رأي

نورة وأســـامة

نورة وأســـامة

“إن الهدف من الاضطهاد هو الاضطهاد، والهدف من التعذيب هو التعذيب، وغاية السلط هي السلطة.. هل بدأت تفهم ما أقول الآن؟” جورج أورويل.

كانت ليلة سبت حزينة جدا ليس لأن فريق الرجاء البيضاوي غادر عصبة أبطال إفريقيا بعد تعادل أبيض ضد الأشقاء الحمر من مصر، ولكن كانت حزينة جدا لأن نورة غادرتنا إلى حيث لاعودة، رحلت نحو النهاية حتى قبل أن يعلن الحكم بداية المباراة. ماتت نورة وربما قُتلت نورة بطريقة بشعة جدا.

لماذا ماتت نورة؟ ولسنا بسؤالنا هذا نعترض على إرادة الخالق بقدر ما نحن نعترض على إرادة مفسدين أرادو لنورة أن تغادرنا في ليلة كنا جميعا نأمل أن تكون بداية لبعث روح جديدة في فريق الرجاء المغربي. المشاهد المنتشرة هنا وهناك مرعبة، كيفية ولوج الجماهير عبر الجزء الأصغر من بوابة كبرى يثير الكثير من الاشمئزاز، المشهد يشبه جدا تدافع الخرفان عند باب الاسطبل. لا ولن ألوم الجماهير، فوحدهم الجبناء والمتملقون للسلطة من يختارون القاء اللوم على جماهير الكرة. فالقول إن «الجمهور هو المسؤول” هو قول قاصر وسطحي. فالمسؤولين هم من وجب عليهم تأطير أنفسهم للتعامل مع كل ما يمكن أن يصدر عن الجمهور لأننا لا نتعامل مع عقلية واحدة يمكن تأطيرها بالخطابات الجافة وإنما نحن نتعامل مع عقليات مختلفة جدا يستحيل تأطيرها مهما كانت الخطابات جذابة وعاطفية. لا يجب أن نحاول تهذيب سلوك الجماهير لأن هذا يدخل في باب المستحيل ولكن يجب أن ندفع المسؤولين للقيام بواجبهم كما يجب. الفشل في التعامل مع انزلاقات الجماهير هو فشل للدولة.

غادرتنا نورة ابنة الدار البيضاء، ربما غادرتنا قبل أن تعرف شيئا عن قصة أسامة ابن الخميسات الذي مازال يؤمن جدا بحقيقة ” الحلم الأمريكي” لدرجة أنه أقنع سبعينية أمريكية بحبه فغادرت وطنها نحوه. كان أسامة وأسرته الصغيرة على يقين جدا أن ديبي الأمريكية ستكون بطاقته الخضراء ليحقق حلمه بالوصول إلى أرض الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن تصدمه بحلمها هي: قررت أن تعيش معه في المغرب وللأبد..! انصدم أسامة فنزع عنه قناع العاشق الرومانسي الهادئ ليرتدي وجهه الحقيقي ملقيا بالشتائم يمنة ويسرة في حضرة الأمريكية المسكينة.

كثير منا تعاطف مع الأمريكية لأنها ضحية خداع، لكننا أيضا أشفقنا جدا على أسامة لأنه ضحية أيضا. ضحية دولة لأنها فشلت في توفير الحياة الكريمة له ولكثير من الشباب الذين يقذفون بأنفسهم نحو وطن الآخرين بطرق خطيرة وأحيانا حقيرة. هو ضحية مجتمع كذلك، مجتمع يطلب منا الكثير مما لا نقدر عليه، ولعل النظرة على وجه والد أسامة وشقيقته تفسر كل هذا، تفسر كل الضغط الملقى على عاتقه.

بسبب مجتمع لا يرحم ودولة لا تساعد، تحول أسامة من شاب حالم إلى مادة للسخرية بين المغرب وأمريكا.

أخيرا نقول، أسامة لا يعرف نورة، ونورة لم تعرف أسامة لكن الدولة تعرفهما معا.. تعرفهما جدا..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News