حوارات | سياسة

أوريد: ما يقع في غزة إبادة شعب ويجعل علاقة العرب وإسرائيل أكثر بعدا من أي وقت مضى

أوريد: ما يقع في غزة إبادة شعب ويجعل علاقة العرب وإسرائيل أكثر بعدا من أي وقت مضى

اعتبر الأكاديمي والمفكر المغربي حسن أوريد أن ما يقع في قطاع غزة يثير الكثير من المخاوف، مؤكدا أن المغرب لا يمكن إلا أن يصطف مع الشرعية ومع الحق، مشيرا إلى أن المستجدات التي تعرفها المنطقة تفرمل ما سمي بالتطبيع وتجعل إمكانية إقامة علاقة طبيعية بين إسرائيل والعالم العربي أكثر بعدا من أي وقت مضى.

وبخصوص العلاقات المغربية الجزائرية، قال أوريد في حوار مع جريدة “مدار21” الإلكترونية، إن الجزائر بالنظر إلى رصيدها التاريخي وجغرافيتها ومؤهلاتها، يمكن أن تكون فاعلا دوليا ولكن ليس بدون المغرب، في حين أن المغرب يستطيع أن يعيش دونها.

وفيما يتعلق بنقاش تعديلات مدونة الأسرة، لفت الأكاديمي المغربي وأستاذ العلوم السياسية، إلى أن المجتمع المغربي جاهز لهذا النقاش، مشددا على ضرورة عدم اختزاله في الجانب القانوني أو الإيديولوجي.

نص الحوار:

بداية، لا يمكنني أن أبدأ هذا الحوار دون أن أسألك عن تعليقك حول ما يقع في فلسطين؟

حقيقة ما يقع في غزة يثير الكثير من المخاوف. هناك عملية إبادة والمؤسف أنها تتم في غيابٍ للمنتظم الدولي، ليس هناك إجراءات ردعية لوقف عملية إبادة شعب.

العمليات العسكرية شيء والشعب شيء آخر، وينبغي الحفاظ على حياة المدنيين، وأخشى أن تتحول إلى نكبة ثانية، بمعنى إجبار الفلسطينين في غزة على المغادرة والرحيل.. هناك خطورة كبيرة.

هل يمكن أن تتأثر العلاقة المغربية الإسرائيلية بعد كل هذا؟

ينبغي أن نقول إنه بعض النظر عن الوشائج الدينية والتاريخية، القضية الفلسطينية قضية إنسانية، هناك شعب يعيش تحت الاحتلال ومحروم من حقه في تقرير مصيره ومحروم من تطبيق لوائحه الدولية.

هناك إطار قانوني، قرار 242 وقرار 337 والاتقاقيات التي أبرمت بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ومنها طبعا اتفاقية أوسلو وأيضا الإطار العربي والمبادرة العربية.

ليس هناك مخرج للقضية إلا في إطار دولتين، والقانون الدولي إلى جانب الشعب الفلسطيني، ولا أظن بأن موقف المغرب الرسمي، أنا لا أتحدث عن الجانب الشعبي، سيكون ضد أو خارج الإطار القانوني.

المغرب قال دائما بحل الدولتين وبالدفاع عن الشعب الفلسطيني، ربما أذكر طرفة بالنسبة للأجيال الحالية الجديدة التي لم تعش سياق السبعينات والثمانينات، ففي 1986، كان المرحوم الحسن الثاني قد استقبل شمعون بيريز، وقامت ضجة، وحينها لم يكن حقيقة من الوارد ربط أو فتح جسور مع الإسرائيليين، والحسن الثاني رحمه الله فتح هذا الجسر، وقامت القيامة في العالم العربي، وأحرق العلم المغربي.

الحسن الثاني بعدها قدم ندوة صحفية في خريف 1986 بإفران، وسأله المرحوم علي يعتة، الذي كان زعيما للتقدم والاشتراكية ومديرا لجريدة البيان، قائلا: “جلالة الملك، إذا قامت هناك حرب بين العرب وإسرائيل، في أي معسكر سيصطف المغرب؟”، فأجابه الحسن الثاني “أشكرك على السؤال ولكن تعرف الجواب”.

لا يمكن للمغرب إلا أن يصطف مع الشرعية ومع الحق، والحق تقرير الشعب المصير.. التطور الدبلوماسي لا أدري، ولكن هناك وضع عام في العالم العربي حقيقة يفرمل ما سمي بالتطبيع ويجعل إمكانية قيام علاقة طبيعية بين إسرائيل والعالم العربي أكثر بعدا من أي وقت مضى، الآن هناك وضع جديد في سياق مستجدات تعرفها المنطقة، هذا واقع.

قبل يومين، شهدت العاصمة الرباط مسيرة حاشدة، شارك فيها الآلاف معلنين عن تضامنهم مع فلسطين، والبعض لام الأحزاب السياسية المغربية واعتبر أنها كانت غائبة، هل توافقهم الرأي؟

للأسف الشديد ولظروف شخصية، كنت في الرشيدية بلدتي، لم أشارك في المسيرة لاعتبارات طارئة، لكنني قرأت تصريحات بعض الأحزاب، ولست هنا لأقيم الأحزاب، الذي يهمني هي مبادئ وسياسة دولة وتوجه الشعب المغربي.

