصف ‏‏الثاني من الولاية الحكومية، التي تفكر بجعل ملف التشغيل أولوية خلالها، إذ أكدت مصادر أن هناك إرادة حكومية لتسريع وتيرة خلق فرص شغل إضافية وتطويق ‏البطالة.

“فشل” سياسة التشغيل

وفي سياق تقييم سياسة الحكومة بمجال التشغيل، أفادت لبنى علوي، مستشارة برلمانية عن الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، أن “الجميع متفق اليوم بأن سياسة التشغيل تسجل فشلا كبيرا، فحتى رئيس الحكومة انتبه مؤخرا لتعثر هذا الملف ووعد بتخصيص المرحلة القادمة من العمل الحكومي لقضية التشغيل وجعلها أولوية وطنية، وهو اعتراف بفشل سياسة الحكومة في ملف التشغيل منذ تعيينها، وتأكيد حكومي للمعطيات التي أعلنتها المندوبية السامية للتخطيط في مذكرة إخبارية حديثة حول “وضعية سوق الشغل خلال سنة 2023″.

ويقتضي الأمر، وفق المستشارة البرلمانية علوي في تصريحها لجريدة “مدار21″، “تقوية المقاولات الصغرى والمتوسطة وتكثيف التشغيل العمومي خاصة أن العديد من القطاعات تشهد خصاصا كبيرا في الوقت الذي لا يتم فيه استعمال المناصب المحالة على التقاعد في جميع الوزارات لتجديد الموارد البشرية ومسايرة الطلب المتزايد على الخدمة العمومية”.

من جانبه، أوضح رشيد الحموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، أن “قضية التشغيل ليست قضية قطاعية لوزارة التشغيل، بل إنها بالأحرى قضية سياسات حكومية”، مضيفا أنه “لا يمكن أن نتصور التشغيل دون تحقيق نسب نمو مقبولة، وهو ما عجزت عنه الحكومة”، مستسرسلا في تصريح للجريدة “التقلبات الدولية وإرث الماضي هي مبررات واهية لهذه الحكومة لم يعد يصدقها أو يلتفت إليها أو يقبلها أحد”.

بينما ذهبت فاطمة زكاغ، المستشارة البرلمانية عن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إلى أن “الإجراءات الحكومية في مجال التشغيل تبقى بدون فعالية ولم تحقق الأهداف المرجوة”، وهذا ما تبين من خلال الأرقام الأخيرة للمندوبية السامية والتخطيط، تشدد في حديثها لـ”مدار21”.

حرج أرقام المندوبية

بخصوص ارتفاع معدل البطالة إلى 13 في المئة على المستوى الوطني والأرقام المقلقة التي كشفتها مندوبية الحليمي، أشارت لبنى علوي إلى أن هذا “رقم مفجع لم يسجل منذ عام 2000″، متابعة بأن “التزام الحكومة بتوفير مليون منصب شغل قد تبخر  خصوصا وأن الأرقام الأخيرة تشير إلى فقدان الاقتصاد الوطني 157.000 منصب شغل خلال سنة 2023 حسب المندوبية السامية للتخطيط”.

وذهبت علوي إلى أن “الحكومة تجاهلت برنامجا مهما ساهم في خلق عدد من المقاولات الصغرى وهو برنامج انطلاقة الذي حقق نتائج مهمة حسب وزيرة الاقتصاد والمالية التي أكدت في وقت سابق (ماي 2022) أن البرنامج حقق 94 بالمئة من أهدافه.. ومول قرابة 29 ألف مقاولة بمبلغ 6 مليارات درهم”.

وذكّرت المستشارة “بملاحظات المجلس الأعلى للحسابات في تقريره الأخير، خصوصا تجميد عمل اللجنة الوزارية للتشغيل المحدثة سنة 2015 من أجل تحديد التوجهات الاستراتيجية للسياسة الحكومية في مجال التشغيل والإشراف على تفعيل الرؤية الاستراتيجية حول المخطط الوطني للنهوض بالتشغيل”.

من جانبها، قالت فاطمة زكاغ، المستشارة البرلمانية عن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، بخصوص أرقام المندوبية، إننا “لم نتفاجأ بهذه الأرقام لأنه نظرا للظرفية الاقتصادية من جهة والبرامج الحكومية وعدم فعاليتها من جهة أخرى، فقد كان من المرتقب ارتفاع نسبة البطالة”.

وقالت زكاغ إن “هذه الأرقام كذبت بالملموس وعود الحكومة في برنامجها بخلق مناصب شغل، وقد سبق لنا في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل أن حذرنا الحكومة غير ما مرة لما ستؤول إليه الأوضاع نتيجة عدم احترامها للالتزامات الاجتماعية وخاصة توقيف الحوار الاجتماعي، سيما أن الحكومة لم تتخذ إجراءات وتدابير من أجل مواجهة التداعيات المناخية التي زادت من تفاقم نسبة البطالة بالعالم القروي بسبب توالي سنوات الجفاف”.

