كتاب وشعراء يساءلون جدوى الكتابة في زمن “الشات جي بي تي” ومؤثري مواقع التواصل

قارب مجموعة من الكتاب والشعراء موضوع جدوى الكتابة، وذلك خلال لقاء بمهرجان ثويزا الذي اختتم فعالياته أمس الأحد، محاولين تقديم أجوبة وطرح أسئلة مفتوحة تسائل مستقبل الكتابة في ظل التطور التكنولوجي وظهور تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وتراجع فعل القراءة، وتطفل مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي.
وخلال اللقاء قالت الكاتبة ا الروائية والشاعرة لجزائريةربيعة الجلطي إن “الكتابة في هذا الجيل تختلف عن الأجيال الأخرى، لأننا نعيش في زمن انتقالي، سمته الأدب الالكتروني”، مضيفة عن استمرارها في الكتابة لعقود “لا يهم أن أشيخ سنا، المهم أن لا أشيخ ككاتبة ولهذا أحرص على أن أظل على تماس مع هذا العالم الجديد، وأحاول أن أفلت من عصري إلى ما بعده”.
وكانت الجلطي قد تنبأت في إحدى رواياتها باقتحام الذكاء الاصطناعي لمجال الكتابة، موضحة عن ذلك “التنبؤ بالتطور هو نتيجة التأمل بما يحدث.. وينبغي أن نتأمل مدن العالم لا بعين الزوار ولكن بعين الكتاب والمفكرين والفنانين”.
وعن جدوى الكتابة تقول ربيعة الجلطي “الكتابة هي التئام الجرح وليس هناك من يكتب دون جرح”، مشيرة إلى أن مسألة يُتمها وهي صغيرة جعلتها “تنتبه إلى الصمت والضجيج المختبئ وراء الكتب، ولحظي أن أبي مثقف وقارئ وكان لدينا مكتبة بالمنزل، فهذا العالم جعلني أداري الجناح المكسور.. ولأن الجرح لم يلتئم فما تزال الكتابة ترافقني”.
” وتضيف الكاتبة الجزائرية “لا ندري ما يدفعنا للكتابة ولكن من جانب علم النفس يقول فرويد ان مأساة الانسان حاجته الى الفن.. فنحن لا نحيي بالخبز وحده”، موضحة أن “كل ما رأيناه ونراه في هذا العالم هو كتابة.. ملحمة كركميش كأول نص منذ ما قبل الميلاد هي نص مدهش يتحدث عن السياسة وعن الحب والتجارة والدين والحرب.. فهل كانت هناك لغة في مستوى هذا النص حينها.. هذا النص يؤكد أن الكتابة لها صوت ووصلتنا عن عهود ماضية رغم أنه لم تصلنا أصوات من كتبوا”.
“تميمة” الكتابة..
من جانبه ذهب الكاتب المغربي الشاب علي العبوتي صاحب كتاب “الكاتب المشرد”، إلى أن “أكبر خطأ يمكن أن يرتكبه الكاتب هو محاولة الإجابة عن هذا سؤال جدوى الكتابة”، مشيرا إلى منذ استدعائه للمشاركة في هذه االندوة وهو يبحث عن الإجابة “فاكتشفت أنني كنت اصارع سؤال لا إجابة عنه”.
وأوضح العبوتي أن محاولة الإجابة عن هذا السؤال “رادعة وكابحة للإبداع ومسببة لقلق قد يجعل الكاتب يشكك في ما يكتب”، متابعا أن الجدوى تعني لغويا النفع، وإذا كانت الكتابة محاولة للتغيير داخل المجتمع فهل يستطيع الكاتب أن يحدث تغييرا ملموسا في مجتمع قائم على الاقتصادي والسياسي والثقافي وأن يحقق بالتالي النفع؟”.
وسرد العبوتي قصة طريقة لوالدة صديقته التي ظنتنه “فقيها” لأن ابنتها قدمته لها بأنه يكتب، مضيفا أنها طلبت منه أن يساعدها بكتابة تميمة قبل أن يوضح لها “لا أكتب التمائم ولكن أكتب أشياء أخرى.. أشياء قد تساعد المجتمع على النظر للآفاق البعيدة”.
