مجتمع

تفاقم معدلات البطالة يُربك خطط الحكومة لامتصاص أفواج العاطلين بالمغرب

تفاقم معدلات البطالة يُربك خطط الحكومة لامتصاص أفواج العاطلين بالمغرب

أظهرت الأرقام المقلقة التي كشفت عنها  المندوبية السامية للتخطيط حول تفاقم معدلات البطالة خاصة في صفوف حاملي الشهادات، فشل البرامج الحكومية لتحفيز التشغيل واحتواء أفواج العاطلين عن العمل بالمغرب، وهو يندر بتوسيع الهوة بين حجم مناصب الشغل المحدثة وبين أرقام البطالة التي باتت تطوق عنق أزيد من مليون نصف عاطل معظمهم من خريجي المؤسسات الجامعية.

وأعلنت المندوبية السامية للتخطيط،  في تقريرها الأخير حول وضعية سوق العمل خلال العام 2023 عن ارتفاع معدل البطالة إلى 13 بالمائة، مقارنةً بنسبة 11.8 بالمائة في عام 2022، وهو أعلى معدل يسجل في المملكة منذ سنة 2001، مشيرة إلى  أن عدد العاطلين عن العمل في المغرب  بلغ 1.58 مليون شخص، مسجلين زيادة بنسبة 10 بالمائة مقارنة بالعام السابق، حيث ارتفع العدد بمقدار 98 ألف شخص في المناطق الحضرية و40 ألف شخص في المناطق الريفية.

وفي التوزيع العمري للعاطلين عن العمل، أوضحت المندوبية، أن معدلات البطالة بين الشباب، بلغت نسبتها بين البالغين من 15 إلى 24 سنة  إلى 35.8 بالمائة، في حين بلغت نسبة البطالة بين حملة الشهادات 19.7 بالمائة، وبلغت 18.3 بالمائة بين النساء.

وفيما يتعلق بالتوزيع الجغرافي لمعدلات البطالة، سجلت الجهات الجنوبية أعلى المعدلات بنسبة 20.3 بالمائة، تليها الجهة الشرقية بنسبة 19.6 بالمائة، في حين تجاوزت جهتا الدار البيضاء-سطات وفاس-مكناس المعدل الوطني بنسبة 15 بالمائة و14.2 بالمائة على التوالي، بينما سجلت جهتا مراكش-آسفي وطنجة-تطوان-الحسيمة أدنى معدلات البطالة بنسبة 7.7 بالمائة و10.1 بالمائة على التوالي.

وتظهر هذه المعطيات المقلقة حجم الأزمة التي تتربص بالاقتصاد المغربي، حيث أبان التقرير عن فقدان الاقتصاد الوطني لـ157 ألف منصب عمل، إذ بلغ عدد الوظائف المفقودة في المناطق الريفية 198 ألف وظيفة مقابل إحداث 41 ألف وظيفة في المناطق الحضرية.وأمام هذه التحديات الاقتصادية التي تعيق التنمية الاجتماعية للبلاد، لازالت المشاكل النفسية والاجتماعية المترتبة عن العطالة ترخي بتبعاتها على شباب المغرب،خاصة أصحاب الشواهد العليا.

وفي هذا الصدد، يرى عبد الإله فرح، باحث في علم الاجتماع، أن البطالة “مشكلة اجتماعية خطيرة “تؤثر بشكل كبير على المجتمعات، مضيفا أنها  تعتبر أكثر من مجرد مسألة اقتصادية، نظرا للآثار  النفسية الواضحة على حياة الأفراد والمجتمع بأكمله.

وأوضح فرح في تصريح لجريدة “مدار 21″، أن العاطلين عن العمل يتعرضون لمشاعر الإحباط والقلق والضيق نتيجة لعدم وجود فرص عمل، مضيفا أن “هذا الأخير يشعرهم بالعجز والاستسلام أمام ضياع طاقاتهم ومواهبهم، إذ أن الصحة العقلية والعاطفية تتأثر لديهم بشكل كبير، مما يتسبب في زيادة حالات الاكتئاب والقلق وحتى الانتحار في بعض الحالات الشديدة.

