موقف

عساكر الجزائر وافتعال الحرائق الدبلوماسية

عساكر الجزائر وافتعال الحرائق الدبلوماسية

سارعت الجزائر عبر وزير خارجيتها “مُفتعِل الحَرائق”، كما وصفته المجلة الفرنسية جون أفريك، الى تهنئة نظيره الايراني الجديد مباشرة بعد تعيينه في حكومة الرئيس المنتخب ابراهيم رئيسي، وبهذا الموقف المتهافت الذي يحاول ان يجعل من إجراء دبلوماسي عادي بين كل الدول انتصارا يحمل مجموعة رسائل هي في الحقيقة تافهة وفارغة، يكون وزرير الخارجية رمطان لعمامرة يسير في اتجاه حصر الجزائر في الزاوية الضيقة (محور الشر) وإعادتها الى خندق سعى الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة الى تكسيره طيلة سنوات، منذ رفض استقبال طائرة الرئيس الايراني احمدي نجاد خلال عودته من زيارة الى الراحل تشافيز، لم يرضخ بوتفليقة يومها لتعليمات العسكر وفي تلك اللحظة أدرك انه قادر على مواجهة هذه الطغمة التي تدير كل شيء في البلد، فبدأ بإبعاد جنرالات امثال العماري انتهاء بمحمد مدين (الجنرال توفيق) كما تخلص من العربي بلخير، الذي وصف لسنوات بكونه صانع الرؤساء، وأخرجه من الجزائر سفيرا في المغرب.

تدرك النخبة الجزائرية، خاصة في الخارج، أن أزمة العلاقات المغربية الجزائرية وراءها رمطان لعمامرة، لأن بدايتها كانت يوم اثار قضية الصحراء في اجتماع أممي لا يتضمن جدول أعماله أي ملفات لها علاقة بأزمات المنطقة، فجاء الرد المغربي قاسيا ومؤلما بمذكرة شفوية للسفير عمر هلال تطرح قضية احتلال شعب القبايل وحقه في تقرير المصير. كان تقدير الخارجية الجزائرية تحت سقف المتوقع بكثير، فالعمامرة ينتمي الى جيل من الدبلوماسيين الذي تعودوا النهج الدفاعي للدبلوماسية المغربية غير ان تقديره لم يكن في محله. منذ عاد إلى الحكومة من نافذة العسكر والعمامرة يضع يده في يد العسكر الذي استقدمه لهذه المهمة وجاء هو ايضا لتحقيق مآرب شخصية ليس أقلها رد الاعتبار بعد ان اعترضت الولايات المتحدة الامريكية على مقترح تعيينه مبعوثًا أمميا في ليبيا.
في ظل هذا التموقع وسياقاته وجد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نفسه في مواجهة طموح وزيره في الخارجية بقلق وحذر كبيرين، فهذا السيناريو لا يختلف كثيرا عما وقع سنوات السبعينات، يومها اشتكى بوتفليقة وزير الخارجية انذاك، الرئيس أحمد بنبلة لوزير دفاعه هواري بومدين حينها بدعوى أن الرئيس يريد ان يبعده من وزارة الخارجية. بعدها مباشرة قرر بومدين منع الرئيس بنبلة من حضور اجتماع رسمي. يومها علق الملك الراحل الحسن الثاني ان بنبلة انتهى وهو ما حدث فعلا بعد الانقلاب على الرئيس من قبل العسكر. هذا السيناريو لا يغيب عن وعي العسكر كما يستحضره الرئيس تبون وهو الذي شاهده ملايين الجزائريين، يوم كان وزيرا للسكنى، يتعرض لإهانات على الملأ من قبل الوزير الاول انذاك عبد الملك سلال.

من المؤكد ان العسكر يحتاج الى عدو خارجي لتصدير أزماته الداخلية وتبرير صفقات السلاح الذي كشفت آخرها تقارير وزارة الدفاع الألمانية، لكن العالم يدرك اليوم ان العسكر الذي يتحكم في اموال سوناطراك الغاز ويقوم بتهريب عائداتها المالية المتراجعة اصلا، يواجه ازمة اقتصادية خانقة وقد كان رد الخارجية الاسرائلية دقيقا بدعوة السلطات الجزائرية للتركيز على ازماتها الاقتصادية الخطيرة، دون أن تجرأ الجزائر على الرد على هذه الاتهمات الحقائق.

بلاغ القطيعة الطويل لم يقدم دليلا واحدا. بالمقابل تلقت الاستخبارات الجزائرية ضربتين موجعتين خلال السنوات الاخيرة، اولها يوم فضح المغرب الاعيب إيران في الداخل الجزائري وخطرها مد اذرعها في الساحل والصحراء عبر تسهيلات جزائرية هذه الفضيحة الموثقة بالأدلة دفعت السلطات الجزائرية الى التضحية بالملحق الثقافي أمير موسوي الذي غادر البلد مكرها. اما العملية الثانية فتكمن في انكشاف مخطط تهريب زعيم بوليساريو بهوية مزورة وتواطؤ اسباني رسمي حيث اشتكت مدريد تسريب خبر وصول ابراهيم غالي من الداخل الجزائري بعد تحقيق داخلي أبان ان الاختراق الذي فضح هذه العملية السرية كان مصدره الجزائر وليس اسبانيا.

ماذا حقق المغرب من دعوته إلى الحوار مع الجزائر؟
1- كشفَ حقيقة ان النظام في الجزاير نظام يحتاج لعدو لذلك رفض دعوة المغرب . وهذا ما فطنت له النخبة المثقفة في الجزائر التي انتبهت الى حقيقة تركيز العصابة، كما يدعوها الشعب الجزائري، على المغرب.

2- انفضح أمر الرئيس أمام شعبه وتأكد لهم انه رهينة العسكر وان الانتخابات فاقدة للشرعية. وانه صورة لنظام عسكري وقع الاختيار عليه منذ رأوه مذلولا على قنوات الاعلام العمومي يبهدله الوزير سلال.
3- أفشلت المبادرة المغربية خطاب المظلومية الذي سوق له الرئيس الجزائري على قنوات دولية في سياق التحضير للقطيعة بادعاء ان الجزائر ليست لديها مشكلة مع المغرب وانه ربما العكس.. لكن ردة فعل النظام العسكري على الخطاب الملكي فضح كذب الرئيس تبون.

4- أعاد المغرب تملك الملف الأمني لوحده. لغياب شركاء في المنطقة. بما يثبت لصناع القرار العالمي انه وحده قادر على حماية المجال الحيوي الأمني للاتحاد الأوروبي في الساحل وافريقيا.

عبثا يحاول العسكر أن يخلط الاوراق في المنطقة وربما يسهم في اخطر السيناريوهات الى زعزعة الاستقرار في المنطقة، وإن كان الامريكان والاوروبيون يدركون ان النظام المغربي حكيم ولن ينجر الى مغامرات العسكر. فالمغرب يدرك تماما أنه على قدر الألم يكون الصراخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News