افتتاحية

إفساد فرحة الجماهير “رياضة” يحترفها المسؤولون المغاربة

إفساد فرحة الجماهير “رياضة” يحترفها المسؤولون المغاربة

الوصول إلى القمة لم يكن يوما “بطاقة ذهبية” لاقتحام نادي “الكبار”، خصوصا في كرة القدم، لأن البقاء في علياء المجد أصعب من بلوغه، فهو فقط باب دخول كوكبة المنتخبات التي يضرب لها ألف حساب في حلِّها وترحالها.

بعد كأس عالمية أعدنا فيها تشكيل ملامح التاريخ كرويا وجماهيريا، وفوز تاريخي على البرازيل وديا، أطل علينا المنتخب المغربي بـ”قشابة” وحيد خاليلوزيتش “البالية” في مبارتين لم يكن أشد المتشائمين يتوقع أن نتعادل في الأولى بعقر دارنا أمام الرأس الأخضر صاحب المركز 71 عالميا، وننهزم بحوهانسبورغ أمام جنوب إفريقيا (66 عالميا) بفريق فاقد للبوصلة والهوية والحافز.

وليد الركراكي، الذي بدا بلا حول ولا قوة في المبارتين، باختياراته الأساسية وتغييراته “الباردة”، يتحمل مسؤولية ما وقع. فحتى وإن كانت مباراة الرأس الأخضر ودية ومواجهة جنوب إفريقيا شكلية بعد ضمان التأهل مبكرا إلى نهائيات “الكان”، لا يوجد ما يبرر لرابع ترتيب العالم المستوى “الهزيل” الذي أعادنا إلى “سنوات الضياع” التي أهدرنا فيها زمنا كرويا ظننا أننا تداركناه في المونديال القطري.

تحجج الركراكي بذرائع غير مقنعة لتبرير المستوى “المهلهل” لكتيبته، وربما قد يكون أول ناخب وطني يختبئ وراء غياب تركيز اللاعبين بسبب تفكيرهم في مستقبلهم وعياء نهاية الموسم.. في وقت نتحدث عن لاعبين محترفين يمكنهم اللعب حتى وهم يعانون الإصابة ويضعون المنتخب المغربي أولا وقبل كل شيء!

تخبط الركراكي تواصل بمهاجمة نفسه دون أن يدري، عندما انتقد مستوى حمدالله وصابيري في مباراة الرأس الأخضر وقال “مكانش خصهم يلعبوا” و”عاقبهما” بالجلوس على مقاعد البدلاء في مواجهة جوهانسبورغ، لكن النتيجة كانت أسوأ من سابقتها، فانهزم “الأسود” بأرض نيلسون مانديلا (2-1) في أول ظهور رسمي للناخب الوطني بالقارة السمراء.

الركراكي لم يكن يعرف أنه ينتقد نفسه، لأنه من وجه الدعوة لحمدالله وصابيري وغيرهما من اللاعبين الذين أعادوا عقارب فرحة المغاربة إلى ما قبل 31 غشت 2022، وفتح سؤال طويلا عريضا لطالما كان مؤرقا للجماهير: ما معايير الاستدعاء للمنتخب؟ ولماذا يكون الناخب المغربي “قاسيا” في تطبيق معايير التنافسية والتألق والتهديف على لاعبي الدوري الاحترافي المغربي في وقت يمكن للاعب حبيس “ثلاجة” فريق أوروبي لأشهر حمل قميص المغرب بلا أدنى تحفظ؟. فهل أجواء الحصص التدريبية في أوروبا أعلى وأكثر تنافسية من مباريات الدوري المغربي ودوري أبطال إفريقيا وكأس الكونفدرالية؟

كل هذا يجرنا لسؤال أكبر: هل عدنا إلى زمن البحث عن النواة وبناء منتخب للمستقبل استغرق خاليلوزيتش ثلاث سنوات من عمر كرة القدم المغربية ليرمم ما لم يحسن سلفه هيرفي رونار التعامل معه؟

إن كان الأمر كذلك، هل “مزاجية” الجامعة ستمهل الركراكي الوقت الكافي لحشرنا مجددا في نفق مرحلة البحث والتجريب والخطأ وهي التي أقالت بادو زاكي لمجرد عدم إقناع أسلوب لعبه رغم تصدره تصفيات كأس إفريقيا 2017، ثم وحيد خاليلوزيش، الذي أهل “الأسود” لنهائيات كأس العالم، لكنه “طُرد” من العرين بذريعة اختلاف الرؤى في طريقة التحضير لكأس العالم.

في الجهة المقابلة، الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تتحمل جزءا كبيرا مما حدث في الرباط وجوهانسبورغ. المفترض في جهاز وصي على اللعبة الأكثر شعبية في العالم توفير كل ظروف ومتطلبات الاستعداد للمباريات بعيدا عن أي “بهرجة” قد تزيغ بالثقة بالنفس إلى غطرسة واستصغار بالمنافسين ومنه إلى الاستهتار، لكنها كانت عاملا محفزا لكل هذا ومشتتا لتركيز اللاعبين بأمور “لا ناقة ولا جمل” لهم فيها، بتعاملها “الهاوي” مع إنجاز عالمي، وتوظيفها “السيء” لشعبية “الأسود”.

تفاجأ الجميع، قبل مواجهة الرأس الأخضر، بزملاء ياسين بونو يشاهدون مهرجان “للتبوريدة” بالرباط، قبل أن يُحملوا في اليوم الموالي إلى معرض الكتاب، في وقت كان من المفروض أن يكون “الركراكي ووليداتو” بمعسكر مغلق بمركب محمد السادس بالمعمورة استعدادا لمواجهتي الرأس الأخضر و”البافانا بافانا” بالجدية اللازمة لمواصلة المنحى التصاعدي وتأكيد ما تحقق في قطر.

نهمس هنا في آذان من يهمه الأكر بجامعة الكرة أن تقريب المنتخب من الجماهير يكون ببرمجة مبارياته الودية والرسمية، على حد سواء، بمدن لم يزرها لسنوات طوال، وأخرى لم يسبق أن وطأتها أقدام “الأسود” بالمرة، وللأسف يجرنا هذا للحديث عن البنيات الرياضية للمدن المغربية خارج محور الدار البيضاء، الرباط، مراكش، أكادير، طنجة، والتي لا تتوفر على ملاعب كبيرة تؤهلها لاحتضان مباراة واحدة للمنتخب المغربي، فيبقى أطفالها وشبابها وشيوخها محرومون من مشاهدة منتخب بلادهم، باستثناء من يتجشمون عناء التنقل لمشاهدة المباريات بملاعب المدن “المحتكرة” للمنتخب الوطني المغربي.

لذلك، يبدو أن إفساد فرحة المغاربة بإنجازات المنتخب الوطني أصبحت “رياضة” يحترفها المسؤولون المغاربة، ما فضيحة تذاكر كأس العالم بقطر ببعيدة، حتى وإن ظلت نتائج التحقيقات في علم الغيب حتى الآن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News