وكشف الباحث ذاته،  أن العاطلين عن العمل، يعانون من العزلة الاجتماعية، وأن عدم الحصول على الوظيفة، يعني فقدان الفرصة للتواصل والتفاعل مع الآخرين في بيئة العمل،  وهو مما يؤدي حسبه إلى شعور بالعجز والتبعية، إضافة إلى الاستبعاد من المجتمع. مردفا أن هذه الفئات الاجتماعية يمكن أن تتعرض للتمييز والتهميش في المجتمع بسبب وضعهم الاقتصادي، كما يمكن أن يتعرضوا للتهديدات والاستغلال في حالة البحث عن وظيفة.

وتابع المتحدث ذاته، أن البطالة تؤثر أيضا على الحياة العائلية والاجتماعية للأفراد، مؤكدا أن عدم وجود دخل ثابت يعني صعوبة تأمين احتياجات الحياة الأساسية مثل الغذاء والإسكان والرعاية الصحية، إضافة إلى المشاكل التي تتسبب فيها هذه الصعوبات المالية، منها زيادة التوتر والخلافات العائلية،التي تؤثر على الروابط العاطفية والتفاهم بين أفراد الأسرة.

وأشار فرح  إلى أن فقدان فرص العمل تضع الشباب أمام قدرة أقل على سد احتياجاتهم وتوفير الخدمات الأساسية، إضافة إلى تحمل تكاليف التعليم وتطوير مهاراتهم، مسجلا أن ارتفاع معدلات البطالة إيزيد من التوتر الاجتماعي، ومن مستويات الجريمة والعنف بالإضافة إلى التقليص في الإنتاجية الاقتصادية وتقليل النمو الاقتصادي، الشيئ الذي يؤثر على استقرار البلد وتنميته.

وتأتي هذه الأرقام خلافا لما وعدت به الحكومة، التي التزمت بجعل التشغيل من أهم المحاور الأساسية لكل السياسات العمومية في الميدان الاقتصادي، كما التزمت بتسريع وثيرة ميثاق الإنعاش الاقتصادي والتشغيل من أجل إعطاء دينامية جديدة للاقتصاد الوطني ،وخلق الثروة وتوفير مناصب الشغل لمعالجة أزمة البطالة، وذلك في أفق إحداث مليون منصب شغل صافي على الأقل خلال الولاية الحالية.

فضلا عن ذلك، تضمن البرنامج الحكومي الذي نال ثقة البرلمان، لخطة محددة لتشغيل الشباب العاطل ودعم النشاط الاقتصادي ومواكبة المقاولات الناشئة ومحاربة الهشاشة في صفوف النساء ودعمهن وتشجيعهن في بحثهن عن التكوين والشغل وتطوير مشاريعهن ،وذلك برفع نسبة نشاط النساء إلى أكثر من 30 بالمائة بدل 20  بالمائة حاليا.

كما التزمت بوضع وتنفيذ سياسة استعجالية لمواكبة المقصيين من سوق التشغيل وتحسين البرامج المتعلقة بخلق فرص التشغيل الذاتي، بما فيها أساسا سهولة خلق المقاولة والاستفادة من الدعم اللازم والمواكبة والتوجيه والتتبع.

ولمواجهة تأثيرات البطالة وتخفيف المعاناة الاجتماعية التي يتعرض لها العاطلون عن العمل، أوضح المتخصص في علم الاجتماع، أن المغرب  يحتاج إلى تبني استراتيجيات شاملة، يعمل من خلالها إلى توفير فرص عمل مستديمة وتحسين مهارات العمالة من خلال التعليم والتدريب، إضافة إلى تعزيز الشفافية والعدالة في عملية التوظيف وتقليل التمييز والتهميش.

ودعا المتحدث ذاته، إلى ضرورة التعاون وتظافر جهود الحكومة والمؤسسات الخاصة والمجتمع المدني لتعزيز الشمول الاجتماعي وتقديم الدعم اللازم للعاطلين عن العمل. إضافة إلى وضع رؤية شاملة للتعامل مع مشكلة البطالة والحد من آثارها الاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News