افتتاحية

السياسة اللغوية بالمغرب.. متى نقطع مع الارتجالية والعبث؟

السياسة اللغوية بالمغرب.. متى نقطع مع الارتجالية والعبث؟

المتابع للقرارات المتخذة في الآونة الأخيرة في ما يخص السياسة اللغوية بالمغرب، وأمام الغموض المخيم على الموضوع، يجول بخاطره سؤال “بأي لسان يريدنا المسؤولون المغاربة أن نتحدث؟”، لاسيما في ظل “العواصف” اللغوية المتعاقبة على المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم، والتي أدخلت البلاد في حالة تيه لغوي لا يبدو المخرج منها واضحا إلى اليوم.

من ضمن هذه “العواصف” في السياسة اللغوية؛ القرار الأخير لوزير التربية الوطنية شكيب بنموسى بتعميم تدريس اللغة الإنجليزية بالسلك الإعدادي، وهو قرار على الرغم من أنه كان موضوع مطالب سابقة من أطياف مغربية للتقليل من سطوة الفرنسية، إلا أنه ظهر فجأة ودون مقدمات، ووصلنا في شكل مذكرة وزارية يتيمة، دون أي تواصل أو شرح، وكأن قرارا بهذا الحجم لا يهم المجتمع المغربي بل مجرد إجراء روتيني على مكتب الوزير.

الغموض الذي يلف التوجهات المستقبلية للسياسة اللغوية بالمغرب يشرعن تساؤلات حول خلفية القرارات المتخذة والأهداف التي ترومها، لا سيما في قطاع ينكب على تنشئة مغاربة الغد، ومنها ما يتعلق باستعدادات الوزارة لتطبيق هذا القرار، وما إن كان ينبني على تشخيص واضح وتسطير دقيق للأهداف، أم أنه محض قرار ارتجالي اتُخذ تزامنا مع التشنج في العلاقات ما بين المغرب وفرنسا.

وبما أن الافتراض الأخير ليس له ما يؤكده من معطيات رسمية، رغم الإشارات المتفرقة من هنا وهناك، إلا أن افتراض النية “الطاهرة” للمسؤولين المغاربة ووزارة التربية الوطنية بالدرجة الأولى، لا يعفي من ضرورة المساءلة حول التوجهات اللغوية المتبناة، إن كانت موجودة بالفعل.

ألا يحق للمتتبع المغربي، الذي أصيب لسانه بالتواء جراء التقلبات بين التعريب والفرنسة والتمزيغ، أن يساءل جدوى هذا التوجه إلى الإنجليزية، علما أن بنية الاقتصاد والإدارة والسياسة المغربية لا تزال فرنسية في مجملها. وإذا افترضنا أن منح لغة بلاد “العم سام” حيزا أوسع ينبني على منطق “قليان السم” للماما فرنسا، لماذا لا يكون ذلك بالتركيز على تدريس اللغة الإسبانية مثلا، خاصة في ظل التقارب مع الجار الشمالي، وما تتيحه هذه اللغة من انفتاح على بلدان أمريكا الجنوبية.

وإذا كان اتخاذ قرارات “شجاعة” في مجال السياسة اللغوية أمرا مطلوبا بالمغرب، فقد كان الأرجح أن يسبقه نقاش مجتمعي، يشارك فيه الأكاديميون والفاعلون السياسيون وخبراء التربية والأكاديميون، وتقدم فيه المؤسسات رأيها، ومنها المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية الذي لازال موعد تفعيله في علم الغيب، وكذا مشاركة الأسر المغربية ورجال ونساء التربية والتعليم، وذلك حتى يكتسب القرار شرعيته وينخرط المجتمع بكامل تماسكه في تنزيله.

وإن كان الوزير بنموسى قد اتخذ ما بدا له مناسبا وكفى، ورأى أن له من الشرعية ما يغنيه عن الإنصات لمختلف المتدخلين، فلا ضير اليوم أن يخرج، إن تفضل علينا طبعا، ليكشف لنا “أسباب النزول” ويطمئن المغاربة بأن لسان أبنائهم سيكون بخير، وأنهم حتى وإن تاهوا وتشرذموا بين اللغات الأجنبية، سيكون لهم “رب” في سوق الشغل يحتضنهم ويحميهم.

وأخيرا، فقد حان الوقت لقول “كفى” في وجه الارتجالية والعبث اللغوي والقرارات “الغامضة” التي تهم الشأن اللغوي بالمغرب، لأن لسان المغاربة جرّب ما يكفي من الأطباق اللغوية، والاتجاه نحو الاستعاضة عن ذلك بسياسة لغوية واضحة المعالم تعطي للعربية والأمازيغية مكانتها، وتنفتح على اللغات الأجنبية بطريقة مدروسة ولها أهداف واضحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News