رأي

عودة لتقرير الخارجية الأمريكية!!

عودة لتقرير الخارجية الأمريكية!!

تصدر الخارجية الأمريكية سنوياً تقريراً حول حالة حقوق الإنسان في مختلف دول العالم، المغرب واحد من البلدان التي يشملها هذا التقرير الذي يقدم رصداً للحالة الحقوقية به، بغض النظر عن النقاش الذي يثار كل سنة من طرف عدة دول حول أحقية الولايات المتحدة الأمريكية في ممارسة دور «الأستاذ» للتنقيط الحقوقي حتى أنها أصبحت ترد عليها بتقارير موازية/مضادة عن حالة حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة في شقها المدني، فإن صدوره من واحدة من أكبر الدول ومن خارجيتها يجعل من أهمية التفاعل معه مسألة ضرورية باعتباره يقدم وجهة نظر رسمية لهذه الدولة للوضعية الحقوقية التي ترتبط وتعكس طبيعة العلاقة الدبلوماسية لكل بلد معها مادام أن الخارجية هي من تصدر هذا التقرير، حتى بات يتم الربط بين انعكاس هذه العلاقة على متن التقرير الحقوقي. هذا الربط بين السياسي/الدبلوماسي والحقوقي في التقرير هو ما جعل التفاعل هذه السنة كبيراً من طرف مختلف الفاعلين المغاربة خاصة في ظل ما تشهده العلاقة بين البلدين من دفء دبلوماسي كبير انعكس على مختلف الملفات ذات الاهتمام المشترك في قضايا مرتبطة بالأمني، العسكري، الاقتصادي والسياسي…ثم القضايا السيادية على رأسها ملف الصحراء.

يمكن إجمال العديد من الملاحظات حول التقرير وحول ما أثير من نقاش حوله في خمس ملاحظات نوردها كتفاعل مع النقاش الصحي الذي أثاره التقرير:

1-ما بين تقرير الخارجية وقرار البرلمان الأوروبي

كثيرة هي الأصوات التي طالبت بغض النظر عن جدية هذا المطلب بأن تتخذ الدولة المغربية نفس الموقف الذي اتخذته من القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي، وهو مطلب يمكن القول إنه لا يراعي الاختلافات الحاصلة بين القرار الأوروبي وتقرير الخارجية الأمريكية، وهي اختلافات جوهرية سواء من حيث الشكل أو المضمون.

الخارجية الأمريكية أصبح لها سلوك تقليدي في إصدار تقارير عن وضعية حقوق الإنسان في العالم من منطلق الدور الذي تلعبه خاصة بعد سقوط جدار برلين وانهيار المعسكر الشرقي، بحيث أصبح عرفاً في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية باتت مختلف دول العالم تنتظره لأن التقرير يعكس السياسة الخارجية الأمريكية للدول المعنية به، وهو ما لا ينسحب على البرلمان الأوروبي الذي لا يعتبر ضمن سياسته الخارجية أو الموجهة للدول غير الأوروبية إصدار تقارير أو قرارات تتعلق بوضعية حقوق الإنسان، بل جل القرارات التي سيق أن تحرك البرلمان الأوروبي لإصدارها كانت مرتبطة بتوتر أوروبي مع البلدان المعنية به من بينها المغرب، فالبرلمان الأوروبي أصدر قراراً سابقاً عندما كانت هناك أزمة ما بين المغرب وإسبانيا مرتبطة بقضايا الهجرة واللجوء، وكان القرار بنفس المضمون، حالياً تحرك من أجل الضغط على المغرب ارتباطاً بالأزمة مع فرنسا، وهو ما يجعل من هذه القرارات سياسية وأداة للضغط والابتزاز وليست تقارير دورية.

الخارجية الأمريكية تصدر تقارير، أو تقرير خص حالة المغرب الحقوقية ولا ينتج عنه أي توصيات أو قرارات تلزم بها الخارجية الأمريكية المغرب، وجل الدول المعنية بهذه التقارير، بل هي تقدم رصدا حقوقيا من وجهة نظر أمريكية وتوصيفاً للحالة الحقوقية للبلد المعني، في حين أن البرلمان الأوروبي أصدر قراراً بتوصيات موجهة للمغرب في قضايا سيادية وداخلية وتعدى الرصد لينتهي إلى أن يعطي البرلمان الأوروبي الحق لنفسه في إصدار أحكام قيمة على بعض القضايا الحقوقية وكأنه «محكمة» أو مؤسسة فوق المغرب، وهو ما تم رفضه بشدة لأنه اعتبر تدخلا سافرا في الشأن الداخلي الوطني.

