رأي

راتب الأستاذ ليس ملكا له!

راتب الأستاذ ليس ملكا له!

أبى الإعلام العمومي والإعلام الموجّه إلا أن يعزف سمفونيات الزيادة المهمة، ويذكرها بالرقم (1500 درهم) ليقنع الرأي العام بأن الأساتذة “طمّاعون” لم يقنعوا بهذا “المبلغ الكبير” مقارنة بمنحة الفقراء التي تشكل ثلثه فقط. نعم لقد جاءت حكومة حمامة السلام، وجرار الفلاحين، وميزان العدل، لتحارب الفقر، وتبني مجتمع العدالة والمساواة، فهل ينكر أحد أن آخر زيادة في رواتب الأساتذة بناة الأجيال كانت قبل 13 سنة، حينما وافق الوزير الأول عباس الفاسي على زيادة 600 درهم صافية في أجور الأساتذة.

إن هذه الزيادة “المهمة” التي يهتم بها القاصي والداني، لم تثر فرحة الأساتذة، إذ أنهم يحتفلون في هذا الأسبوع بارتداء اللباس الأسود في بعض تظاهراتهم، لكنها تثار على كل الألسن، من التلاميذ إلى سائقي سيارات الأجرة إلى الخضار والنجار والطيار وساكني المقاهي، وهو أمر ليس بجديد، فأجرة الأستاذ هي الأشهر في المغرب، نجمة الأجور وملكتهم المفضوحة، لكن لا أحد يسأل عن أجر مقدمة الأخبار في القناة الثانية التي أذاعت الخبر، وتحفيزاتها المالية، وتعويضاتها عن كل مجهود إضافي، والامتيازات التكميلية التي تقدمها لها المؤسسة التي تعمل فيها.

لماذا لا تشاع في النقاش العمومي أجرة رجال الأمن؟ مع تحفيزاتها ورواتبها وترقياتها بالشهادات، وتعويضاتها عن الساعات الإضافية، وتوفير المأوى وتعويضات التنقل؟ إذا كانت خفايا رواتب الوظائف الدنيا مجهولة عند الرأي العام فكيف برواتب أصحاب المناصب السامية؟

يبدو أن أجرة الأساتذة وحدها التي تسير في الشوارع بدون ملابس! رغم أن جزءا مهما منها ليس في ملك الأستاذ، إذ هو في ملك صاحب المنزل الذي يستأجره الأستاذ في البوادي والمدن إن كان بعيدا عن منزله     -إن امتلك منزلا!- وفي ملك ملّاك الحافلات وسيارات الأجرة التي يتنقل فيها، وفي ملك أصحاب المطابع التي يطبع فيها الفروض، وفي ملك أصحاب المكتبات التي يشتري منها الكتب المدرسية، والأدوات المكتبية، وفي ملك شركات الاتصالات التي تبيعه التعبئات التي تستهلك في مهام تربوية..، وسيزداد عبء المصاريف إذا كان قلب الأستاذ(ة) أو الأستاذ رحيما، حيث سيصادف في المدرسة العمومية أنواعا من البؤس الاجتماعي.

إذا كانت مقارنة أجور الأساتذة في المغرب مع الدول العربية محرجة، فما بالك بمقارنتها مع دول صناعية متقدمة تولي أهمية كبرى لقضية بناء الأجيال والكفاءات.

إن المؤشرات التي تؤكد الرداءة التي انحطت إليها وضعية الأستاذ المادية والمعنوية كثيرة، والأهمية الاستراتيجية للتعليم لا تخفى على الجميع حكومة وشعبا، إلاّ أن الرؤية التي تسير عليها الدولة المغربية تقدّم المصالح الآنية على التغيير الاستراتيجي، وذلك كان واضحا في تبني المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ويتم تكراره في الإصلاح وإعادة الإصلاح التي يشهدها قطاع التعليم منذ عقود.

هذا الاختيار في السياسات التعليمية بالمغرب يؤكد التردد الذي طغى على عمليات “الإصلاح” والترقيع المتعددة، والتردد عدو القرار الاستراتيجي، وحليف الجمود، فبقاء الحال على ما هو عليه يعني تمديد عمر الخمول الاقتصادي، وتكريس التخلف الاجتماعي والثقافي. لقد تهيّأت الظروف اليوم لأخذ قرار تاريخي واستراتيجي بخصوص المدرسة العمومية، وإعادة الاعتبار لمكانة الأستاذ في المجتمع، ليعود هو بدوره إلى القسم، فالأستاذ خرج منذ سنوات من القسم، لكن الصمت السياسي هو الذي يدرأ ذلك، فمنذ سنوات أصبح الأستاذ يمارس أنشطة تعليمية وغير تعليمية خارج المدرسة ابتغاء تحسين دخله، وتلبية حاجاته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News