رأي

مدونة الأسرة والتأثير السيبراني

مدونة الأسرة والتأثير السيبراني

لعل ما أثارني للكتابة في هذا الموضوع، هذه الهجمة السيبرانية التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي بمجرد نشر بلاغ الديوان الملكي المتعلق بالرسالة الملكية الموجهة إلى السيد رئيس الحكومة بشأن تعديل مدونة الأسرة و المتمثلة في خروج العديد من المؤثرين  يشرحون على شاشاتهم الصغيرة بنود المدونة و التعديلات التي طرأت عليها و تأثيرها على المجتمع المغربي بل يحدرون و ينتقدون ويستشرفون عواقب بعض التعديلات و يحللون بكل ما أوتوا من مزاجية تفاصيل التعديلات متناسين أن لا شيء قد تقرر بعد و أن الرسالة الملكية حددت أجل ستة أشهر لإيداع المقترحات بين يدي الملك .

هذه الخرجات الغير المحسوبة من قبل أشخاص غير ملمين بالقانون و بخصوصية القوانين الأسرية أعادتني إلى الماضي القريب و بالضبط قبيل تنزيل التعديلات التي طرأت على مدونة الأحوال الشخصية سنة 1993 و كذا مدونة الأسرة الحالية حينما سبق تنزيل هذه الأخيرة نقاش حاد كاد أن يخرج عن سكته السليمة. هذه الخرجات هي ممارسات مدانة من شأنها بت بعض المغالطات وسط العامة سيما و أن هناك بعض المؤثرين الذين لهم متتبعين بالآلاف إن لم نقل بالملايين يعتبرون كل ما يصدر عن المؤثر أو المؤثرة هو عين الصواب و بالتالي يتعين التصدي لهذه الظاهرة بالصرامة المناسبة.

إن مدونة الأسرة ليست مجالا يمكن استغلاله لتحقيق أكبر نسبة متابعة أو مطية للاسترزاق السيبراني بل هي مشروع مجتمعي بامتياز استطاع المغرب من خلاله قطع اشواط مهمة نحو تنظيم الاسرة بصفة عامة وتحقيق توازن أسري يحمي الرجل إسوة بحمايته للمرأة، وبالتالي فإن الخوض في موضوع المدونة هو مسؤولية بعيدة كل البعد عن المزايدات السيبرانية التي تقتات من ” البوز ” واللعب على العواطف والأهواء. ذلك أن المتتبع الحريص لمسار مدونة الأسرة الحالية سيلاحظ أن بعض الإشاعات التي استبقت تنزيلها أثرت على وعي بعض المتقاضين غداة تنزيلها حينما اختلطت عليهم نصوص المدونة مع المطالب النسائية من جراء انخراط كل من هب و دب في شرح مقتضياتها ، فتعالت أصوات تعذرت معها الرؤيا السديدة .

من أجل ذلك فإن من الأولويات التي يتعين التفكير فيها، تدبير مرحلة ما قبل تنزيل التعديلات المرتقبة وذلك بالتصدي لكل ما من شأنه التشويش على هذه الفترة. ذلك أن المولود المنتظر سيتقيد لا محالة بخريطة الطريق التي سطرها جلالة الملك في خطاب العرش لسنة 2022 و التي أوضح فيها أن التجربة أبانت على وجود عدة عوائق لم تساعد المدونة على تحقيق أهدافها لسوء تطبيقها لأسباب سوسيولوجية متعددة، لاسيما أن فئة من الموظفين ورجال العدالة الذين مازالوا يعتقدون أن هذه المدونة خاصة بالنساء حسب التعبير الملكي فضلا عن ” تجاوز الاختلالات والسلبيات ، التي أبانت عنها التجربة ، ومراجعة بعض البنود ، التي تم الانحراف بها عن أهدافها.” . إلا أن أهم ما يجب الوقوف عليه هو إصرار صاحب الجلالة وبصفته أمير المؤمنين كونه لن يحل حراما أو يحرم حلالا وأن أي تعديل يجب أن يتم في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية.

إن التنظيم الأسري ليس مجال للمزايدات أو النجومية بل هو المجال الوحيد الذي تكتسب نصوصه القانونية خصوصية متميزة و حساسية مفرطة تتطلب الحيطة و الحذر وبالتالي فهي عصية على من يجهل طبيعتها، وأعتقد أن الأصعب قد تم تجاوزه بتنزيل مدونة الأسرة التي ستطالها تعديلات من شأنها تطويرها , و هي تعديلات لن تخرج عن مقاصد الشريعة الإسلامية السمحاء و محترمة لخصوصيات المجتمع المغربي .

باحث ومحامي بهيأة القنيطرة

                                              

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News