مجتمع

واقعة طفلة “تيفلت”.. بوعياش: العدالة نادراً ما تتحقّق في قضايا العنف ضد النساء والفتيات

واقعة طفلة “تيفلت”.. بوعياش: العدالة نادراً ما تتحقّق في قضايا العنف ضد النساء والفتيات

في أول تعليق له على الحكم المخفف ضد مغتصبي فتات تيفلت، قالت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان آمنة بوعياش، إن “العدالة نادراً ما تتحقق في قضايا العنف ضد النساء والفتيات، بشكل عام بسبب إعادة تكييف الوقائع، أو استحضار الظروف المخففة، أو التخلي عن الشكاوى للضغوطات التي تمارس على الضحايا”.

وأشعل حكم قضائي في المغرب بالحبس سنتين في حق ثلاثة متهمين توبعوا في قضية “اغتصاب جماعي لطفلة قاصر نتج عنه حمل” عاصفة غضب بين المغاربة، لم تقتصر على الأوساط الحقوقية والنسائية بل امتدت كذلك إلى الأوساط الحكومية.

وسجلت بوعياش، في كلمة لها اليوم الثلاثاء، بمناسبة اللقاء التفاعلي حول العنف الجنسي اتجاه الأطفال أن حكم الطفلة الضحية، يؤكد ملاحظات المجلس المنشورة في تقريرنا الصادر في شهر مارس الماضي حول “تشجيع الضحايا على التبليغ عن العنف بجميع أشكاله لمكافحة الإفلات من العقاب”.

وأوضحت بوعياش، أنه كان من أهداف التقرير تطوير النقاش العمومي، من خلال الملفات، وحالات العنف، بما في ذلك العنف الجنسي وبسط الخطورة اللازمة والمطلوبة للتصدي لها واسترشادا بعدد من التجارب الدولية التي أثبتت أن التبليغ عن جرائم العنف هو وسيلة فعالة لتعبئة المجتمع لمكافحة العنف الجنسي والابتزاز.

وكانت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط قد أصدرت، أخيرا، حكما يقضي بسنتين حبسا في حق ثلاثة أشخاص تتراوح أعمارهم ما بين 25 و32 و37 سنة، “تناوبوا على اغتصاب طفلة تبلغ من العمر 11 سنة وتتحدر من نواحي مدينة تيفلت التابعة لإقليم  الخميسات.”

وكشفت رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن ردّ فعلها الأول إزاء الحكم الابتدائي المذكور، كان “مشوبًا بالغضب، ولكن أيضًا خوف من ترسيخ الطبيعة الإجرامية غير المقبولة لأشكال العنف في أذهان الناس، وهذا ليس هو الحال اليوم”، مسجلة عدم قبول المجتمع لما جرى وأهمية المواقف المعبرة عنها لمختلف الفاعلين “ولم أتفاجأ من قدرة المجتمع المدني للتعبئة ضد ما جرى ومتابعته الدقيقة لحيثيات الملف القضائي” تؤكد بوعياش.

وترى بوعياش أن حالة العنف الجنسي لطفلة تيفلت، “جعلتنا نواجه وبشكل علني وواضح ثلاث ضحايا في هذه القضية، أولها الطفلة الضحية، وكيفما كانت الظروف، فقد تعرضت لظلم وعدم انتصاف لطفولتها فالاعتداء الجنسي، جريمة شنيعة والحكم الابتدائي لم يحم سلامتها الجسدية والنفسية والاجتماعية”.

وأضافت أن الطفل المولود، من العنف الجنسي، غير شرعي، ولن يأخذ اسم الأب، وسيسجل في سجل الأحوال المدنية كطفل من أب مجهول، رغم أن اختبار الحمض النووي أثبت أبوة المعتدي، مشددة على أن المجتمع الذي يقاوم التطبيع مع العنف والخوف من تقليص الطابع الإجرامي لجميع أشكال العنف، والقلق من أن لا تستجيب المعايير والقواعد القانونية، كوسيلة الحضارية لفرض توازن وإنصاف داخل مجتمع يحمي نسائه وفتياته وفتيانه من الانتهاكات الجسيمة”.