وحول حصيلة الحكومة في التشغيل، قال رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، أن الأرقام “تعبر عن نفسها لوحدها بشكلٍ بليغ.. هذه هي حكومة الدولة الاجتماعية!!”، داعيا إلى مقارنة عدد مناصب الشغل التي أحدثتها كل حكومة من الحكومات السابقة خلال الربع قرن الماضي مع حصيلة الحكومة الحالية، مشددا على أن “هذه الأخيرة هي الأضعف على هذا المستوى كما على مستويات أخرى متعددة”.

ميثاق الاستثمار ينتظر التفعيل

وبينما تتمسك الحكومة بأن ميثاق الاستثمار الذي أخرجته “شفاف ‏وواضح وسيحقق النتائج المرجوة منه خلال السنتين المقبلتين”، وأن هناك ‏استثمارات بملايير الدولارات ستنعكس على سوق الشغل، على أمل أن تتحقق الوعود التي تم قطعها من قبل، يوجه برلمانيون انتقادات لتأخر تنزيل هذا الميثاق.

وقال رشيد الحموني، في حديثه لجريدة “مدار21″، إنه “لا يمكن تصور نسب نمو جيدة دون استثمارات قوية ومنتجة للشغل، ولا يمكن تصور الاستثمار دون إصلاح لمناخ الأعمال الذي ما يزال تنخره عدد من الممارسات غير المشروعة”.

وتساءل رشيد الحموني بدوره “أين تفعيل ميثاق الاستثمار؟ أين البرنامج الحكومي ووعوده الوردية؟ وأين الخطابات الحكومية حول مخطط التصنيع ومخطط الفلاحة ومخطط السياحة والالتزام بخلق طبقة متوسطة فلاحية؟”.

بدورها، أبرزت المستشارة لبنى علوي، في حديثها لـ”مدار21″، أن “إشكالية التشغيل في المغرب ترتبط بالاستثمار الذي يتجه إلى قطاعات ذات مردودية ربحية مرتفعة دون إحداث مناصب شغل كثيرة، ولعل المقارنة بين أرقام الاستثمار في المشاريع التي تصادق عليها اللجنة الوطنية للاستثمار تبين طبيعة الاستثمارات التي توافق عليها هذه اللجنة، وهو ما يقتضي الإسراع بمراجعة معايير الدعم العمومي لهذه المشاريع الاستثمارية وربط الدعم بمناصب الشغل المباشرة التي تحدثها هذه المشاريع”.

من جانبها، أثارت فاطمة زكاغ، المستشارة عن الكونفدرالية، ملاحظات تخص ميثاق الاستثمار، مفيدة أنه “يخدم المصالح الرأسمالية الكبرى على حساب المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا التي لم تستفد لحد الآن نظرا لعدم إصدار النصوص التطبيقة”.

وسجلت زكاغ أنه “تقدمنا بمجموعة من التعديلات في مجموعة ‘كدش’ بمجلس المستشارين تخص بالأساس استفادة هذه الفئة، أي المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا التي تشكل ما يناهز 80 بالمئة من النسيج الاقتصادي، من الدعم اللازم بفترة ثلاثة أشهر من إصدار القانون وتوسيع قاعدة استفادتهم واحترام القوانين الاجتماعية من طرف المستثمرين الكبار، وقد تم رفضهم، كما أن الحكومة لحد الآن لم تتخذ إجراءات ملموسة لاحتواء توسع القطاع غير المهيكل وانعكاساته السلبية على النسيج الاقتصادي الوطني”.

أوهام “فرصة” و”أوراش”

وفي الوقت الذي علقت الحكومة آمال كبيرة على برنامج “أوراش” و”فرصة” وراهنت على مساهمتها بشكل كبير في خلق فرص الشغل، أثيرت مجموعة من الملاحظات حول قدرتهما على احتواء البطالة، إضافة إلى إشكاليات تهم الحكامة.

ونبهت علوي إلى أن “برامج مثل أوراش لا تعد مناصب حقيقية في الوقت الذي يتم فيه تشغيل أشخاص لبضعة أسابيع واحتسابهم ضمن فرص الشغل المحدثة”.

ولفتت المستشارة ذاتها إلى أنه لا “أوراش” ولا “فرصة” قلصا من نسبة البطالة، مضيفة أنه “قد سبق أن حذرنا منذ ظهور مثل هذه البرامج أنها قد تشجع على الهشاشة ولا تضمن مناصب شغل قارة ولائقة”.

