افتتاحية

شبح الغلاء مستمر.. إلى أين نسير؟

شبح الغلاء مستمر.. إلى أين نسير؟

بالرغم من أن الوضع كان لا يستحمل مزيدا من المعطيات المقلقة، خاصة في ظل التمسك بشعاع أمل للخروج من نفق غلاء الأسعار والتضخم الذي دخلته بلادنا، بواسطة الإجراءات الحكومية، إلا أن المندوب السامي للتخطيط أصّر على طريقة العلاج بالصدمة، ليضعنا بعبارات مقتضبة أمام مستقبل مجهول لا نعلم إلى أين يقودنا.

وفي وقت كنا نحاول إخفاء مرارة الغلاء بحموضة “السيتكومات الرمضانية”، جاء الحليمي واضحا وجديا “أكثر من اللازم”، ليخبرنا بأن التضخم بات حقيقة هيكلية علينا التعايش معها، وأن إجراءات رفع سعر الفائدة التي يباشرها بنك المغرب غير مجدية، لأن الخلل في العرض وليس الطلب.

فجأة، اكتشفنا أن المخططات غير كافية لتأمين عرض معقول من الخضر والفواكه، يقي المواطنين شر الغلاء المتغول يوما بعد يوم، والذي يبدو أنه مستمر معنا إلى حين قيام الحكومة بإصلاحات هيكلية لمنظومة الإنتاج ببلادنا، وفق ما أكده الحليمي، الذي اتفق مع والي بنك المغرب في التشخيص واختلف معه في الإجابة.

الغريب في مجموع الحقائق التي فقعنا بها الحليمي دفعة واحدة، هي أنها جاءت على هامش تصريح صحفي جانبي، ولم تأت في إطار تواصل رسمي، سواء من الحكومة أو من باقي مؤسسات الدولة، التي يتابع المواطن المغربي قراراتها المتباينة والمتناقضة مثل “الأطرش في الزفة”، بينما يحاول إيهام نفسه أننا نتجه إلى الأحسن، بعد التصريحات المتواترة لوزراء الحكومة، التي لا نعلم بناء على أي تشخيص يُدلون بها.

طيلة أشهر من أزمة الأسعار، استمعنا لتبريرات مختلفة من وزارء الحكومة، منها ارتباط الأزمة بالسوق العالمية والحرب الأوكرانية الروسية، وأننا نتجه نحو انفراج الأوضاع خلال الأيام المقبلة، غير أن الأيام انقلبت شهورا، دون أن يُوَاجه المواطنين بالحقائق كما هي، إلى أن اعترف الناطق الرسمي باسم الحكومة أن مجهودات الحد من ارتفاع الأسعار لم تحقق الأهداف المطلوبة.

الوزير مصطفى بايتاس نسف ما ذهبت إليه وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح، التي وعدت المغاربة بانخفاض الأسعار في غضون أيام قليلة، حيث أكد “أن مشكلة الأسعار مسألة أعقد بكثير مما نتصور”، غير أن درجة التعقيد هذه ظلت غامضة، وكأن الحكومة تفاجأت بالوضع كغيرها من المواطنين الذين لا يتوفرون إلا على النذر القليل من المعلومات.

ويبدو أن التناقض ليس بين تصريحات وزراء الحكومة فقط، بل يوجد كذلك، وفق ما رصده الحليمي، بينها وبين بنك المغرب، بسبب التناقض ما بين السياسية المالية للحكومة المشجعة للاستثمار، والسياسة النقدية لبنك المغرب القائمة على رفع سعر الفائدة لكبح جماح التضخم.

والتناقض لم يقف عند هذا الحد، بل بلغ حد خلق صدع داخل البيت الحكومي، بعدما بات حزب الاستقلال، عضو الأغلبية الحكومية يعبر عن امتعاضه من التوجه الحكومي والتفرج على غلاء الأسعار، تارة من خلال تصريحات زعيم ذراعه النقابي ورئيس مجلس المستشارين النعم ميارة، وتارة أخرى بإطلاق نيران الانتقادات عبر لسان حال الحزب.

وسط كل هذه الأمواج المتلاطمة من الأرقام المتباينة، والرؤى المتناقضة، والهواجس المخيفة من المستقبل، ووسط حالة “اللايقين” هذه، يحتاج المواطن المغربي إلى من يشرح له إلى أين تتجه البلاد، ويقدم الوصفة الحقيقية للخروج من الأزمة بلا أمل خادع ولا تجميل الواقع البشع، وقبل ذلك أن يتم الاستقرار على طريقة واحدة في سياسة البلاد، لأنه كما قال المغاربة ذات حكمة “الوجه المشروك لا يُغسل”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News