سياسة

وزير العدل وهبي يستشهد بالقرآن للترافع حول توسيع الحريات الفردية بالقانون الجنائي الجديد

وزير العدل وهبي يستشهد بالقرآن للترافع حول توسيع الحريات الفردية بالقانون الجنائي الجديد

قال وزير العدل عبد اللطيف وهبي إن توسيع الحريات الفردية في مشروع إصلاح القانون الجنائي المغربي هو انسجام أولا مع التداعيات الاجتماعِيَة التِي تَخْلُقُها السِّياسَةُ الاجتِماعِيَةُ التي بَاشرَتْهَا الْحُكومَةُ المغربيةُ مُنْذُ اعتِلائِها الْقَرارَ الْحُكومِي بِالبِلادِ. وهُو انسِجامٌ ثانيا معَ المَعِيش الوَاقِعِي لأَدْوارِ الْفَردِ المغْرِبِي داخِلَ الْحياةِ الْعامَّة للمُجتَمَعِ المغْرِبِي.

واعتبر وهبي الفردُ المغربيُّ هو فاعلٌ في المواطنة النشطة عندما يساهم في خلق الثروة الوطنية وتنمية فائض القيمة، ويؤدي الضريبة سواء المباشرة أو غير المباشرة، ويساهم في خلق فرص الشغل، ويتطوع في العمل الجمعوي لخدمة الآخرين ويتحمس في الدفاع عن انتمائه الوطني، ويُبدع ويُجدد في الثقافة المغربية ويعتز بتراثه المادي واللّامادي.

وأشار المسؤول الحكومي، في كلمة له خلال استضافته من طرف مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة، إلى أن كل هذه المظاهرُ الحضارية لفعل المواطنة النشطة الذي يتبناه الفرد المغربي تفرض على كل إصلاح للقانون الجنائي المغربي أن يُعلي من شأن الحريات الفردية ويُكرم المواطن المغربي فعليا في مستوى الحريات والحقوق والمسؤوليات.

وسجل الوزير أن المجتمعات الغربية الحديثة ليست هي أول من دافع عن الحريات الفردية وأبدعها. مبرزا أن فوكو (فيلسوف فرنسي) بين أن ظاهرة الحريات الفردية كانت حاضرة عند المجتمعات القديمة من خلال ثلاثة مبادئ أساسية، وهي إظهار المميزات الفردية التي تعطي قيمة للفرد، وتثمين الحياة الخاصة كمقابل للحياة العامة، وإعطاء المجتمعات لعلاقة الفرد بذاته قيمة واتخاذها كموضوع للمعرفة و التغيير.

وقال وهبي إن الإسلام هو الديانة التي مجَّدت وصانت الحريات الفردية. “لا توجد في الدين الإسلامي مؤسسة تتوسط بين الله عز وجل والإنسان المؤمن، هذا الأخير له الحرية وفق تجربته وظروفه وخصائصه في عيش إيمانه ومعتقداته بمرجعية القرآن الكريم والحديث النبوي الطاهر”.

وتابع شارحا “صحيحٌ أن هذا لم يمنع من ظهور زعاماتٍ تدَّعي احتكار الفهم الصحيح للدّين وتعمل على فرض سلطتها على المؤمنين لكن ذلك يعد ظاهرة سياسية وليست انبثاقا من أي نزعة أرثدوكسية مزعومة في الإسلام”.

وأبرز وهبي أن غياب مؤسّسة تتوسط بين الله تعالى وحياة الإنسان المؤمن هو في العُمق تكريسٌ لمبدأ الحرية الفردية الذي جاء به الدين الإسلامي. “وهو ما تُرجم في أشكال عديدة للحرية الفردية التي يُقرها القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف. فمن الحق في الحياة الخاصة إلى الحق في الأمن والسلامة الجسدية إلى حرية التنقل والفكر والرأي وحرية العقيدة”.

واسشتهد وهبي بآيات من القرآن الكريم للدفاع عن الحريات الفردية، مشيرا أن حُرمة الحياة الخاصة للفرد تمثلت في تحريم الإسلام للتّجسس، “ولا تَجَسّسوا ولا يَغْتَبْ بعضُكم بعضًا”. كما تمثلت في تنصيصه على حُرمة المسكن في قوله تعالى في سورة (البقرة “وليسَ البرُّ أن تُوَلُّوا البُيُوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتُوا البُيُوتَ مِن أبْوَابها”، وفق المتحدث نفسه.

وقال إن الإسلام دين عَمل على إحداث نقلة نوعية في الحضارة الإنسانية، اذْ حرّر عقلَ الإنسان من الخرافات والأوهام والظنون الباطلة، “ففي قوله تعالى ولا تَقْفُ مَا ليسَ لكَ به عِلْمٌ بسورة الإسراء وقوله كذلك (إنَّ الظنَّ لا يُغْني مِنَ الحَقِّ شَيئًا في سورة يونس، أكد على مكانة العقل العالية في الدين الإسلامي”.

