حوارات | فن

صاحبة “يما كنتي ظهري”: الأغنية إهداء لأبي على تضحياته وكتبتها بالدموع عندما رأيته ينهار

صاحبة “يما كنتي ظهري”: الأغنية إهداء لأبي على تضحياته وكتبتها بالدموع عندما رأيته ينهار

حظيت صاحبة أغنية “يما كنتي ظهري”، الفنانة الصاعدة لبنى برياق، خلال الأسبوع المنصرم، شهرة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما انتشر لها فيديو رفقة والدها وصف بـ”العاطفي”، ينقل حديثهما حول تضحيته من أجلها في سبيل استكمال دراستها، حيث إنه ذرف الدموع.

لبنى برياق، التي تشتغل مخرجة ومغنية، تسرد، في حوار مع جريدة “مدار21″، تفاصيل هذا العمل الذي صاغت كلماته من القلب، ولقي استحسان الجمهور، وتنقل لنا قصة تعلّقها بوالدها.

بداية، كيف راودتك فكرة إصدار هذه الأغنية؟

وأنا جالسة لوحدي أتأمل وضع والدي الحبيب الذي أصابه المرض، وتحولت هيئته وتبدل حاله. رأيت في عينيه حكايات حزينة، وخيبة أمل، وظهرت فجأة في جسده علامات الزمن. منذ أن علمت بمرضه انكسر قلبي، أبي الذي كانت كلماته وتضحياته ونظرته الثاقبة تزودني بالقوة، وتشعرني بالطمأنينة، رأيت في عينيه كلاما كثيرا لا يستطيع البوح به، وعلمت بأن بعض الظروف كان لها وقع كبير على وجدانه، ولم يظهر ذلك إلى أن تسلل إليه المرض. كنت خائفة جدا من فقدانه وأبكي بحرقه عليه، فهو أبي وصديقي الذي يجالسني ويناقشني ويستمع إلي برحمة وتفهم.

وعندما شعرت بالموت يقترب من بيتنا، وبدأت أرى والدي ينهار، لم تقف الدموع، وتملكني الأسى لحاله، لأني أرغب في أن أعوضه ولو عن جزء صغير من التعب الذي تجشمه من أجلي. رغبت في إسعاده، ووجدت أن الزمن يداهمني، وإن كنت أعلم أنه لا ينتظر شيئا، ولا يرغب في شيء سوى نجاحي وسعادتي، فهذا بالنسبة له هي سعادته، وذلك هو نجاحه، فجاءت كلمات الأغنية من عمق كياني، حيث إنني تذكرت طفولتي، وذكرياتنا، وكيف علمني يوما فن السباحة كي لا أغرق، وأنا أبكي أكتب وأكتب، وخرجت هذه الأغنية بألحانها. أكتب الكلمات وأنا أغنيها، هكذا راودتني فكرة الأغنية، اغتالتني وأحيتني من جديد.

ماذا يمثل لك والدك؟

أبي علمني أمورا كثيرة، وساندني في أوقات عصيبة وآمن بي. أتذكر جيدا عندما حصلت على نقطة ضعيفة جدا في الامتحان الجهوي لسنة أولى باكالوريا (3.95)، وكانت صدمة لي ولعائلتي الصغيرة، إذ كان أبي يعتبرني أمله الوحيد بين أبنائه السبعة من حيث إتمام الدراسة، لأن إخوتي وأخواتي لم يستطيعوا تجاوز سلك الإعدادي. وكان أبي يحلم في طفولته بتسلق سلالم العلم، وأن يصبح أستاذا، لكن ظروفه لم تساعده لتحقيق حلمه، فكان يرى في اجتهادي الدراسي أمله، لكن في الامتحان الجهوي لم أستطع التركيز نظرا لخضوع أمي لعملية في القلب بالتزامن مع فترة الامتحان. ولأني كنت قد حصلت على معدل جيد في المراقبة المستمرة، فالإدارة المدرسية لم تسمح لي بالاستدراك، هكذا انتقلت إلى السنة الثانية باكالوريا، والجميع يقول لي إنه من المستحيل أن أحصل على شهادة الباكالوريا بسبب ضعف نقطة الامتحان الجهوي، لكني لم أستمع للمحيط، ولم أستسلم، وآمنت بأني أستطيع، كان طموحي كبيرا، وكان لابد لي أن أنجح، فذلك ما حصل تماما، نجحت بالفعل، وحلم الباكالوريا أصبح واقعا حقيقيا.

قال لي أبي يوما: لقد أضأت مصباحا في قلبي وعقلي كان قد انطفئ منذ سنين مضت. وبما أني كنت أحب الكتابة ومجال الإعلام والفنون والسينما، كان طموحي حينها دراسة الصحافة، لكن لم يكن لدي المعدل الكافي لولوج المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، فقررت أمي وأبي دعمي لتحقيق طموحي ورغبتي، رغم عدم توفرهم على الإمكانيات المادية، بولوج معهد خاص للصحافة والإعلام بطنجة، فقام أبي باقتراض المال لأداء مصاريف الدراسة به.

