فن

“عن بعد”.. تراجيديا معاصرة تعالج على الخشبة مآزق إنسانية خلال الحجر الصحي

“عن بعد”.. تراجيديا معاصرة تعالج على الخشبة مآزق إنسانية خلال الحجر الصحي

من تجربة واقعية عاشتها إحدى الفنانات خلال فترة الحجر الصحي، انطلق الكاتب والمخرج المسرحي مسعود بوحسين لنسج خيوط مسرحيته الجديدة “عن بعد”، حيث حاول أن يربط على الخشبة بين العالم الواقعي الحي، والعالم الافتراضي عبر الوسائط السمعية البصرية.

وينقل هذا العرض المسرحي شظايا حكايا أيام الحجر الصحي، إذ يدور حول هواجس ممثلة عاشت لوحدها هذه الفترة، وتحاول جاهدة الخروج من عزلتها بإبداع بورتريهات بواسطة الماكياج ونشرها على حائط “الفايسبوك” لكي لا تفقد علاقتها بمهنتها، والاستمرار بشكل آخر.

وتمزج مسرحية “عن بعد” بين واقعية الوجود وافتراضية الحضور عبر الصور والأصوات الخارجية، في بنية تعتمد تركيب الحالات بـ”تشظ” يجمعه خيط ناظم، يتجلى في البحث عن طرق مقاومة العزلة والحاجة إلى إعادة ترتيب الواقع.

وفي هذا الإطار، قال الكاتب والمخرج المسرحي مسعود بوحسين إن فكرة نص مسرحيته “عن بعد” انطلقت من واقع رغم أنه لم يستعده حرفيا، إذ خلال فترة الحجر الصحي كانت هناك طرق كثيرة لتزجية الوقت والتخفيف من وطأة الروتين اليومي، مشيرا إلى أنه في هذه الفترة كانت الفنانة فريدة بوعزاوي تبدع بورتريهات شخصيات بواسطة الماكياج وتؤديها بمفردها، ثم تنشرها على صفحتها بـ”فيسبوك”.

وأضاف بوحسين، في حديث إلى جريدة “مدار21″، أن هذه الخطوة لقيت استحسانا من قبل متتبعي صفحتها، ومن الفنانين من خلقوا قصصا لهذه الشخصيات من خلال التعليقات، مردفا: “انطلاقا من هذا الحدث الواقعي بدأنا التفكير في إبداع عرض مسرحي وجعل هذه التجربة منطلقا له، نص لاشيء فيه من معيش الفنانة الواقعي في تلك الفترة إلا تيمة العزلة التي كانت تحاول التغلب عليها بهذه الطريقة”.

واسترسل المتحدث ذاته بالقول: فالنص ينطلق من واقعة حقيقية لكي يستوعب وقائع أخرى ممكنة في تلك الفترة، التي عرف الناس فيها شعورا متناقضا بين العزلة المفروضة جسديا والتواصل الممكن من خلال وسائل التواصل الإجتماعي”.

وعن المواضيع التي يتطرق إليها النص المسرحي، أوضح مخرج العمل ومؤلفه أنه يتناول مواضيع عدة لكنها مترابطة، وأهمها “تيمة العزلة والقلق الوجودي من المستقبل في جو كان يبدو قاتما ولاسيما في بدايته”، لافتا إلى أن التباعد الجسدي “يمنح الشخصيات أيضا مجالا لإعادة قراءة ماضيها وعلاقاتها الأسرية والعاطفية والمهنية، خصوصا ما يتعلق بعلاقة الفن بالمجتمع والسلطة ماضيا وحاضرا”.

فشخصية “أمل” وزوجها نوفل (أنس العاقل)، وأمها (حسنة طمطوي)، فنانون في مجالات مختلفة وجدو أنفسهم محاصرين في أماكن مختلفة، وأحيانا يكون حصارهم مزدوجا وسط غرفة أو البحر أو بفعل مرض الخرف كما هو الشأن بالنسبة لأم “أمل”، وهناك كذلك جنين محاصر في بطن بطلة المسرحية “أمل” تفكر هي وزوجها في إجهاضه خوفا من المستقبل لكن “أمل” لا تستطيع، يواصل بوحسين حديثه إلى الجريدة عن هذا العرض.

وكشف المتحدث عينه أن المسرحية تعتمد “تقنية المأزق Dilemme في الكتابة بحيث تجد الشخصيات نفسها أمام خيارات أحلاها مر، مما يجعل المسرحية تراجيديا معاصرة -إن شئنا القول- تعالج مآزق إنسانية في قالب جمالي حديث يعتمد الوسائل التكنولوجية الحديثة في مجال التواصل، بحيث أننا نعيش حدثا رئيسا بشكل مباشر على الخشبة وأحداثا أخرى مرتبطة به افتراضيا عبر وسائط سمعية بصرية، تعرض الأحداث التي تقع في أماكن أخرى ولها ارتباط عضوي بما يقع على الخشبة”.

وأفاد بوحسين بأن المسرحية من هذه الناحية أيضا تفتح “أفقا جديدا” في توظيف الصورة الرقمية في المسرح والتقريب بين المسرح والسينما بشكل عضوي ومبرر دراميا، وبإمكانها أيضا خلق تساؤلات في إمكانية تجاوز “عوائق” الزمان والمكان في المسرح بالمزاوجة بين عدد كبير من الأمكنة، انطلاقا من التواصل الإفتراضي الذي يعرفه المجتمع المعاصر ومن طبيعة الحكاية التي تجسدها المسرحية والتي ينبغي لها دوما أن تكون “مقرونة بمتعة بصرية وسردية، وليست خطابا مباشرا”، حسب تعبيره.

وتحاول مسرحية “عن بعد”، حسب صاحبها، استعادة شيء ما من واقع الحياة، لكن دون أن يكون واقعيا، حيث إنها تغوص في عالم الهواجس الداخلية للشخصيات حيث لا مجال للتواصل الحي إلا عبر الصوت والصورة، والأشياء التي تتأنسن من خلال الحاجة الماسة إلى الارتباط بالآخرين بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي؛ والتي كلما حضرت إلا وذكرت بغياب الوجود المادي الواقعي والملموس للأشخاص والأشياء والأماكن وفرضت إحساسا عميقا بالحاجة أوشعورا دفينا بندم على أخطاء الماضي، أو حزنا على شيء مفقود أو إحساس بالذنب تجاه أشخاص لم نهتم بهم قبل الوباء كما يجب وتركناهم بسبب الخوف على أنفسنا يواجهون مصيرهم.


الصور: أمين مهاوش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News