رياضة

“مؤامرة” ضد “الأسود” بالمونديال.. كيف تحوّلت هزيمة لـ”بارانوية” جماعية أصابت مغاربة؟

“مؤامرة” ضد “الأسود” بالمونديال.. كيف تحوّلت هزيمة لـ”بارانوية” جماعية أصابت مغاربة؟

بعد الهزيمة التي مُني بها المنتخب المغربي أمام نظيره الفرنسي، في نصف نهائي كأس العالم قطر2022، استفاق المغاربة على صدمة ضياع حلم الوصول إلى نهائي كأس العالم للمرة الأولى في التاريخ. وبالرغم من أن الوصول إلى المربع الذهبي يعتبر إنجازا تاريخيا مهما، إلا أن طموح الجماهير فاق التوقعات ما جعلها تنزاح نحو نسج سيناريو مكتمل الأركان عن مؤامرة مخطط لها لوقف زحف الأسود نحو الكأس الذهبية.

في ظرف وجيز، عجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالعديد من الشائعات والتأويلات التي ذهبت إلى أن المنتخب المغربي تعرض لمؤامرة، لا سيما إثر الأخطاء التحكيمية التي تعرض لها، أمام المنتخبين الفرنسي والكرواتي، وتداولت أخبار حول تواطؤ “الفيفا” مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أجل ضمان انتصار منتخب “الديكة”، إضافة إلى تأويلات حول رغبة قوى خفية في منع المنتخبات الإفريقية والعربية من الوصول إلى الأدوار المتقدمة.

سيكولوجية الهزيمة والفشل

عادل الحساني، الباحث في علم النفس الاجتماعي، فسر في تصريح ل”مدار21″، أسباب انتشار الإيمان بنظرية المؤامرة بين صفوف الجماهير المغربية، رغم الإنجاز التاريخي بالمونديال، مؤكدا أن “السبب هو أننا لم نعتد على الفوز أو الوصول إلى هذا المستوى، لأننا اعتدنا على الفشل، وقد لاحظنا كيف أن الفرق الأخرى التي كانت معتادة على الوصول إلى المربع النهائي وأدوار متقدمة ضمن المنافسات كانت لجماهيرها ردود فعل مختلفة عن الجماهير المغربية، حيث كانت ردود الفعل عقلانية ومتوازنة، في أن الجماهير المغربية كانت ردة فعلها لجماهير لم تعتد أن فريقها يوجد ضمن الأدوار المتقدمة”.

وأضاف الحساني أن “هذا الأمر لا يمكن أن نستنتج منه أننا متخلفون أو متقدمون، الأمر مرتبط بأننا لم نعتد، مضيفا أن “كرة القدم في آخر المطاف عملية صراع، بالرغم من أنه رمزي ورياضي وودي وقائم على الروح الرياضية، وبالتالي فإن الطرف الذي لم يعتد الفوز يكون قابلا لأي فكرة إيحائية “تؤسطر” النقاش وتدخل عليه مفاهيم سحرية وخرافية، بما فيها نظرية المؤامرة الغامضة”.

وقال الباحث في علم النفس الاجتماعي أن “هذه النظرية من السهل أن تستنتج منها حكم يظهر في سطحه أنه عقلاني لكن في عمقه ومضمونه غير مبني على معطيات واقعية وعقلانية، مثل القول بتعرض المنتخب لتآمر الحكم والفيفا والقوى العظمى”، مضيفا أن هذه “الأحكام في الغالب تستند على أحكام قليلة ومختزلة وبالتالي تتسرع الجماهير في إصدار حكم وهو حكم الضعيف غير المعتاد على جمع المعطيات العقلانية”.

وتابع المتحدث نفسه أن “جماهير الفريق الكرواتي أو البرتغالي كانت تشتغل هي الأخرى بالأسطورة، على اعتبار أن صعودهم إلى الأدوار المتقدمة لم يبدأ إلا في العشرين سنة الأخيرة، وكانوا يؤمنون بنظرية المؤامرة وأن هناك من يريد حرمانهم إلا أنهم مستجدين على المنافسة، ولكن بعد اعتيادهم المشاركة بدأوا في استجماع العوامل العقلانية”.

واستحضر الحساني أن “الأمر نفسه بالنسبة للمنتخب الإنجليزي، وهو منتخب كبير اعتاد لعب الأدوار النهائية بشكل اعتيادي، تقبلت جماهيره الخروج المبكر من المونديال، والأكثر من ذلك أنه على العكس من منتخبات بلجيكا وإسبانيا والبرتغال قرروا الاحتفاظ بالمدرب والطاقم التقني للفريق، لأنهم يستحضرون العديد من المعطيات العقلانية، التي منها أداء المنتخب في الفترة الأخيرة وتواصل المدرب وجودة اللاعبين وغيرها من المعطيات العقلانية”.

