مجتمع

حذّر من نتائج عكسية..مجلس المنافسة يفضح ممارسات “ريعية واحتكارية” بسوق الكتب المدرسية

حذّر من نتائج عكسية..مجلس المنافسة يفضح ممارسات “ريعية واحتكارية” بسوق الكتب المدرسية

كشف تقرير حديث لمجلس المنافسة عن نتائج تحقيقه في “ممارسات احتكارية” تعرفها سوق الكتاب المدرسي بالمغرب، وحذر من نتائج عكسية بفعل تفاقم جودة الكتب والمقررات الدراسية التي تعرض للبيع بالأسواق المغربية مشيرا إلى تحكم مجموعات الناشرين الأربع الأولى “في أزيد من 53 في المائة من سوق الكتاب المدرسي”.

وضمن رأي أصدره حول “سير المنافسة في سوق الكتاب المدرسي”، يتوفر “مدار21” على نسخة منه لفت المجلس إلى أن سوق الكتاب المدرسي لا زالت تتسم بتركيز شديد، حيث “دور النشر تمكنت من اكتساب قوة سوقية أرخت وتستمر في الإرخاء بظلالها على النهوض بالسوق المذكورة.

وينضاف إلى هذا التركيز الاقتصادي، حسب مجلس المنافسة، تركيز جغرافي على اعتبار أن المقرات الاجتماعية لجل شركات النشر، المؤسسة على شكل شركات مساهمة أو شركات ذات مسؤولية محدودة، تقع أساسا بمدينة الدار البيضاء، وبشكل ثانوي بمدينة الرباط.

نتائج عكسية

وقال مجلس المنافسة، إن “النموذج الاقتصادي الذي يقوم عليه سوق الكتاب المدرسي في المغرب يأتي بنتائج عكسية، حيث يرتكز على العرض والطلب المدعومين على نحو مصطنع من الأموال العمومية وشبه العمومية”، مؤكدا أن هذا النموذج “لا يتماشى مطلقا مع الواقع الاقتصادي لهذا السوق”.

وأضاف المجلس أن النموذج المذكور “لم يسمح بتطوير صناعة حقيقية لنشاط سوق الكتاب في المغرب”، مشيرا إلى أن قرابة 40 إلى 60 في المائة من الكتب المدرسية يتم طباعتها باستمرار في إسبانيا وإيطاليا ومصر.

ووفق مجلس المنافسة، فإن سوق الكتاب المدرسي يعرف إنتاجا ضخما من الكتب المدرسية يتراوح ما بين 25 و 30 مليون نسخة من الكراسات مبرمجة ومصممة “لاستخدامها لمرة واحدة فقط، وهو ما يعادل استهلاكا يصل إلى 3 أو 4 كتب في المتوسط لكل تلميذ وفي كل سنة، متسببا في إهدار هائل للموارد والمواد والطاقة للمغرب.

وبحسب تقديرات المجلس، يقدر رقم المعاملات الناتجة عن هذا الإنتاج الكبير في سوق الكتب المدرسية بحوالي 400 مليون درهم سنويا.ونقل المجلس عن بعض المهنيين تأكيدهم أن هذا الرقم قد يصل إلى 1,2 مليار درهم، يمثل الكتاب المدرسي فيه أزيد من نصف رقم المعاملات المنجز.

ويتسم هذا الإنتاج وفق المصدر نفسه،  بالكراسة الورقية المطبوعة التي تحتل مكانة جوهرية في مسار التعلم بالمدارس العمومية المغربية، مشيرا إلى أن هذه الكراسة “لا تزال تحتفظ بخصوصيتها ككراسة وحيدة غير مشمولة بالأدوات المساعدة على غرار الأقراص المضغوطة وأجهزة النواقل التسلسلية العامة.

وفي هذا الصدد، انتقد المجلس غياب كراسة مدرسية مجهزة بدعامة رقمية تكميلية، خلافا لبلدان أخرى حيث تُرفق مجموعة من الوسائط الرقمية بالكراسة.

ولاحظ المجلس الذي يرأسه أحمد رحو “وجود ازدواجية في المعالجة بن فرع الكتاب المدرسي “الأساسي” الموجه للمدارس العمومية والخاصة المغربية، والكتاب الموجه للمدارس الخاصة والبعثات الأجنبية المسمى “المكيف أو الموازي”.

وأوضح المجلس أنه “في الوقت الذي يخضع فيه الأول لتنظيم صارم من الناحية الاقتصادية، خاصة عن طريق الأسعار ومسار ممارسة المنافسة، لا يخضع الثاني لأي قيد وتظل قناة تسويقه ونشره وتوزيعه حرة، لاسيما على مستوى الأسعار مع وجود فرق كبير بينها والأسعار المطبقة على الكتاب المدرسي الأساسي الموجه للمدارس العمومية والخاصة المغربية”.

“ممارسات ريعية”

ولفت مجلس المنافسة إلى أنه بالرغم من إلزامية المراقبة القبلية لهذه المقررات، لوحظ في السنوات الأخيرة أن بعض العناوين تتضمن محتويات مخالفة لمنظومة القيم الجاري بها العمل في المدرسة المغربية، اضطرت على إثره الوزارة الوصية إلى اتخاذ تدابير لتقويم الوضع.

