جهويات

صناعة القصب بتزنيت.. حرفة يدوية متجذرة تصارع من أجل البقاء

صناعة القصب بتزنيت.. حرفة يدوية متجذرة تصارع من أجل البقاء

تعتبر صناعة القصب واحدة من أهم وأقدم الحرف اليدوية التي يعود تاريخها لمئات السنين، باعتبارها تراث عريق ارتبط بنمط الحياة التقليدية السائدة في عدد من البوادي والقرى المغربية، حيث ظهرت في وقت كانت هذه المجتمعات تفتقر إلى الوسائل العصرية والتكنولوجيا الحديثة.

وتمر صناعة هذه المنتوجات النباتية، بداية من جلب المادة الأولية من مناطق معروفة بنموها، ثم يشرع القص اب في حزم الأعواد وترتيبها قبل إزالة الأوراق ويبقي على عود القصب الذي يتم تشذيبه ونقعه بواسطة الماء ثم تركه يجف حتى يشتد ويصير جاهزا لصناعة تحف ومنسوجات فنية صالحة للاستعمال كأثاث منزلي أو لاستغلالها في الزينة.

ويروي حميد.ن، الذي استقر بمدينة تزنيت منذ نحو 22 سنة، في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه تعلم الحرفة من أخيه الذي أخذها هو الآخر عن والده، غير أنه يتحسر على ما آلت إليه هذه الصناعة من اندثار بعدما عرفت تراجعا ملحوظا بسبب منافسة الصناعة البلاستيكية.

بيد أن حميد، وبالرغم من الانتشار الواسع للصناعات البلاستيكية في هذا المجال، يرى أن المنتوجات اليدوية المنسوجة من القصب ماتزال تحظى بالإقبال عليها من طرف السياح الأجانب، وكذا المغاربة ممن يتشبتون بإرث الأجداد وعبق التاريخ الذي يفوح من مختلف هذه المصنوعات اليدوية العتيقة.

وتحتاج صناعة القصب إلى كثير من الجهد البدني والصبر، ففيها من الإبداع، بقدر ما فيها من الصعوبة، وفي أحيان أخرى تدمي اليد، إذ يتفنن نجيب ن، بتركيز كبير، في تطويع وشبك الأعواد الصلبة حتى تتخذ الشكل الهندسي الذي رسمه في مخيلته وجارته يداه في صنعه، ثم إضفاء لمسته الفنية عليها في مرحلة أخيرة.

من جهته، يقول نجيب شقيق حميد، إن هذه الحرفة التي امتهنها منذ ما يزيد عن 15 سنة، باتت جزء من حياته وتعد مورد رزقه الوحيد الذي يؤمن له معيشة كريمة في مواجهة أعباء الحياة التي تزيد يوما بعد يوم.

وعن كيفية تطويع القصب لصناعة منتوجات قصبية، يقول الحرفي، إنها تتم عن طريق عملية لف الأعواد المشذبة، والظفر بشكل مستمر، انطلاقا من قاعدة المنتوج، ثم بعد ذلك شبكها وتثبيتها حسب اتجاه الشكل المراد صنعه باستخدام أدوات مثل السكين والمقص وغيرها من اللوازم الهندسية التي يمكن أن يستعين بها في عمله حسب الحاجة.

ويورد في حديثه بأن هذه”الصنعة” تشغل في كل ورشة يدا عاملة لابأس بها، غير أن المنافسة التي باتت تواجهها من قبل المنتوجات البلاستيكية، فرضت تقليص عدد المشتغلين، وفي بعض الأحيان يمكن أن يقتصر الأمر على صاحب الورشة، وهو ما يشكل في نظره عاملا مساهما في توجه هذه الصناعة نحو الانقراض إذا لم يتم تثمينها وإيلائها العناية اللازمة التي تستحقها.

ويذكر الحرفي، على سبيل المثال لا الحصر، عددا من المنتوجات القصبية التي يبدع في تشكيلها إما كتذكارات وهدايا معدة مسبقا أو حسب طلب ورغبة الزبون بما في ذلك السلال المخصصة للخبز أو تلك التي تستعمل كخلايا للنحل.

كما تشمل هذه المنسوجات الكراسي والسواتر، وأقفاص الطيور والحيوانات الأليفة، وحتى “الديكورات” المنزلية أو الطاولات والأكواخ الصغيرة، إلى جانب الباجورات، والمزهريات القصبية، وكذا المنتوجات الخاصة التي يستعملها الباعة لعرض سلعتهم في الأسواق من ملابس وأحذية وغيرها.

وعن مشاركته في بعض المعارض التي يتم تنظيمها، يقول حميد، إنها تعتبر متنفسا وتشجيعا له للمحافظة على هذه الحرفة من الانقراض لأنها تعبر عن أصالتها وتعكس مدى التشبت بتاريخ الأجداد الذي لا يجب التفريط فيه.

ورغم صراعها من أجل البقاء، على قيد المنافسة، لاتزال الصناعة القصبية تحظى باعجاب الكثيرين، ممن تستأثرهم التحف ذات الطابع الخاص التي تزيد رونقا وجمالية متأصلة على مساكنهم تشبه البيوت المغربية القديمة والأصيلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News