عن ذلك تؤكد ربيعة الجلطي أن “الكتابة هي تميمة فعلا”، مضيفة أنه حتى “الأوشام التي نراها الآن تكتسح العالم فهي لم تأتي كرغبة بل هي ايضا كتابة.. ونحن لا نتكلم بل نكتب، خاصة مع وسائل التواصل الاجتماعي، نكتب لأولادنا وللجميع.. والكتابة هي الآن في أقوى أزمنتها فالناس يكتبون في كل مكان وزمان، والكتابة اليوم أكثر استخداما في التواصل من الحديث”.
الكتابة في زمن الوباء..
من جانبها روت الكاتبة الشابة سناء الزيدي تجربتها الشخصية مع فعل المتابة موضحة أنه “عندما نبدأ الكتابة لا نطرح السؤال عن الجدوى، لأن الجواب ربما موجود بداخلنا”، مشيرة إلى استمرار جدوى الكتابة فحتى “تطور الذكاء الاصطناعي في زمننا وظهور “شات جي بي تي” لن ينهيها لأن الأخير يكتب لكنه لن يبدع”.
وتضيف المتحدثة “نكتب لنقول المسكوت عنه، ونكتب بطريقة نفصح بها عما بقلوبنا”، مشددة “الكتابة للجميع والأدب للبعض”، قبل أن تواصل “يوجد سبب دفين للكتابة لا نعترف به”، كما أن “الكتابة علاج وأطباء يستعملونها لجعل الناس يتصالحون مع أنفسهم أما الكتابة للمجتمع فشيء آخر”.
وربطت الزيدي بين الكتابة وفعل القراءة، متسائلة “هل الكتابة تُقرأ خاصة في مواقع التواصل.. لأننا في عصر توجد فيه كمية كبيرة من وسائل التواصل لكن هل تجعلنا نتواصل.. لا اعتقد، فهذه الوسيلة ينبغي علينا التعامل معها بحذر وعلينا الانتباه”، مضيفة أن “الكتابة أحيانا شهادة على لحظة وربما تتغير أزقة فتظل الكتابة عنها مؤرخة لما كانت عليه”.
وأشارت الزيدي إلى أن “الكتابة عليها أن تخرج للشارع، ولو كانت مجرد سطور وليس رواية او قصة أو غيرها”، موضحة أن لجوءها لكتابة الرواية جاء في زمن الوباء والعزلة ولتحكي عن تجربتها بأمريكا الوسطى وتشابه الثقافات”.
وعن ذلك تقول الجلطي أن الكتابة “مقاومة للموت لأنه الخطر الأكبر”، مستحضرة إحصائيات تؤكد ارتفاع عدد الكتابات الت توصلت بها دور النشر خلال فترة “كوفيد19″، بأربعين في المئة، مسترسلة بأن الوحدة تجعل الإنسان يكتب لمحاربتها، قبل أن توضح أن “اللغة العربية بعيدة عن التأثر ب”شات جي بي تي” لأن عروق اللغة بالانترنيت لم تتذوق بعد هذه اللغة”.
كتاب لا يقرأون..!
الروائي عبد المجيد سباطة يوضح أن “سؤال جدوى الكتابة يرافق كاتب هذا الجيل في ارتباط مع العوامل الاقتصادي والاجتماعية والسياسية”، متسائلا “ما جدوى الكتابة في واقع استشرت فيه البطالة، وفي واقه يوجد فيه بعض الحاملين للشهادات يعولون على الكتابة ويقاومون نظرة المجتمع، بدءا من الأسرة، وما معنى أن يراهن الكاتب على الكتابة في ظل هذا الوضع”.
واستحضر صاحب رواية “الملف 42” التي رشحت لجائزة “البوكر” جدوى الكتابة في عصر مواقع التواصل الاجتماعي، موضحا “جيلنا محظوظ بوسائل التواصل، ومن حق الجميع أن يكتب ولكن هناك مؤثرون يجمعون تدوينات ضمن دفتي كتاب لأنهم يعولون على متابعيهم.. فهل أصبح الانسان يقدر بعدد متابعيه؟ّ”.
سؤال الكتابة، وفق سباطة يجب أن أن يربط بالقراءة، مضيفا باستغراب أنه “في السابق كان هناك من يدعي قراءة أعمال لم يقرأها، والآن هناك من يتفاخر بأنه كتب رواية دون أن يقرأ”، قبل أن يضيف للكتابة علاقة، كذلك بمحاربة النسيان، مستحضرا علاقة الكتابة بالترجمة الأدبية، وتطفل بعض المؤثرون عليها.