مفاجأة للجماهير المغربية

وأضاف عادل الحساني في إفادته ل”مدار21″ أنه مثل هذا الحكم “ناتج عن حسبة معقدة تستحضر مختلف الجوانب، لكن ما جعل الجماهير الإنجليزية تنجح فيها هي فشل جزء من الجماهير المغربية، هي أنهم يعتقدون بأن الإنجازات المنتظرة في المستقبل قريبة بالنسبة لهم بالنظر إلى ما يمتلكونه من مؤهلات، في حين أن الجماهير المغربية تفاجأت بجودة المدرب واللاعبين، وأيضا تفاجأت من هذا الإنجاز الكروي الذي لم يكن يخطر ببال أي أحد”.

ويشير الحساني إلى أنه “لحظة الحرمان من الوصول إلى نهائي كأس العالم، الذي أصبحت طموحا مفاجئا، فعلت آلية التعلق بشكل مفاجئ بعدما أصبحت الجماهير تؤمن بأننا قادرون وأنه لم يعد يفصلنا سوى مباراتان، وبالتالي فهذا التعلق المفاجئ ناتج عن التخلص من وضع منحط ومزري وتحول الطموح إلى الرغبة في الظفر بكأس العالم، والفرق بين ما كنا نتوقعه وبين ما حصل، ما جعل جهازنا النفسي يوحي لنا بمتخيلات، حسب تعبير جاك لاكان، والتي من السهل أن تبدو أنها حقيقية”.

وفسّر الحساني أسباب المفاجأة أن “المدة الفاصلة بين كل مباراة وأخرى قليلة، أقل من أسبوع، وبالتالي لم نجد فيها الوقت الكافي من أجل التحليل والنقاش حول كيف وصلنا”، مضيفا أن كامل التبريرات كانت غامضة ومنها النية، في حين لا يتم الاستماع للأسباب العقلانية التي يقدمها المدرب، حيث تم الاكتفاء بالتقاط مفهوم “النية” في حين لم يتم التقاط باقي الجزئيات، واستمعت الجماهير إلى أننا يجب أن نحلم لكن لم تستمع إلى أن ذلك تم الاشتغال عليه، ورأينا أن مونديال الأمهات وبر الوالدين ولكن لم نر أن اللاعبين يؤكدون أن الوصول عادي وأنه بفضل الاشتغال الذي كان في المستوى”.

“بين النية وقلة النية”

ولفت إلى أن ذلك تم لحظة الهزيمة تحولت “النية” إلى قلة “النية” ما أدى إلى انفعال الناس بطريقة كبيرة، بعد أن اعتبروا أن هزيمة المنتخب ليست بسبب القوة المحدودة للمنتخب، بل لمجموعة من الأسباب منها فساد الجامعة، مع العلم أنها كانت من العوامل الاستراتيجية الأساسية لنجاح المنتخب، لكن أصبح محط اتهامات بالفساد وأنها تبيع التذاكر وغيرها وتم تبخيس مجهوداتهم ونتائجهم وتواصلهم.

وبخصوص تفسير انتشار هذه النظرية بسبب الأخطاء التحكيمية، قال الحساني إن هذه الأخطاء تقع في المعتاد، والأكثر من ذلك أن حتى المنتخبات المنافسة تعرضت لأخطاء تحكيمية، وقد لاحظنا كيف أن المنتخبين الفرنسي والكرواتي ارتكبت في حقهم أخطاء تحكيمية خلال المقابلتين الأخيرتين اللتين جمعتا المنتخب المغربي بهما.

وأضاف أن هناك تأثر للحكام بالنجوم العالمين، وأن ذلك كان لحساب المنتخب المغربي أحيانا، ذلك أن اللاعبين أشرف حكيمي وحكيم زياش استغلا نجوميتهما لصالح المنتخب وهذا إيجابي لأن هذه لعبة فيها صراعات، وحين يتم استثمار مثل هذه الأمور لصالحنا لا ينبغي أن نحتج إذا استثمرها الخصم لصالحه، ذلك أم الحكم الذي أدار لقاء المغرب ضد كندا تأثر بشكل كبير بنجومية لاعبي المنتخب الفرنسي.