هكذا بدأ مشواري، وكنت أدرس وأشتغل في آن واحد، فحصلت على دبلوم تقني متخصص في الصحافة والإعلام سنة 2012، ثم بعدها درست القانون باللغة العربية في جامعة عبد المالك السعدي، حيث حصلت على شهادة الدراسات العامة في القانون سنة 2015، ثم التحقت بسلك الإجازة المهنية في الدراسات السينمائية والسمعية البصرية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمارتيل، وبعد تفوقي في دراسة الإخراج التحقت بسلك الماستر المتخصص في السينما الوثائقية، وتفوقت فيه سنة 2020.

هذه السفينة التي ركبتها، وسافرت بها في بحر النمو والتقدم والنجاح كان وقودها أمي وأبي، محبتهما غير المشروطة، وتفهمهما الكبير لرؤيتي في الحياة، وثقتهما في وفي قراراتي، إلى جانب دعمهما المستمر لي، ماديا ومعنويا، وبالرغم من الظروف الصعبة، كان الحب غالبا، وصادقا، وحقيقيا وأقوى من كل التحديات.

ما رسالتك من خلال هذه الأغنية؟

هذه الأغنية قبل كل شيء إهداء لأبي، فهي تحكي عنه وعني وعن بيتنا، انهمرت فيها دموعي كشلال على شكل كلمات تنطق بإحساسي تجاهه، وتحكي عن حبي وتقديري وامتناني له، وأعترف من خلالها بفضله علي ورغبتي في إسعاده. قصتي وأغنيتي هذه ينبع صدقها من روحي، هذه الروح هو مصدرها ومصدرنا جميعا.

ورسالة الأغنية تكمن في أهمية توطيد العلاقة مع آباءنا، واحتوائهم بالمحبة والعطف والحنان والكلمة الطيبة التي تشفي هموم السنين، وتخفف مخاوفهم، وتهون عنهم أثقال الدنيا وما فيها من أوهام. فالكلمة الطيبة شفاء، وإن لم يكن الأب يتكلم وإن كان قاسيا، علينا نحن الأبناء، وخاصة عندما يكبرون في السن، أن نبادر، ونقبل أيديهم ونطمئنهم، ونعانقهم ونطبطب عليهم، ونواسيهم ونساعدهم في المسؤوليات، ونشاركهم همومهم ونستمع إليهم بإمعان، هذه هي رسالتي.

محبة الوالدين والإحسان إليهما واجبان، فهم بحاجة لذلك، وإن لم يطلباه. رسالتي تكريم للأب وتذكير لنا بدوره المهم في حياتنا، وكذلك تكشف معاني الحب الصادق غير المشروط للأب، وتبرز عطاءه الكبير لأبنائه، الذي لا يمكننا إلا أن ننحني أمامه، شكرا وامتنانا لله وله.

كيف كانت الأصداء التي وصلتك بعد انتشارها؟

قبل نشر الأغنية كنت خائفة بعض الشيء، لم أكن أعلم كيف سيكون تفاعل الجمهور معها، لكن لم يهمني كثيرا ذلك، لأن غايتي كانت هي إسعاد أبي، والاعتراف أمام الجميع بحبي الكبير له. أعجبته الأغنية، وهذا كان مرادي، وعندما تفاعل الجمهور معها ووصلهم إحساسنا أنا وأبي، وكانت دعواتهم له تطغى على التعليقات، فرح كثيرا بذلك، وسعدت لفرحه، هذه الأغنية حررتني، وحررت أبي، وأتمنى أن تصل رسالتها وصدقها للجميع.

ما قصة الفيديو الذي شاركته عبر حسابك بالانستغرام مع والدك والذي حظي بإعجاب واسع؟

بعدما أنهيت تسجيل الأغنية، فكرت في أن أفاجئ أبي بسماعها، لم أخبره بأني سأسمعه الأغنية حينها، بل كنت أصور معه حوارا عن أشعاره وعن حياته وقصته مع كتابة الشعر، التي بدأت بعد نجاحي في الباكالوريا، حكى لي عن ماضيه وعن أجداده وأمنياته وأحلامه، ثم قلت له في أثناء تسجيل الحوار: “لقد ورثت منك يا أبي فن الشعر الذي كان مدفونا فينا”، سجلت معه أشعاره وقصصها، ثم قلت له: “كتبت قصيدة لك وأريد سماع رأيك فيها”، فأطلقت الأغنية وبعد انتهائها جلست أمامه لأحكي له ما في جعبتي من شكر وامتنان عن ما قدمه من أجلي من تضحيات، كانت لقطة عفوية وصادقة مليئة بالمحبة، ووصلت تلك المشاعر إلى الجمهور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News