حليمة ورزازي.. دبلوماسية مغربية شرّعت أبواب الأمم المتحدة للنّساء العربيات

مازالت المرأة المغربية تحقق السبق في مجالات عديدة، وبطلة قصتنا اليوم واحدة من هؤلاء النسوة اللاتي مثّلن المرأة المغربية والعربية خير تمثيل بالدفاع عن حقوقهن، وحقوق الإنسان بشكل عام، لتكون بذلك أوّل امرأة في العالم العربي تصبح عضوا خبيرا في لجنة الأمم المتحدة لمناهضة الفصل والميز العنصري.
مسار غني
ولدت حليمة مبارك ورزازي عام 1933. هي دبلوماسية مغربية وناشطة في مجال حقوق الأنسان، واتسمت سيرتها المهنية بالغنى، وهي حاصلة على إجازة في الآداب من جامعة القاهرة.
شغلت حليمة ورزازي العديد من المناصب الهامة على المستوى الدولي، فهي عضو سابق بمجلس وباللجنة التنفيذية للمعهد الدولي لحقوق الإنسان ورئيسة مقرِّرة سابقة لمجموعة العمل التابعة للجنة الفرعية للأمم المتحدة المعنية بدراسة الممارسات التقليدية المضرة بصحة النساء والأطفال، كما انتُخِبت سنة 1992 رئيسةً لمجموعة عمل الأمم المتحدة حول الأشكال الجديدة للعنصرية التابعة للجنة الفرعية لمكافحة التدابير التمييزية وحماية الأقليات (اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان)، وفي عام 1997 شغلت منصب نائبة رئيس الدورة الـ49 للجنة الفرعية لمكافحة التدابير التمييزية وحماية الأقليات (اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان).
عملت ورزازي كذلك ملحقة ثقافية بالسفارة المغربية بواشنطن في الفترة الممتدة بين (1959 و1967) قبل أن تُنتخب سنة 1973 خبيرة لجنة الأمم المتحدة ضد الفصل والتمييز العنصري، كما شغلت منصب مديرة المنظمات الدولية في وزارة الخارجية المكلفة بالشؤون الخارجية والتعاون.
صدف متوالية
تقول حليمة ورزازي في أحد اللقاءات الصحفية تصف بداية عملها في المجال الحقوقي قائلة: “الصدفة هي التي شاءت أن أنخرط في هذا الميدان، إذ بعد إنهاء دراستي في مصر والتحاقي بوزارة الخارجية، شاءت الصدفة في مرحلة أولية أن أعيَّن ملحقا ثقافيا بواشنطن.”
لم تكن هذه الصدفة الوحيدة حسب تعبيرها، بل شاءت الصدف مرة أخرى أن تتلقى دعوة لحضور حفل في نيويورك من طرف وزير الخارجية الذي كان يرأس وفد المغرب بالأمم المتحدة وذلك عام 1959، جاءت الدعوة بغرض أن تمثل النساء العربيات وسط حضور يغلب عليه العنصر الرجالي، ولكن فيما بعد تحوّلت هذه الزيارة الخاطفة إلى تعيين في الوفد المغربي بمقر الأمم المتحدة في نيويورك.
لم تكن النساء آنذاك تحظى بتمثيلية قوية، ولم يكن يتعلق الأمر بنساء العرب فقط، بل حتى ضمن الوفود الغربية، وعليه جرى اختيارها في اللجنة التي كانت تحمل اسم “لجنة المرأة”، هذه الأخيرة مكلفة بالدفاع عن القضايا الاجتماعية والإنسانية والثقافية، وكذا مناقشة قضايا حقوق الإنسان.
اختيارها لتقلد هذا المنصب لم يكن بمحض الصدفة وإنما جاء نتيجة عملها الدؤوب منذ سنة 1959، وهي بذلك أول سيدة عربية تقلدت مناصب متعددة في مجال حقوق الإنسان.
“مهندسة” معاهدات دولية
أسهمت حليمة على مدار عملها بشكل كبير في تعزيز واقع حقوق الإنسان، وذلك من خلال دورها في المصادقة بالإجماع على العهدين الدوليين حول الحقوق المدنية والسياسية من جهة، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة أخرى، إذ ظلا متأرجحين بين الرفض والقبول لأكثر من عقد من الزمن، رغم صعوبة المرحلة آنذاك إذ كان العالم يمر بفترة الحرب الباردة وما نتج عنها من انقسامات بين الدول. عن هذه المرحلة قالت ورزازي: “وما أعتز به، ويعتز به بلدي، أنه تمت المصادقة على هذين العهدين رغم تعقيداتهما وتفاصيلهما بالإجماع في الوقت الذي نعرف فيه أنه حتى فيما يتعلق بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يُعتبر مجرد ميثاق عام، امتنعت ثمانية بلدان عن التصويت عليه”.
لعبت ورزازي كذلك دورا في إبرام العديد من المعاهدات الدولية، إذ اختيرت عام 1965 لرئاسة فريق العمل المكلّف بالتحضير لمشروع المعاهدة المناهضة لكل أنواع التمييز العنصري، بالإضافة إلى مساهماتها في إعداد المعاهدة الخاصة بحقوق المرأة، نظرا لكونها تنتمي لبلد عربي، قادرة على وضع يدها على مكامن الجرح التي تعاني منها النساء في بلدان عربية، عدا دورها في اعتماد معاهدة حقوق الطفل رغم سعي بعض الدول لعرقلة المصادقة عليها.
في عام 1989 كُلِّفت من قبل مدير حقوق الإنسان بالعمل على التحضير لعقد ثاني مؤتمر لحقوق الإنسان بعد مؤتمر طهران، وقد وضع آمالا كبيرة عليها لإنجاح المهمة، وهو ما حصل فعلا إذ جرى المصادقة بالإجماع على نتائج مؤتمر فيينا، بعد إقناع الدول النامية المعارضة لفكرة المؤتمر، بضرورة المشاركة وطرح النقاط التي لم تناقش أثناء صياغة ميثاق حقوق الإنسان في عام 1945، وترجع حليمة ورزازي أسباب نجاحها في إقناع الدول المشاركة حسب قولها: “كنت دوما أعتز بالقول إنني سيدة عربية، وإفريقية، وأنتمي إلى البلدان النامية وبالتالي من واجب الجميع مساعدتي، وقد نكون فخورين لو تمكنا من التوصل إلى إجماع حول هذه المعاهدات، وبالأخص بعد إثرائها بقسم لا يستهان به من مطالبنا.”