دولي

“إقالة” باشاغا.. تمهيد لحلّ أزمة الحكومتين أم دوامة جديدة في ليبيا؟

“إقالة” باشاغا.. تمهيد لحلّ أزمة الحكومتين أم دوامة جديدة في ليبيا؟

يبدو أن ليبيا ستظل تعيش لفترة على فوهة بركان قابل للانفجار في أي لحظة. فبينما تضع الجهود الدولية والمحلية ملف الاستحقاقات الانتخابية في بؤرة الاهتمام، ذهب مجلس النواب الليبي بعيداً واتخذ قراراً بحجب الثقة عن رئيس الحكومة “الموازية” فتحي باشاغا، بعد أكثر من عام على تكليفه، الأمر الذي ألقى بظلال من الشك حيال أولويات النواب في هذه المرحلة الحساسة.

وأثار القرار عاصفة من التساؤلات عمّا إن كان مرتبطاً بمفاوضات في الكواليس لإنهاء أزمة الحكومتين المحتدمة في ليبيا، منذ آذار (مارس) العام الماضي. وعزز هذا الجدل أن الخطوة مرت بسلام، وبتوافق ظاهري بين البرلمان وباشاغا، لكنها في المقابل أعادت إلى الواجهة الخلافات مع المجلس الأعلى للدولة، الشريك في تمرير القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية والنيابية المطلوبة دولياً ومحلياً.

وعلى رغم أن قرار مجلس النواب إيقاف باشاغا مثل مفاجأة للأوساط الليبية، لكنه جاء بعد تمهيد استمر لنحو شهر، بدأ بانتقادات علنية لاذعة وجهها أعضاء المجلس لضعف أداء الحكومة، في مواجهة حكومة “الوحدة الوطنية” برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وفشلها في دخول العاصمة طرابلس، قبل أن يتم تسريب أنباء عن وساطات دولية وإقليمية، بين نافذين في الشرق الليبي، ومقربين من الدبيبة، لإنهاء الأزمة المحتدمة بين الأخير والنواب، عبر التضحية بباشاغا ودمج الحكومتين في كيان واحد.

معضلة دخول طرابلس

الناطق باسم مجلس النواب عبد الله بلحيق، سعى إلى التخفيف من حدة الجدل بشأن وقف رئيس الحكومة المكلف، عازياً القرار إلى “فشل الحكومة في تنفيذ تعهداتها وعلى رأسها دخول العاصمة الليبية”. وقال في تصريح لـ”النهار العربي”: “الخطوة جاءت بعد العديد من المطالبات التي قدمها النواب للتحقيق مع باشاغا في شأن تنفيذ برنامجه، ما استدعى تشكيل لجنة نيابية لمتابعة أعمال الحكومة وتقديم تقرير مفصل، تم مناقشته في جلسة الثلثاء، وخلص إلى فشل هذه الحكومة في تنفيذ وعودها، الأمر الذي تبعه تصويت النواب بالأغلبية على إيقاف باشاغا وإحالته على التحقيق، وتكليف وزير المال أسامة حماد بتسيير الأعمال إلى حين انتهاء التحقيق”.

ورفض بلحيق تأكيد أو نفي ما تمّ تداوله عن شبهات فساد لاحقت أعمال باشاغا في الحكومة، وقال: “المداولات ركزت على قصور الحكومة في تنفيذ مهمها خلال الفترة الماضية… لا أستطيع تأكيد شبهات الفساد أو نفيها”. وأضاف الناطق باسم مجلس النواب: “هذه الحكومة قدمت برنامجاً بعد تكليفها قبل أكثر من عام، لكن على أرض الواقع لم يتحقق شيء، والحكومة غير موجودة على المستوى الخدمي أو السياسي، لذلك رأى المجلس إيقاف رئيسها والتحقيق معه”.

فشل دولي

وحمل بلحيق حكومة باشاغا مسؤولية عدم قدرتها على انتزاع اعتراف دولي بشرعيتها، رغم منحها الثقة من مجلس النواب، وقال: “الحكومة لم يكن لها أي حراك ملموس على المستوى السياسي، لو كان لها محاولات جاد،ة سواء من جهة طرق الأبواب على المستوى السياسي أو العمل على الملفات الخدمية والاجتماعية والتجهيز للانتخابات، لكان سيتم الإقرار بشرعيتها”.

النائبة فاطمة الصويعي كشفت لـ”النهار العربي” أن من أبرز ملاحظات مجلس النواب على باشاغا “صرف المليارات من دون تحديد مصادر تلك الأموال”، وهو ما أكده أيضاً عضو مجلس النواب جبريل أوحيدة، موضحاً لـ”النهار العربي” أن باشاغا “كان يتعامل مع الموازنة وفقاً لأهوائه فأجاز بنوداً خارج ما تم إقراره، وصرف أموالاً لم نعرف عنها شيئاً، وعندما حاولنا مناقشته في الأمر لم نصل إلى شيء”.

لكن عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي، دافع في المقابل عن حكومة باشاغا، لافتاً إلى أن مسألة إقالة الأخير “فاجأت عدداً من النواب. باشاغا لا يمتلك أي أذرع لتنفيذ مهامه، وثمة توجه داخل المجلس لتشكيل حكومة مصغرة يوكل إليها تنظيم إجراء الانتخابات”.

أما المحلل السياسي الليبي صلاح البكوش فكتب على “فايسبوك”: “رغم موقفنا الواضح من حكومة باشاغا، ورفضنا لها منذ البداية، لكن ما يقوم به بعض النواب لإقالة باشاغا، يؤكد أن الرجل لم يكن أداة طيعة لهم، ولم ينفذ لهم ما يحقق مصالحهم، رغم محاولات ابتزازه”. وكان باشاغا قد استبق خطوة النواب بتكليف نائبه علي فرج القطراني بتسيير مهام الحكومة وتفويضه في خطاب وجهه إلى هيئة رئاسة وأعضاء مجلس النواب، بكامل الصلاحيات الممنوحة لرئيس الوزراء.

غضب “الأعلى للدولة”

في المقابل، أثار قرار البرلمان غضب المجلس الأعلى للدولة. ودعا رئيسه خالد المشري في بيان مجلس النواب إلى الاتفاق مع مجلس الدولة على خريطة طريق واضحة تؤدي إلى الانتخابات في ظل حكومة موحدة صغيرة لإجراء الانتخابات، وإنهاء المرحلة الانتقالية، مطالباً البرلمان بالكفّ عما اعتبره “إسهاباً” في “إصدار قوانين وتشريعات لا تتطلبها المرحلة الحالية”.

وقال المشري في بيانه: “يستمر مجلس النواب في عبثه السياسي، فبعد قيامه بحجب الثقة عن حكومة الوحدة الوطنية، من دون التشاور مع المجلس الأعلى للدولة، وعدم اعتماده لميزانية عامة للدولة، الأمر الذي جعل حكومة الوحدة الوطنية تصرف الأموال وتستخدمها بلا رقيب ولا حسيب… وبعد قيامهم أيضاً بتكليف فتحي باشاغا رئيساً لحكومة جديدة واعتماد حكومته بصورة غير شفافة، ها هو الآن يصدر قراراً بإيقافه بطريقة أقل ما قد يقال عنها إنها مريبة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News