إن الاختلاف بين التقرير الصادر عن الخارجية الأمريكية والقرار الصادر عن البرلمان الأوروبي سواء من حيث الخلفيات التي تحكم كل وثيقة، أو من حيث الأهداف السياسية التي حركت كل طرف هو ما يبرر رد الفعل القوي للمغرب تجاه ما صدر عن البرلمان الأوروبي، ويفسر رد الفعل «الصامت» على الصعيد الرسمي على الأقل علناً تجاه تقرير الخارجية الأمريكية، وهو ما استدعى أن يكون هناك رد قوي من البرلمان المغربي على البرلمان الأوروبي.

2- ما بين التقرير والسياسة الخارجية الأمريكية

 واحدة من الملاحظات التي أثارها العديد من المتفاعلين مع تقرير الخارجية الأمريكية هو أن صدوره بالمضامين التي سنثير بعض الملاحظات حولها لاحقاً، مؤشر على تغير سياسة الخارجية الأمريكية بالتالي الإدارة الأمريكية للديموقراطيين تجاه المغرب سواء في ما يتعلق بقضية الصحراء أو ما يرتبط بالموقف الأمريكي من مؤسسات الدولة المغربية.

لابد من إثارة الانتباه إلى أن ليلة صدور التقرير حلَّق وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة للولايات المتحدة الأمريكية والتقى وزير خارجيتها وانتهى اللقاء بصدور بلاغ يعبر عن الإشادة بالإصلاحات التي يقوم بها الملك محمد السادس ودوره الإيجابي في إقرار السلام بالشرق الأوسط خاصة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما تم تجديد الدعم لمبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي وحيد لطي الملف، وقد كان صدور هدا البلاغ في نفس توقيت صدور التقرير إجابة قبلية عن كل الملاحظات التي أثيرت لاحقا حول احتمالية تغير الموقف الأمريكي من المغرب ككل ومن القضية الوطنية بشكل خاص، وهي الملاحظات التي قفزت عن هذا البلاغ واكتفت بتأويل لهذا التقرير لا يتماشى مع الخطوات التي يتم القيام بها بين البلدين على الصعيد الرسمي.

ما يدل على أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تغير موقفها السياسي من القضية الوطنية هو إدماجها الوضعية الحقوقية بالصحراء ضمن التقرير العام، الذي تناول الحالة الحقوقية بالمغرب، دون أن يتم تخصيص فقرة خاصة تحت عنوان «الصحراء الغربية» في تمييز بين المنطقة وباقي التراب المغربي، وقد تم تضمين الحالة الحقوقية للمغرب بما فيها منطقة الصحراء، وذلك للسنة الثالثة على التوالي، أي تزامنا مع القرار الرئاسي الذي صدر سنة 2020 الذي اعترف بمغربية الصحراء، وبكون مبادرة الحكم الذاتي هي الحل الوحيد للنزاع، بمعنى أن التقرير من حيث المنهجية التي يُصاغ بها يعكس ثبات الموقف السياسي الأمريكي من الوحدة الترابية، ولا يعكس أي تغير في الموقف الرسمي الأمريكي من المغرب ومن مؤسساته ومن الإصلاحات التي يتم القيام بها.

3-سؤال مرجعية الرصد الحقوقي؟!

