النظام الأساسي الخاص بموظفي التعليم.. ملاحظات وتساؤلات

أثار النظام الأساسي الجديد الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية جدلا واسعا في صفوف رجال و نساء التعليم .فمنذ صدور المرسوم رقم 2.23.819 في الجريدة الرسمية عدد 7237 بدأت إرهاصات الاحتجاج ضد مقتضيات هذا النص، الذي تراه هيئة التدريس غير محفز و غير منصف لها، كما أنه لا يرقى إلى مستوى تطلعاتها رغم مرور أكثر من سنة و نصف على الاشتغال عليه بشكل مشترك من طرف الوزارة و النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية.
تهدف هذه المساهمة إلى إغناء النقاش عبر قراءة نسقية لهذا النص و تسجيل بعض الملاحظات الأولية من منظور قانوني حول هذا المرسوم، كما نطرح بعض التساؤلات المرتبطة بها.
الملاحظة الأولى: يميز المرسوم رقم 2.23.819 الصادر في 6 أكتوبر 2023 في شأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية في مادته الأولى بين فئتين من الموارد البشرية وهما:موظفي قطاع وزارة التربية الوطنية من جهة ، و الأطر النظامية للأكاديميات. و بربط هذا المقتضى بأحكام المادة 11 من المرسوم بقانون رقم 2.23.781الصادر في 5 أكتوبر 2023 و المتعلق بتغيير القانون رقم 07.00 القاضي بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية و التكوين، والتي تنص على أن الموارد البشرية الخاصة بالأكاديميات تتكون ،إلى جانب أطر أخرى، من أطر نظامية يسري عليها النظام الأساسي المطبق على موظفي قطاع التربية الوطنية ، لماذا إذن هذا التمييز بين صنفين من الموارد البشرية ما دام الأمر يتعلق بنظام أساسي يسري على الجميع؟ ثم ما ذا يعني من الناحية القانونية ما تنص عليه المادة الثانية من المرسوم المتعلق بالنظام الأساسي من أن الموارد البشرية تمارس مهامها بالأكاديميات الجهوية للتربية و التكوين ما دامت عبارة ”مختلف مصالح قطاع التربية الوطنية ” تشمل المصالح المركزية ،و كذا ما يسمى بالمصالح الخارجية للوزارة أي الأكاديميات و المديريات الإقليمية و التي تندرج في إطار اللاتمركز الإداري؟
الملاحظة الثانية: تنص المادة 3 من المرسوم على أن الموارد البشرية تسري عليها أحكام النصوص التشريعية و التنظيمية المطبقة على موظفي الدولة التي لا تعارض مع مقتضيات هذا المرسوم. معلوم أن مبدأ تراتبية القواعد القانونية كأحد ضمانات دولة القانون كما أبدعه الفقيه النمساوي هانس كلسن يقتضي أن القاعدة الدنيا لا ينبغي أن تعارض مع القاعدة العليا، وهو ما يعني أن المرسوم كنص ينتمي إلى المجال التنظيمي لا ينبغي أن تعرض بنوده مع قانون مثلا . ألا يصبح المرسوم وفق هذه المادة أسمى منزلة و قوة من أي نص تشريعي آخر (دستور، قانون تنظيمي، قانون عادي…)؟. وينبغي التذكير هنا بالفصل السادس من الدستور المغربي الذي يعتبر دستورية القواعد القانونية و تراتبيتها ووجوب نشرها مبادئ ملزمة.
الملاحظة الثالثة: تنص المادة 42 من نفس المرسوم أن مباراة ولوج المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين بالنسبة لأطر التدريس و أطر المختصين التربويين و الاجتماعيين و مختصي الإقتصاد و الإدارة يشارك فيها المترشحون البالغون من العمر 30 سنة على الأكثر.و بالرجوع إلى الفصل 31 من دستور المملكة يتأكد أن الولوج إلى الوظائف العمومية حسب الاستحقاق حق من الحقوق الأساسية التي ينبغي أن يستفيد منها المواطنون و المواطنات على قدم المساواة، و المقصود بالاستحقاق هو الكفايات و المهارات و القدرات المعرفية التي يتوفر عليها الفرد و التي تؤهله لشغل المنصب المعني، بغض النظر عن سنه القانوني أو عمره البيولوجي. يتعارض هذا المقتضى كذلك مع الفصل الأول من الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر سنة 1958 بشأن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي ينص على حق كل مغربي في الوصول إلى الوظائف العمومية على وجه المساواة .