أنا لست مراقبا لأقيم الأحزاب، وبالنسبة لي هناك حقيقة أن جريمة ترتكب في حق شعب وعقاب جماعي، وأنا أقول ما يقوله الفلسطينيون وما تقوله القيادة الفلسطينية، الشعب الفلسطيني شيء وحركات معينة شيء آخر.

وينبغي أن نميز بين الشعب الفلسطيني والقيادة المعروفة وبعض الحركات التي يمكن أن يكون لها توجهات معينة، ولا يمكن بتاتا أن يؤدي الشعب الفلسطيني جراء تصرفات أو إيديولجيات معينة لبعض الحركات الفلسطينية، هذا موقفي.

ما يقع هو عملية إبادة وللأسف الشديد في غياب الضمير العالمي وهناك خطورة أن تستفحل الأمور وتتطور إلى إجلاء الفلسطينيين من موطنهم لكي يعيشوا نكبة ثانية.

 

بالنسبة للعلاقات المغربية الجزائرية، هل ترى أنها يمكن أن تعرف “انفراجا” مستقبلا؟

في السياسة لا ينبغي قول لا، كل شيء ممكن. السياق يمكن أن يتغير، هناك ثوابت وهي الوشائج العميقة بين المغرب والجزائر ثم المصلحة المشتركة.

ودعيني أقول بكل موضوعية ما أؤمن به، الجزائريون إخواننا ونشاطرهم عمقا تاريخيا، ولكن بالنسبة للدولة الجزائرية، بالنظر إلى رصيدها التاريخي وجغرافيتها ومؤهلاتها، يمكن أن تكون فاعلا دوليا، هذا لا جدال فيه، ولكن لن تكون كذلك بدون المغرب، الجغرافيا والتاريخ لهما تأثيرهما. ويمكن أن نستقرئ دراسات جيواستراتيجية.

منذ القرن التاسع عشر، حين كان العسكريون الفرنسيون يديرون الجزائر، كان هناك توجه نحو المحيط الأطلسي ولا يمكن أن يتم ذلك على حساب الشعب المغربي، ولذلك المعادلة بسيطة، الجزائر لن تكون قوة من دون المغرب، والمغرب يمكن أن يعيش من دون الجزائر، لن يكون حقيقة في مستوى ما نطمح إليه، إلا في إطار اتحاد مغاربي.

نحن بين خيارين، إما أن نكون حقيقة قوة كلنا في بلاد المغرب كلها وإما أن نتشرذم من دون أن نضطلع بدور رائد. هذه هي المعادلة، عوض أن ندخل في نهاية المطاف في السباق وأشياء حقيقة ليست في مستوى تاريخنا ولا ثقافتنا ولا حضارتنا.

أنا مازلت إلى الآن، رغم كل الجفاء، والذي حقيقة بلغ ذروته مع قطع العلاقات الدبلوماسية من الطرف الجزائري، ما زلت مفعما بالأمل، أن نتجاوز هذا الوضع لصالح الجزائر ولصالح المغرب والمنطقة.

كنت دائما مناصرا لتجويد التعليم، ما تقييمك للجهود الحكومية في هذا المجال؟

أنا لم أتحدث قط عن ما يسمى تجويد التعليم، بل إصلاح بنيوي للمنظومة التربوية وهاته المنظومة لا يمكن أن تحل إلا من خلال تصور أو ما أسميه طموح جماعي. من نحن وما الذي نريده؟ لا بد أن نطرح هذين السؤالين، ويطرحان الآن، هذا هو الأساس، أما قضية التجويد، فهذه مسألة تقنية.

وطبعا لا بد كذلك أن نفكر في الهندسة التربوية، إلى الآن لازلنا نشتغل بناء على هندسة تربوية تعود إلى القرن التاسع عشر.
المشكل الأكبر في تصوري ولم نحسم فيه هو اللغة، إلى الآن هناك عائق كبير ونسعى أن نحل هذا المشكل بناء على اعتبارات إيديولوجية.

وعلى كل حال، في تصوري لم يعد هناك وقت لكي لا نبدأ في حل هذه القضية وتجنب تشتت الجهود، وأسوأ شيء في الإصلاح هو تكرار الإصلاح، لا بد أن يكون هناك تصور وأن نمضي قدما في ما اخترناه.

بالنسبة إلي، الرهان الأكبر الآن الأمة، شعور التضامن وما إلى ذلك جيد جدا، ولكن ينبغي في نهاية المطاف أن نرعى هذه الشعلة من خلال تكوين الأجيال وذلك يتم عن طريق المدرسة (التعليم) ولكن كذلك من خلال الأسرة.