واعتبرت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان، أن المقتضيات القانونية المتعلقة بالاغتصاب وهتك العرض، “تعتري عدد منها الالتباس ولا يمكن التنبؤ بها، وتطبيق القانون لا يتم بشكل ممنهج، وأن العديد من مرتكبي الاغتصاب يفلتون من العدالة (..) هذا ما كاد أن يحدث في هذه الحالة إذا لم تكن الضحية قد حملت.

وسجلت بوعياش أن الإشكال الجوهري هو نجاعة منظومتنا الحمائية ومستوى ملاءمتها مع المعايير الدولية لحماية حقوق الطفل، موضحة أن هذا “سؤال يحتاج اليوم ليس فقط إلى جواب حول مستوى ملاءمة هذه المنظومة مع المعايير الدولية، بل كذلك الوقوف بشكل مستعجل على مواطن الخلل فالأمر أضحى أكثر من مستعجل”.

ودعت بوعياش، الحكومة إلى اعتماد تعديلات مستعجلة لفعلية حقوق الأطفال في الحماية من العنف بكل أشكاله وفق مقتضيات المادة 19 من اتفاقية حقوق الطفل، وبشكل خاص من العنف الجنسي كما تنص عليه المادة 34 من الاتفاقية، معربة عن الأمل في أن يكون المشرع في الموعد المطلوب منه لحسم التردد السياسي الذي يطبع قراراته في قضايا مجتمعية ضاغطة.

ومع تواتر حالات العنف الجنسي، جددت رئيس المجلس الوطني لحقوق الانسان مطالبه، بإصلاح النموذج الذي يحكم السياسة العقابية وإلى إعادة تصنيف الاغتصاب والاعتداء، وفقًا للمعايير الدولية، على أنهما عنف جنسي، أي جريمة تهدف إلى المس والإضرار بالسلامة الجسدية للضحية والتي يجب أن يعاقب عليها بشدة، مهما كانت الظروف، وليس مجرد انتهاك لمنظومة الأسرة كما هو الحال اليوم.

وتساءلت بوعياش، “هل لدينا نفس المقاربة لمبدأ المصلحة الفضلى للطفل؟ باعتباره الأساس المعياري لاتفاقية حقوق الطفل”، قبل أن تضيف “يبدو لي أننا نحتاج اليوم إلى بلورة هذه المقاربة لإعمال المصلحة الفضلى، لأنه هو الأساس خلال كل مسطرة أو إجراء إداري أو حكم قضائي خاص بالطفل وفق مقتضيات المادة الثالثة من اتفاقية حقوق الطفل”.

واعتبرت بوعياش مراجعة المعايير الاجتماعية الحمائية ضمن مسؤولية مشتركة، عليها أن ترتكز على مبدإ المصلحة الفضلى للطفل، بما في ذلك تعزيز الإطار القانوني لحماية الأطفال وفعاليته، وتوحيد الهياكل والممارسات، وتعزيز المعايير الاجتماعية لحماية الأطفال وتنفيذ نظم المعلومات والرصد و التقييم.

وترى رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى الظرفية الراهنة “تستعجلنا لاستكمال مسطرة المصادقة على اتفاقية مجلس أوروبا الخاصة بالعنف الجنسي اتجاه الأطفال باعتبارها إطار معياري لتكييف العنف الجنسي وترسيخ الحماية القانونية والتنصيص على الوقاية من العنف وتعزيز التعاون الدولي في الاعتداءات الجنسية على الأطفال التي لها طابع عبر وطني”.

وأعربت بوعياش، عن أمل المجلس الوطني لحقوق الانسان، في أن يتفاعل الفاعل المؤسساتي وأن يخطو الخطوة الديمفراطية والحقوقية المنتظرة من المجتمع، الذي عبر عن رفضه الواضح والواسع ضد التطبيع مع الاعتداء الجنسي ولعدم إنصاف الضحايا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News