لاشك أن القضايا التي تمت إثارتها كملفات حقوقية “تُسائل” المغرب هي قضايا كانت موضوع نقاش داخلي مستفيض، وهناك آراء حقوقية مختلفة حولها وحول تقييمها، وإن كان هناك اتفاق حول ضرورة تطوير الوضع الحقوقي بالمغرب بما يتماشى مع مختلف الإصلاحات التي تم القيام بها أو تلك التي يجب القيام بها تهم قضايا مرتبطة بالحقوق المدنية والسياسية، وأخرى لها علاقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أضف لها ضرورة القيام بإصلاحات تشريعية للنصوص القانونية لتكون ملائمة للاتفاقية الدولية التي صادق عليها المغرب، وإذا كانت هناك من ملفات وجب معالجتها يجب الإشارة إلى وجود قنوات مؤسساتية يمكن المرور منها لحلها، ودون الدخول في تفاصيل هذه الملفات التي أثيرت في التقرير… فإن ما يلاحظ عليه بشكل عام عندما أورد حالات لما اعتبرها قد تشكل “انتهاكا حقوقيا” فقد اعتمد فقط على ما ورد في تقارير وبلاغات لمنظمات دولية هي في وضعية “خصومة” مع المغرب الرسمي مما يجعل الاستناد عليها فقط في توصيف الحالة الحقوقية دون أن يتم إيراد موقف باقي المنظمات الحقوقية المغربية التي عادة ما تصدر تقارير حقوقية سنوية ” المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، جمعية عدالة للحق في المحاكمة العادلة، جمعية الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، إضافة للمنظمات الحقوقية والمدنية بالصحراء” يجعل من التناول الحقوقي للخارجية الأمريكية لهذه الحالات غير متزن، وفيه إخلال حقوقي يمس بجوهر التقرير، ويجعل شرط إيراد مختلف الآراء فيه ليكون متوازناً، يضمن استقلاليته وحياديته محط تساؤل جدي من طرف الفاعلين الحقوقيين، ويشكك في دواعي إيراد هذه الحالات كانتهاكات دون أن تورد موقف مختلف الأطراف والمنظمات الحقوقية الوطنية والاعتماد فقط على تقارير المنظمات الدولية فقط… وهو ما يجعل من تقرير الخارجية الأمريكية تقريراً للأسف غير حيادي،عكس وجهة نظر خارجية وحيدة أو المعنية “بالانتهاك” الذي تم طرحه، ومتبنيا لموقف تلك المنظمات الدولية التي تحركها بعض الخلفيات السياسية في علاقتها بالمغرب أكثر منها حقوقية، وهو ما يمكن أن نعيبه على تقرير الخارجية الأمريكية.

4- موقع المؤسسات الوطنية في متن التقرير:

باستثناء فقرة وحيدة أشارت لدور المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجانه الجهوية، وكذلك لدور مؤسسة الوسيط، فإن التقرير أغفل عند إيراده لبعض الحالات التي كانت موضوع تحرك قامت به هذه المؤسسات في العديد من الملفات والحالات التي أشار إليها التقرير كحالة سلطانة خايا التي سبق أن كان هناك تحرك مؤسساتي دون أن يجد هذا التحرك أثره في التقرير عند إثارته لهذه الحالة وللكثير من الحالات الأخرى.

تجاهل دور المؤسسات الوطنية التي تم دسترتها باعتبارها من مؤسسات الحكامة التي تحركت في الملفات التي أشار إليها التقرير بشكل أو بآخر وإغفال هذا الدور مع كل حالة من الحالات التي أوردها التقرير، وعدم الإشارة إلى هذا التحرك المؤسساتي عند إيراد “الانتهاك”، واستناده فقط إلى بيانات وتقارير المنظمات الدولية أو بلاغات الشخصيات المعنية، خاصة منها الانفصاليين، يجعل من التقرير، ومن طريقة تناوله لهذه الحالات وإشارته إليها، تقريرا مبتورا غير مكتمل، عكس رواية جهة واحدة دون باقي الأطراف خاصة منها المؤسساتية التي يبدو أنها يجب أن تلعب أدواراً دبلوماسية-حقوقية أكثر تأثيراً خاصة لدى بعض الجهات الرسمية الفاعلة دولياً على رأسها الخارجية الأمريكية مادام أنها تصدر تقارير حقوقية.

خلاصة عامة:

التقرير الصادر عن الخارجية الأمريكية هو في عمومه ليس بالسوء الذي أعلن عنه بعض المتفاعلين معه، هو تقرير من الناحية السياسية أكد على ثبات الموقف الأمريكي من مغربية الصحراء وسيادة المغرب على كامل ترابه، ومن الناحية الحقوقية قدم رصداً حقوقياً بعين لم تعكس كل المشهد الحقوقي ولم يبذل كاتبوه (رغم كل ما أثير من نقط إيجابية) المجهود الكافي ليكون تقريراً متوازناً، يعكس كل مواقف الطيف الحقوقي خاصة الداخلي منه مكتفيا بتقارير المنظمات الدولية، مما يجعله تقريراً منقوصاً، لا يعكس جل زوايا النظر الحقوقية، الأساسي هنا أنه تقرير قد يكون مقدمة لنقاش يجب أن يكون بين المنظمات الحقوقية المغربية المختلفة والخارجية الأمريكية لتكون تقاريرها مستقبلاً أكثر اتزاناً ووضوحاً في القراءة الحقوقية للداخل المغربي، ولتكون تقاريرها أكثر مصداقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News