وأشار المصدر ذاته إلى  أن سوق نشر الكتب المدرسية تعرضت للإغلاق في مرحلتها القبلية نتيجة تعطل آلية طلبات العروض منذ سنة 2008، موضحا أن هذا التعطل “أتاح لدور النشر ذاتها الاستفادة من “وضعية ريع حقيقية” لأزيد من عشرين سنة، مما أدى إلى تحييد الآثار النفعية للمنافسة النزيهة والشريفة”.

وسجل المجلس أنه “وفي غياب مشاورات جديدة، تباشر وزارة التربية الوطنية، كلما اقتضتها الضرورة، تقويمات للكتب المدرسية المصادق عليها بواسطة ملحقات عقود موجهة لناشري هذه الكراسات فقط. ويتم بموجبها تمديد صلاحية الكتب في كل مناسبة لمدة سنة واحدة. وتعد هذه الوضعية شكلا من أشكال الريع المقنع يفضي إلى إطالة أمد احتكار نفس الناشرين لسوق الكتاب المدرسي بالمغرب”.

وبخصوص بنية الأسعار، كشف مجلس المنافسة أن مصالح التحقيق لديه اصطدمت بغياب معطيات رسمية بشأن بنية أسعار الكتب المدرسية وأسعار تكلفتها، في الوقت التي تنظم فيه مصالح الدولة الأسعار ذاتها.

وبحسب المجلس، فقد برر ممثلو وزارة الاقتصاد والمالية (مديرية المنافسة والأسعار والمقاصة) هذا الغياب بكون الأسعار المحددة في الفترة الممتدة من 2002 إلى 2008 تعكس في الواقع الأسعار المقترحة من لدن دور النشر التي رست عليها الدعوات إلى المنافسة التي أطلقتها الوزارة، تبعا لمنطق العرض “الأقل ثمنا” المطبق في الصفقات العمومية.

ولم يتمكن ممثلو وزارة التربية الوطنية حسب مجلس المنافسة من الإدلاء بأية وثائق تبرر “العروض المالية” “الأقل ثمنا” المقبولة من دور النشر الحائزة على الصفقات، بالرغم من رسائل التذكير المتعددة التي وُجهت إليهم في هذا الموضوع.

ومن بين المعطيات المقلقة التي كشفها رأي مجلس المنافسة، أن هذا الإنتاج الضخم للكتاب المدرسي يتم على حساب جودته، حيث نقل المجلس عن المهنيين الذين استمع إليهم إقرارهم بأن “وزن الورق يتم تقليصه، مع ملء زائد للصفحات”.

تلاعب بالأسعار

ووفق المصدر نفسه، تم تبرير هذا الأمر بالزيادة المستمرة في تكاليف المواد الخام، لاسيما الورق الذي تضاعف سعر استيراده بنسبة أكثر من 103 في المائة هلال الموسم الدراسي 2023 – 2022 ، مما دفع المهنيين إلى “خفض” جودة الكتب بسبب عجزهم عن عكس هذه الزيادات على تكاليف الإنتاج، واستمرار أسعار البيع للعموم على حالها منذ أزيد من 20 سنة.

ونبه المجلس أن هذه الوضعية أفضت إلى تجسيد رغبة دور النشر في الرفع من أحجام الإنتاج، وأحيانا بأي سعر، بغية الاستفادة من تأثيرات الحجم التي تفرزها من حيث هوامش الربح.ونتيجة لذلك، يردف المجلس، ظهرت ممارسة إنتاج الكتاب ذي الاستعمال الواحد، والذي يمكن “برمجة” إتلافه. حيث تصبح هذه الكتب، التي تتضمن تمارين يتعين إنجازها على هذه الصفحات، غير قابلة للاستعمال بمجرد إنجازها من قبل التلاميذ.

وحذر المجلس من هذه الممارسة المتفاقمة بسبب سوء جودة الورق المستعمل، حولت “الكتاب المدرسي من منتوج ثقافي إلى منتوج تجاري يمكن التخلص منه بمجرد استهلاكه”، معتبرا أن الأسعار المنخفضة للكتب المدرسية تم الحفاظ عليها بشكل مصطنع على حساب جودتها “المادية” ومحتوياتها.

وضمن تحقيقه حول سوق الكتاب المدرسي، أماط المجلس اللثام أيضا عما أسماها بـ”الجودة الرديئة للورق” وتقلص وزنه، مما تسبب في زيادة تحمل تكاليف الصفحات ورسوم توضيحية لا ترقى إلى المعايير، وغيرها من المحتويات”، مسجلا أن الكتب المدرسية أضحت “أقل جاذبية بالنسبة للتلاميذ، بل بات بعضهم يشمئز منها، مما يحرمهم بالتالي من التعلمات الأساسية التي يفترض أن توفرها هذه الكتب”.

وأكد رأي مجلس المنافسة حول “سير المنافسة في سوق الكتاب المدرسي”،  أن تعدد وتنوع الكتاب المدرسي لم يحققا الأهداف المنشودة، سواء من حيث تطوير صناعة نشر وطنية فعالة، أو تجويد الكتاب المدرسي على مستوى الشكل والمحتوى معا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News