سياسة

مطالب برلمانية ونقابية تستعجل مراجعة “مالية 2023” لمواجهة مخاطر التضخم

مطالب برلمانية ونقابية تستعجل مراجعة “مالية 2023” لمواجهة مخاطر التضخم

وسط اجراءات الحكومة “المحتشمة” لتطويق أزمة الغلاء، يُعاني الاقتصاد المغربي منذ فترة طويلة من مشكلة ارتفاع الأسعار جراء تسجيل مستويات “قياسية” لمعدل التضخم، وخاصة مع حلول شهر رمضان الذي يعتبر فترة مهمة من السنة بالنسبة للمغاربة، حيث يتميز بزيادة الطلب على السلع الاستهلاكية، مما يؤدي إلى زيادة الأسعار وتفاقم الأزمة الاقتصادية التي يعيشها البلد.

وارتفع معدل التضخم بالمغرب، في أحدث الاحصائيات الرسمية، إلى 10,1 في المئة، خلال شهر فبراير المنصرم، مدفوعا، بشكل خاص، بتزايد أثمان المواد الغذائية بـ 20,1 في المائة، وأثمان المواد غير الغذائية بنسبة 3,6 في المائة، فيما توقع بنك المغرب أن يبلغ النمو الاقتصادي، 2,6 في المائة العام الجاري، على أن يصل إلى 3.5 في المائة العام المقبل.

وتأتي هذه المؤشرات الاقتصادية “المقلقة” برأي عدد من المحللين الاقتصاديين، في وقت يرتكز فيه قانون قانون المالية لسنة 2023 على فرضيات تحدد نسبة النمو في 4 بالمائة ونسبة التضخم في حدود 2 بالمائة، وعجز الميزانية في حدود 4,5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام.

وفي المقابل، تؤكد الحكومة أن حزمة التدابير التي اتخذتها والرامية إلى الحد من أثر ارتفاع الأسعار ودعم القدرة الشرائية للمواطنين وكذا التخفيف من تداعيات التضخم على التكلفة الإنتاجية للمقاولات، ساهمت إلى حد كبير في التحكم في معدل التضخم مقارنة مع باقي دول العالم، إذ حصر معدل التضخم في المغرب في + 6.6 بالمئة برسم سنة 2022، مقابل +7.3 بالمئة و+ 9.9 بالمئة على مستوى الدول المتقدمة والبلدان الناشئة والنامية.

كرم السماء

وفي هذا الصدد، ترى أصوات برلمانية ونقابية، أنه لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية المركبة التي يعرفها المغرب لا مناص للحكومة من قانون مالي تعديلي، منبهة إلى أن توقعات الحكومة مبنية على كرم السماء وأسعار غير متحكم فيها للمحروقات وتحويلات مغاربة العالم وعائدات السياحة الافتراضية.

وسجل رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب ادريس السنتيسي، أن “حكومة الكفاءات خسرت المواجهة أمام التضخم الناجم عن غلاء المعيشة والمحروقات، وفشل الإجراءات الحكومية التي ابتكرتها واتخذتها، وتبث عجزها عن الحد من توالي غلاء أسعار الخضر ومختلف المواد الغذائية الأساسية، لافتا إلى أن إعفاءاتها لرسوم استيراد اللحوم وحذف القيمة المضافة، “لم تجد نفعا في خفض أثمانها، بغض النظر عن غياب أي بديل حكومي لفائدة الكساب المغربي”.

ويرى السنتيسي، ضمن تصريح لـ”مدار21″، أن مشكلة الحكومة، تكمن في كونها تبنّت فرضيات “غير مدروسة وغير واقعية ولا ولن تتحقق ومع ذلك تواصل عنادها السياسوي”، مؤكدا أن الحكومة “تشتغل بمنطق مالي محاسبتي ضيق دون رؤية سياسية ولا اقتصادية واجتماعية واضحة وبدون قراءة موضوعية للسياق الجيواستراتيجي المتحكم في طموحات الاقتصاد الوطني”.

ارتفاع تكلفة المعيشة

من جانبه، دعا المكتب التنفيذي للمنظمة الديمقراطية للشغل الحكومة إلى مراجعة القانون المالي لسنة 2023، لإعادة ترتيب الأولويات وتأجيل نفقات واستثمارات غير مستعجلة، وتعديل النظام الضريبي بتخفيض الضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة على المواد الغدائية الواسعة الاستهلاك والمحروقات، والزيادة العامة في الأجور ومعاشات التقاعد وتفعيل الدعم المباشر للأسر الفقيرة.

