افتتاحية

الدعم المباشر.. ثورة اجتماعية بلمسة مغربية

الدعم المباشر.. ثورة اجتماعية بلمسة مغربية

ما كان بالأمس القريب حلما لملايين من المغاربة أصبح اليوم واقعا يكفل كرامتهم ويعيد لهم الأمل، بفضل إرادة ملك المغرب وتجند الحكومة لتنفيذ توجيهاته، بعدما أفرجت أخيرا عن الدعم المالي المباشر للأسر المغربية، بناء على نظام استهداف قائم على تحديد الفئات المستحقة عبر السجل الاجتماعي الموحد.

وتوضح الإجراءات التي كشفتها الحكومة مع الدخول السياسي الحالي، تنفيذا للتوجيهات الملكية، أن المغرب يخطو بهدوء باتجاه إرساء ثورة اجتماعية غير مسبوقة بالبلاد، انتظرها أغلب المواطنين، خاصة من الفئات الهشة والفقيرة، التي اغتنت باسم الدعم الموجه إليها فئات غيرها، لاسيما من ميزانية صندوق المقاصة وبرامج الدعم الاجتماعي الأخرى.

وكانت مناسبة مرور رئيس الحكومة، أمس الاثنين بالبرلمان، موعدا لإعلان تفاصيل الدعم الاجتماعي المباشر، الذي سيكلف 25 مليار درهم سنة 2024، وستشرع الأسر المغربية في تلقيه ابتداء من دجنبر 2023، وهو تاريخ يختزل قدرة الحكومة على الإنجاز في ظرف زمني قياسي، يُحسب لها.

عرض الدعم الاجتماعي الذي أزاح عنه عزيز أخنوش الستار، بعدما قّص الملك شريط افتتاحه، يهم  60 بالمئة من الأسر غير المشمولة بأنظمة الضمان الاجتماعية، ويوفر دعما شهريا مباشرا يوجه للأسر المستهدفة التي لها أبناء منذ ولادتهم إلى غاية بلوغ سنة 21، وكذا الأسر التي ليس لها أطفال أو يتجاوز سن هؤلاء الأطفال 21 سنة، خاصة منها تلك التي تتواجد في وضعية فقر أو هشاشة.

يختزل هذا الدعم، بلا شك، توجها واضحا للدولة الاجتماعية المغربية، الراغبة في صون كرامة مواطنيها، وإحياء الأمل والثقة بالمؤسسات، وبالقدرة الجماعية على النجاح، متى توفرت الجدية والرغبة في ذلك، وهي غاية بعيدة ما لم تُحسن الظروف المعيشية لملايين المغاربة، وهذا ما يصبو إليه ويرجوه هذا المشروع الاجتماعي الواعد.

فئات كثيرة كانت خارج الأجندات السياسية والاجتماعية من قبل، ولم تستفد طيلة عقود من البرامج التي ظلت دون سقف الطموح المغربي، ومنها الأطفال والمسنين والأرامل والأشخاص في وضعية إعاقة، غير أن الإصلاح الجديد يروم إعادة الاعتبار لكافة مكونات الأسرة المغربية، التي تعد بوصلة صلاح المجتمع،  كما أكد على ذلك عاهل البلاد بخطاب افتتاح البرلمان.

ولعل أحد أبرز الإجراءات التي أفرجت عنها الحكومة أيضا، ما يتعلق بمنحة الولادة، والتي تقدر بـ2000 درهم عند الولادة الأولى و1000 درهم عند الولادة الثانية، وهو ما يؤكد أن هذا الورش الاجتماعي نابع من قياس نبض المجتمع المغربي، وإجابة لمن زايد على الحكومة طيلة الفترة الماضية بالخطاب الاجتماعي.

ومن الضروري الوقوف على أن تنزيل هذا الورش لا يتعلق بمجرد إجراءات شكلية، بل إن تفعيله يتطلب تمويلا ضخما، ينطلق من 25 مليار سنة 2024 ليصل إلى 40 مليار درهم سنة 2026، تتحمل منها الدولة المغربية 20 مليار درهم في ظرف ثلاث سنوات مقبلة عن طريق مواردها الذاتية، بينما يعبء الباقي من الضرائب على الأرباح والدخول الخاصة بالمقاولات والضريبة على الممتلكات، وإصلاح برامج الدعم السابقة، ومن الإصلاح التدريجي لصندوق المقاصة، وغيرها من المداخيل التي تختزل تضامن جميع المغاربة للمضي قدما بهذه الثورة.

وقد بدد رئيس الحكومة المخاوف بشأن صندوق المقاصة، إذ أكد أن الأمر يتعلق بتسقيف وليس تحرير، وذلك إنصافا من الحكومة للأسر المستحقة للدعم فعلا، حيث يخصص الهامش الناتج عن تقليص دعم المقاصة، والذي يمثل تقليصا تدريجيا جزئيا ومحددا زمنيا ما بين 2024 و2026، لاستكمال تمويل إجراءات ورش تعميم الدعم الاجتماعي المباشر للأسر.

والراجح أن هذا المشروع الذي كشفت ملامحه الحكومة المغربية يمضي بالبلاد إلى مستقبل يكفل العيش الكريم لفئات واسعة من المغاربة، وهو امتحان جماعي لقدراتنا، حكومة وشعبا، على مواجهة التحديات، وتحويلها إلى فرص حقيقية للبناء والمضي نحو غد أفضل للجميع، وهو امتحان سيؤكد لا محالة أن المغرب بلاد الاستثناء بحق، وأن الأمر ليس محض شعار فضفاض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News