واعتبر أن تعظيمُ العقل في الإسلام يتجلى أيضًا في إقرار حرية الفكر و الرأي، مذكرا بالآية 20 و 21 من سورة الدوريات “وفي الأرض آياتٌ للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تُبصرُون، ومشيرا أن دين محمد جعل إعمال العقل من الواجبات الشرعية لأن كل الواجبات الشرعية كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاجتهاد، والتكافل، والشورى، والنصيحة، لا تتم إلا بإعمال العقل، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

وأضاف “تكريم الإسلام للإنسان يظهر من خلال قوله تعالى في سورة الإسراء الآية 70 “ولقد كَرَّمْنا بَنِي آدمَ وحملناهُم في البرِّ والبحرِ ورَزقناهم من الطيِّبات وفضَّلْناهم على كثيرٍ ممّا خَلَقْنا تفضيلًا”، مشيرا أن من أشهر المقولات التي انتشرت في أوساط دعاة الحرية في كل بقاع العالم، مقولة عمر بن الخطاب التي وجّهها إلى واليه على مصر عمر بن العاص ” مَتى استعْبَدْتُم النّاس وقد وَلَدَتْهم أمّهاتهم أحرارًا ”.

كما عرج وهبي إلى سيرة النبي محمد، التي اعتبرها نموذجية في التسامح ليس فقط مع أهله وأصحابه، بل كذلك مع خصومه من أهل الكتاب والمشركين، “وأفضل مثال على هذا التسامح عفو الكريم وصفحه الجميل اتجاه من حاربوه وهو يفتح مكة المكرمة إذ خاطبهم ”اذهبُوا فأنتُم الطُّلَقَاءُ”.

وعم الحرية وحقوق الإنسان، قال وهبي إن العبارة التي تُلخص كل تلك المبادئ والقيم في الإسلام هي تلك التي خاطب بها عزَّ وجلَّ نبيه المصطفى قائلا “ومَا أرْسَلْنَاك إلّا رَحْمةً للعالَمين”.

وأوضح أن الدفاع عن الحريات الفردية في مشروع القانون الجنائي، ليس من باب تقليد نمط حياة الفردانية، أو مجرَّدَ تأثّر سطحي بثقافة الآخر ، “بل هو دفاعٌ عن الواقع الاجتماعي الذي نعيش فيه، وامتدادٌ نوعيٌّ وحضاريٌّ لتاريخ أمتنا الإسلامية”.

ولفت وزير العدل إلى أن الدفاع عن الحريات الفردية اليوم في إطار مشروع إصلاح القانون الجنائي المغربي ليس تَرفا فكريا ولا هو قضيةَ نخبة “تتعالم” بها على مجتمعها. بل هو من صميم الدفاع عن التنمية الشاملة والمستدامة لمجتمعنا التَّواق للتَّقدم والازدهار.

وقال إن كلُّ أوراش الإصلاح المُنجزة أو الّتي في طريقها للإنجاز، هي أوراش إصلاحية لتحقيق التَّقدم الاجتماعي، بمعنى أن المغاربة لا يريدون تنمية تُختزل في النِّسَب والأرقام والإحصائيات والبيانات الشكلية، بل ينشدون التقدم الاجتماعي الذي هو عنوان الرُّقي الحضاري.

وسجل أيضا أن التنميةُ في سياق تحديات القرن 21 لم تَعُد تعتمد فقط على مؤشرات PIB (المنتوج الداخلي الخام)، بل امتدت لتقاس بمؤشرات IPS أي “مؤشر التقدم الاجتماعي”. لذلك فإن تحسينَ وضع الحريات الفردية في مشروع القانون الجنائي المغربي يُعَدُّ ضرورةً تنمويةً تتجاوز السِّجالاتِ الفئوية هنا وهناك.

وأردف “لم تَعُد التنمية مجرّد تراكم لرُؤوس الأموال، وتدبير للخيرات والخدمات، بل أصبحت لها غاية أساسية هي جعل المواطن قادر اً على إبداع حياة مأمولة ومقبولة تستجيب لطموحاته، وبيّن أَمَارْتِيَا سِينْ،Sen Amartya الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد سنة 1998، أن التنمية الفعَّالة هي التي تقوي بشكل متوازي الحريات الفردية والحريات الجماعية”.

وخلص وهبي أنّ مبدَأ العدالة الذي يَحرصُ على حق الوُصولِ إلى الموارد لكل فئات المجتمع، ويَحرص على الحُقوق والحُريات…يُعَدُّ مبدأً اقتصاديًّا، مذكرا أن برنامج الأمم المتحدة للتنمية PNUD مُجمل أعمال أَمَارْتِيَا سِينْ للدفاع عن سياسات تنشغل بالأساس بـ”التنميّة البشرية ” التي تُمَكِّنُ الدول، وخاصة الدول النامية، من تحقيق تنمية شاملة ومستدامة.

وأكد انخراط المغربُ بجدية في كل برامج الأمم المتحدة للتنمية، مشيرا أن المملكة وإذا كانت قد حقَّقت خطواتٍ مُهِمّةٍ على دَرْبِ التنمية، فأنه في حاجة اليوم إلى تعميق كلِّ مكتسباته التي أصبحت واقعًا معيشيًّا، ويمضي في إِقرار متقدم للحريات الفردية بما ينسجم مع التحوّلات الاجتماعية والثقافية داخل سِياق المجتمع المغربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News