الملاحظة الرابعة: أشارت المادة 59 من النظام الأساسي الجديد إلى خمسة مراسيم أحدثت بموجبها تعويضات تكميلية عن المهام بالنسبة لبعض الفئات كالأساتذة المبرزين و أطر الإدارة التربوية و أطر التفتيش و المستشارين في التوجيه و التخطيط و غيرهم. من جهة أخرى تمت مأسسة مجموعة من المهام الإضافية بالنسبة لأطر التدريس لتصبح إلزامية بموجب المادة 15 من هذا النظام الأساسي كالتقييم و الدعم المدرسي و المواكبة التربوية و المشاركة في عملية التنمية و التطوير المهني و المشاركة فيما يسمى بأنشطة الحياة المدرسية ،وكذا في تنظيم الامتحانات و المباريات. و هنا نطرح التساؤل التالي:ما الذي يمنع وزارة التربية الوطنية و التعليم الأولي و الرياضة من التقدم بمرسوم مماثل يحدث تعويضات تكميلية معقولة عن هذه المهام الإضافية لفائدة المدرسين في السلكين الابتدائي و الثانوي؟ هذا مع العلم أن المواد 89 و90 و 91 و 92 و 93 من النظام الأساسي الجديد رفعت من المقدار السنوي للتعويض التكميلي للفئات المذكورة وذلك بتعديل المادة الثانية من كل مرسوم من المراسيم المذكورة. إن القيام بمجهود مالي في هذا الاتجاه سيجعل خطاب الفاعلين حول مركزية المدرس في الإصلاح التربوي و التعليمي خطابا يتمتع بمصداقية أكبر.تجدر الإشارة كذلك إلى أن النظام الأساسي السابق الذي يعود إلى سنة 2003 نص في مواده 15 و 21 و 26على مهمتين أساسيتين للمدرس و هما:التربية و التدريس ثم تصحيح الامتحانات.
الملاحظة الخامسة: أدرجت العقوبات التأديبية لأول مرة في النظام الأساسي الجديد الخاص بموظفي الوزارة، و يبدو أن إدراج هذه العقوبات مؤشر ملموس على أن بناء هذا النص الذي يعتبر دستور المهنة تحكمه مقاربة عقابية و منطق العقوبات البديلة (الحرمان من المشاركة في الحركة الانتقالية، الحرمان من اجتياز امتحان الكفاءة المهنية…) كجزاء على أي تقصير في تنفيذ المهام الجديدة و المتعددة التي أسندت لأطر التدريس. في المقابل تغيب عناصر التحفيز المهني الحقيقي في النص سواء تلك المتعلقة بالمهام الرئيسية للمدرس و هي التربية و التدريس، أو المرتبطة بالمسار المهني و التدرج الإداري، فما معنى مثلا أن يغير الأستاذ إطاره الإداري دون أن يلحق أي تغيير وضعيته الإدارية و المالية؟
صنف المرسوم في مادته 64 العقوبات المطبقة على الموارد البشرية إلى أربع درجات مع إدرج عقوبات جديدة و مبتكرة غير واردة في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية .في هذا السياق نطرح التساؤلات التالية:
– من له سلطة توصيف و تأويل الخطأ المهني الذي قد يرتكبه الموظف لتحديد المخالفة المناسبة و العقوبة الموافقة تبعا لذلك؟
– ما معنى إدراج شهادات التقدير و الاعتراف كوسيلة لمحو عقوبات تأديبية كالإنذار و التوبيخ كما تنص على ذلك المادة 65 من نفس المرسوم. ألا يحمل هذا الأمر موقفا مستبطنا من المدرس بإعتباره مذنبا و مقصرا حتى تثبت براءته؟
– كل ممارس لمهنة التدريس يعرف تمام المعرفة هشاشة المهنة و تعدد المخاطر المحدقة بها ، بالنظر إلى كثافة العلاقات الإجتماعية و التفاعلات الإنسانية داخل الفصول الدراسية و خارجه. فالمدرسة تحتضن كل توترات المجتمع و أعطابه ، و يطالب المدرس بالدرجة الأولى بالتعامل معها و تدبيرها و إيجاد حلول لوضعيات شادة أحيانا تعيق السير العادي للتعليم و التعلم. أليس من المطلوب أولا و أخيرا التفكير في آليات نفسية و اجتماعية تعين المدرس على القيام بمهمته النبيلة بدل ترصد هفواته بعقوبات إضافية؟
– أليس حرمان الموظف من المشاركة في الحركة الانتقالية الخاصة بالأساتذة كعقوبة ”بديلة” مدخلا لتأزيم وضعه الأسري و الاجتماعي ، ما دام هذا الحق يمس أفراد الأسرة برمتهم، فيجدون أنفسهم مجبرين على تحمل وزر هفوة مهنية ارتكبها رب الأسرة في عمله؟
لا يمكن الحديث اليوم عن إصلاح جوهري للاختلالات البنيوية التي يعاني منها النظام التربوي المغربي، دون الالتفات إلى وضعية رجال و نساء التعليم باعتبارهم قاطرة رئيسية و موردا أساسيا لإنجاح السياسات العمومية في هذا المجال، و انتشال المدرسة العمومية من أزمتها المركبة.
– باحث في القانون الدستوري وعلم السياسة
تحليل منطقي ،شكرا
لا لتسقيف سن التوظيف في 30 سنة. هذا الشرط يضرب مبدأي تكاففؤ الفرص وتراتبية القوانين.