وسجلت الهيئة النقابية، أن المملكة تعاني من تفاقم ارتفاع معدل التضخم، المؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغدائية الواسعة الاستهلاك، إلى مستويات قياسية تجاوزت 30 بالمائة، وبدرجة تثير المزيد من القلق والتوتر والغضب الشعبي، فضلا عن ارتفاع أسعار المحروقات بنسبة تجاوزت 50 في المائة عما كانت عليه قبل ثلاث سنوات.

وأكدت المنظمة النقابية، أن هذا الوضع أدى إلى ارتفاع تكلفة المعيشة، حيث أصبحت أغلب الأسر المغربية الفقيرة والطبقة المتوسطة في المجتمع تعاني من تداعياتها وآثارها المدمرة للقدرة الشرائية، إلى درجة أن أغلب الأسر المغربية تُواجه اليوم خطرا حقيقيا يتهدد أمنها الغذائي واستقرارها العائلي، بسبب ارتفاع متواصل لأسعار المواد الغدائية الأساسية والسلع والخدمات والطاقة، وتآكل قيمة أجور الأغلبية الساحقة من الموظفين والعمال والمتقاعدين.

مسؤولية الحكومة

وحسب السنتيسي،  فإن المسؤولية السياسية للحكومة في هذا الغلاء “ثابتة” باعتبارها المسؤولة عن تدبير الشأن العام، وعليها التحلي بالشجاعة السياسية، لأن المعارضة نبهتها مرارا وتكرارا إلى أنه من غير المنطقي تحقيق نسبة نمو في حدود 4 في المائة وحصر معدل التضخم عند 2 في المائة في ظل الارتفاع الكبير للأسعار والأزمات العالمية، وقس ذلك على نسبة العجز في الميزانية وبالتحديد في الميزان التجاري.

وتابع رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، “مع الأسف الشديد قدمنا نفس ملاحظاتنا حول القانون الأول في عمر الحكومة لسنة 2022 أثبت الواقع أننا كنا على حق وتوقعات الحكومة خارج السياق وانساقت باللعب على هوامش القانون والميزانية بضخ الاعتمادات الإضافية”.

وأكدت المنظمة الديمقراطية للشغل، أن الحكومة المغربية ملزمة اليوم قبل أي وقت مضى باتخاذ إجراءات وتدابير حقيقية ملموسة وفق مخطط وبرنامج مندمج يحدّ من ارتفاع أسعار المواد الغدائية والسلع والخدمات، وفي أسرع وقت تفاديا لتفاقم  الأزمة المهددة للاستقرار والسلم الاجتماعي.

حلول جذرية

وسجلت النقابة ذاتها، أنه لا أحد يستطيع  التكهن أو التنبؤ على وجه التحديد متى ستنتهي الأزمات التي كانت وراء ارتفاع معدل التضخم والطاقة والأسعار، خاصة الصراع الدائر في أوكرانيا، والتغيرات المناخية والجفاف وما ينتج عنه من ندرة الموارد المائية، مؤكدة أنه “لا أحد على يقين أن رفع أسعار الفائدة إلى 3 نقط أو أكثر سيمكن من إبطاء ارتفاع التضخم”.

ولتجاوز هذه الأزمة الخانقة والمهددة للاستقرار الاجتماعي، دعت المنظمة النقابية الحكومة، إلى تبني حلول جدرية سريعة ومستعجلة لإيقاف النزيف، ونهج إرادة سياسية حقيقية تهدف إلى مراجعة السياسة الاقتصادية والاجتماعية المتبعة والقطع مع رواسب الماضي والحاضر واختلالاتهما.

وطالب المصدر ذاته الحكومة، بالتخطيط للمستقبل في إطار رؤية شمولية مستقبلية لبناء الدولة الاجتماعية وضمان السيادة الوطنية والعدالة والمساواة، وفق أهداف التصريح الحكومي، وذلك باتخاذ قرارات وإجراءات مستعجلة لتحسين الوضع المعيشي للسكان وتخفيض حقيقي للأسعار لتكون في متناول الطبقات الشعبية والفقيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News