لابد أن ننكب على الأسرة، هناك مشكل بالنظر إلى تغييرات كبيرة طالت المجتمع المغربي، وأنا حقيقة سعيد جدا أن يطرح هذا النقاش، لأن التحدي الأكبر بالنسبة للمستقبل هو المدرسة، لأنه ينبغي أن تكون لدينا سردية وأن ننشئ نخبة.

ولكن بذات الشيء لا بد أن ننكب على الأسرة، ليس فقط من الجانب القانوني، فهو مجرد أداة، ولكن من الجانب القيمي.

هل تعتقد أن المجتمع المغربي جاهز لنقاش تعديلات مدونة الأسرة؟

طبعا، ولماذا لا يكون جاهزا، له نخب وله نشطاء، وهناك كذلك مختصون في إطار القضاء وعلماء.

لكن هذا الموضوع، لا ينبغي أن ينظر إليه من زاوية قانونية صرفة، القانون هو أداة فقط، أو أن نعالج بعض القضايا من منظور إيديولوجي. مثلا أنا ليبرالي أرى لزاما أن أفرض تصوري فيما يخص مجموعة من القضايا، العلاقات الجنسية أو أحادية الزواج أو التعددية إلى آخره، أو أنا مثلا ذو مرجعية سلفية.

ينبغي أن نعالج الموضوع، في اعتقادي، بطريقة موضوعية، يجب أن نتيح المجال للسوسيولوجيين أن يطرحوا هذه القضايا. فبعد عشرين سنة من مدونة الأسرة، ينبغي أن نقوم بتتقييمها، تأثيرها على الأسرة، الطلاق، الأبناء، انسجام الأسرة، ينبغي أن نقيمها علميا.

القانون هو أداة وطبعا هناك إطار مرجعي وطبعا ما سمي بثوابت الهوية، لكن هذه الأخيرة ينبغي أن تنصب في إطار مبادئ عامة وقيم عامة، وهي العدل والإنصاف.

يمكن حقيقة أن نحافظ مثلا على مرجعية لنسميها إسلامية، فيما يخص بعض القضايا الشائكة، مثلا الإرث، ولكن يمكن أن نفكر وفق ضوابط العدل والإنصاف، وهناك اجتهادات الفقهاء.

هل تفرغ حسن أوريد بشكل كلي للجانب الإبداعي؟

أول شيء لا بد أن أقوم بما أضطلع به كأستاذ للعلوم السياسية، وأنا حريص كل الحرص على أن أقوم بما يمليه علي الواجب أستاذا، في علاقتي مع الطلبة وكذلك في تأطير الأبحاث، وأيضا التفكير حول قضايا معينة، ولذلك كل سنة أشتغل حول موضوع يهم العلوم السياسية، قد يكون مثلا التطرف أو الإسلام السياسي بالمغرب أو الشعوبية.

أنا حريص كل الحرص أن أقوم بواجبي، كما يمليه علي وضعي كأستاذ للعلوم السياسية. لكن إلى جانب ذلك، أكتب الرواية، لأنني أعتبر أول شيء أنه تسعف في بناء سردية وطنية. نحن نعرف مثلا أن الرواية في فرنسا، وبالأخص في القرن التاسع عشر، أسهمت، إلى جانب المدرسة والجيش والمعمل، في إنشاء الأمة الفرنسية. والآن، الموريسكي أصبح جزءا من الثقافة السارية في المغرب.

وثانيا الإبداع يسمح بما لا يسمح به البحث، في الأبحاث هناك ضوابط صارمة، في حين أن الإبداع يمكن لذاتيتك أن تعبر عن نفسها وتبرز.

أسعى لأزاوج بين هذين الأمرين، هل أوفق في ذلك، لا أدري، ولكن على كل لا ينبغي للإبداع أن يتم على حساب الواجب.

هل هناك إصدار جديد تستعد لطرحه بعد “الموتشو”؟

رواية بعنوان “الباشادور” (السفير)، حول شخصية أبو القاسم الزياني، وهذا عمل كنت أفكر أن أكتبه من أكثر من عشر سنوات ونيف، بل ربما كنت آمل أن أكتب عن القاسم قبل أن أكتب الموريسكي.

كتبت الكتاب في 2020 وصدر الآن، آخر كتاب كتبته هو الموتشو وأنا لست آلة لأكتب باستمرار أو “تي جي في” الكتابة كما قيل، لكن أحيانا أكتب أشياء وأتركها، آخر عمل كتبته هو الموتشو.

أبي القاسم الزياني يؤرخ لفترة مهمة في تاريخ الحضارة الإسلامية وتاريخ المغرب، عاش تقريبا مئة سنة، جده اشتغل مع السلطان مولاي إسماعيل، أبوه كان معاصرا للسلطان مولاي عبد الله، وخدم ثلاثة سلاطين، وسافر إلى البيت العالي وعاش في الحجاز وشاهد نشأة وبداية حركة محمد عبد الوهاب، وعاش في مصر قبيل حملة نابليون وعاش في الجزائر قبيل الإنزال الفرنسي، حقيقة شهادة فريدة، فعملي الأخير هو حول شخصية أبي القاسم الزياني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News