ومن جانبها، قالت فاطمة زكاغ، المستشارة عن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إن برنامج “فرصة” أثار مجموعة من الاختلالات وكانت نتيجته احتقانات ومتابعات قضائية في حق شباب، كما أن استمرار الريع والفساد والاحتكار حال دون نجاح معظم المشاريع، أما “أوراش” فقد كرس الهشاشة الشغلية بالإضافة إلى أنه فتح باب الزبونية  والمحسوبية”.

“فشل” التكوين و”أنابيك”

وفي سياق جهود تخفيض البطالة، تضطلع جودة التكوين المهني وتأهيل اليد العاملة بأهمية كبيرة، غير أن الوضع الذي يعيشه المكتب الوطني للتكوين المهني، التابع لوصاية الوزير يونس السكوري، يؤكد بالملموس ضرورة النهوض بهذا الورش المهم، الذي كان موضوع خطابات ملكية.

وفي هذا السياق، أشارت لبنى علوي، المستشارة البرلمانية عن الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، في حديثها لـ”مدار21″، إلى “ضرورة إحداث تغيير في المنظومة التعليمية المعنية بالتأهيل لولوج سوق الشغل وخلق جامعات مهنية لتخصصات يتطلبها سوق الشغل المغربي والعالمي والتنمية الحقيقية للعالم القروي مع تحقيق العدالة المجالية بين جهات المغرب وخلق مشاريع حقيقية لإدماج الشباب العاطل وكذا العمل على إعادة تكوين خريجي الجامعات لملاءمة تكوينهم مع ما يتطلبه سوق الشغل”.

بدورها، تعيش الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات “أنابيك” انتقادات كبيرة بسبب محدودية أدوارها في خلق فرص الشغل، رغم الميزانيات المهمة المرصودة لها، مما يستدعي من الوزير يونس السكوري إعادة النظر في طريقة عملها، ومعها مراجعة كثير من ملامح سياسته التي اتضح أنها نقطة ضعف بالسياسة الحكومية في مجال التشغيل.

التزامات حكومية معلقة

وتأتي هذه الأرقام خلافا لما وعدت به الحكومة، التي التزمت بجعل التشغيل من أهم المحاور الأساسية لكل السياسات العمومية في الميدان الاقتصادي، كما التزمت بتسريع وتيرة ميثاق الإنعاش الاقتصادي والتشغيل من أجل إعطاء دينامية جديدة للاقتصاد الوطني، وخلق الثروة وتوفير مناصب الشغل لمعالجة أزمة البطالة، وذلك في أفق إحداث مليون منصب شغل صافٍ على الأقل خلال الولاية الحالية.

فضلا عن ذلك، تضمن البرنامج الحكومي الذي نال ثقة البرلمان، خطة محددة لتشغيل الشباب العاطل ودعم النشاط الاقتصادي ومواكبة المقاولات الناشئة ومحاربة الهشاشة في صفوف النساء ودعمهن وتشجيعهن في بحثهن عن التكوين والشغل وتطوير مشاريعهن ،وذلك برفع نسبة نشاط النساء إلى أكثر من 30 بالمئة بدل 20 بالمئة حاليا.

كما التزمت بوضع وتنفيذ سياسة استعجالية لمواكبة المقصيين من سوق التشغيل وتحسين البرامج المتعلقة بخلق فرص التشغيل الذاتي، بما فيها أساسا سهولة خلق المقاولة والاستفادة من الدعم اللازم والمواكبة والتوجيه والتتبع.

وفي هذا الإطار يوضح رئيس فريق حزب “الكتاب” بمجلس النواب، لجريدة “مدار21″، أن “كل المعطيات تدل على أن الفقر يزداد في عهد هذه الحكومة التي اختارت إعطاء ظهرها للفئات الشعبية وأوضاعها المتردية من جراء البطالة والتضخم والغلاء، حيث إن الطبقة الوسطى، التي هي صمام أمان المجتمعات، بصدد التقهقر نحو الفقر. وهذه معضلة كبرى نبهنا إليها أكثر من مرة، لكن يبدو أن الحكومة غير مهتمة، وسعيدة بأغلبيتها وإنجازاتها التي لا أثر لها في الواقع، بل إن بعضاً من المحسوبين عليها يتهمون المعارضة الوطنية حينما تثير القضايا الاجتماعية، بأنها تشويش”.

وخلص رشيد الحموني إلى أن “أصعب ما يواجه بلادنا اليوم، ليس التحديات الموضوعية، كالجفاف والتضخم العالمي، بل هو اطمئنان الحكومة وتسويق صورة ‘العام زين’ التي تكذبها الأرقام”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News