“بارانوية” جماعية 

ونفى الحساني أن تكون هذه المعطيات سببا كافيا للحكم بفساد الفيفا وحكم المباراة، مشيرا إلى أن الجماهير المغربية لا تستجمع المعطيات بشكل جيد، وهو ما يسميه على النفس المعرفي وعلم النفس الاجتماعي ظاهرة “الانحياز المعرفي”، فأنا أنتمي لوطن ولعلم معين فأنا دائما مستهدف، ما يشكل نزعة بارانوية جماعية، ما يجعلني دائما إما أنا الضحية أو البطل.

وأورد المتحدث أنها “نزعة طبيعية ومتناسبة مع المرحلة، غير أن الإشكال يتعلق بقيادة الرأي العام في الإعلام ومن طرف الجامعة والمدرب واللاعبين، يجب عليهم جميعا أن يوصلوا للجماهير المعطيات كما هي”، مضيفا أن الركراكي “أنقذ النفسية الجماعية للمغاربة وأوقف نزعة البارانوية عند حدها، بتأكيده أنه لن يختبأ وراء التحكيم، وهذه الجملة أعادت التوازن لملايين من الجماهير، لأن تبرير الهزيمة بالتحكيم حجة الضعفاء”.

وشرح الحساني كيف أن “الجماهير المغربية تؤمن أن المنتخب المغربي تعرض لمؤامرة من طرف البرازيل سنة 1989 لكن هل كان المنتخب البرازيلي معني بالمنتخب المغربي وأن يلعب بشكل جيد ليهزم المنتخب النرويجي، لأنه ليس من المفروض عليه أن يتكبد العناء من أجلنا، ذلك أن المنتخب البرازيلي دائما ما يتهاون في المباراة الثالثة عندما يكون ضامنا للتأهل، وقد رأينا أن انهزم أمام المنتخب الكاميروني بمونديال قطر2022”.

وأضاف الحساني أنه خلال تلك الفترة انخرط الجميع في الترويج إلى أننا تعرضنا لمؤامرة، بمن فيهم اللاعبين والمسؤولين والإعلام، الأمر الذي جعلنا نصاب بخمول استمر لـ24 سنة، حيث تم الترويج لخطاب المظلومية، في حين لم يعد هناك اهتمام بالعمل ولا بالمعطيات الواقعية، وهذا الأمر لم يسقط فيه المدرب الركراكي لحسن الحظ.

وأورد أنه في 2018 تعرض المنتخب المغربي لظلم بسبب تقنية الفار، لكن الأمر لا يمكن أن يفسر على أنعه مؤامرة لأن الفريقين المنافسين لم يتقدما كثيرا في المنافسة ولم يبلغا النهائي، والأمر نفسه خلال مونديال 2022، فلو كانت الفيفا تآمرت علينا لتفوز فرنسا فقد رأينا كيف أن النهائي كان من نصيب المنتخب الأرجنتيني.

تأثير نجاح المنتخب

في المقابل، يشدد الحساني على أنه يجب أن نقبل بطبيعة المجتمع المغربي، الذي يضم فئة كبيرة غير متعلمة، وفئة مهمة منه تتعامل بـ”النية”، ليست بوجهها المرتبط بالثقة في خدمات المنتخب بل بوجهها المرتبط بالسذاجة، ذلك أن المغاربة يصدقون بسرعة ما يقال، موضحا أن هناك نية الإنجاز كما هناك كذلك نية السذاجة.

وأضاف أن الركراكي بنى “النية” التي طلبها منا الناخب الوطني وليد الركراكي متأكد منها وقد بناها على كثير من المعطيات التي هو متأكد منها، ولكن “النية” التي طلبها منا عدد من موجهي الرأي العام غير مبنية على أية معطيات، مضيفا أنه حتى لا نكون متطرفين في العقلانية فالجامعة احتجت على المستوى التحكيمي الذي يجب أن يتم تطويره لكن لا يمكن أن نستمر في الحديث عن التحكيم أو أن هناك إمكانية لإعادة المباراة.

وأكد الحساني نريد من كرة القدم ليس فقط أن نربح فيها، بل نريدها أن تؤثر في وعينا وتطوره، وأن نأخذ منها الإلهام في المجالات الأخرى، وبالمناسبة الأمر جيد لحدود اللحظة، ذلك أن الخطاب الذي تعتمده الجامعة عقلاني ومتواصلة وعقودها فيها تقدم، والنتيجة الكروية الحالية كانت مبنية على اشتغال إداري مهم وتقني.

وأورد أن المستوى الرياضي مؤشره في تصاعد، لكن يجب أن يوازيه تصاعد في مؤشر الفهم، مضيفا أن الأمر يمكن أنه سيستغرق مدة ليتم فهمه بصورة جيدة، ويلزمه تضافر جهود جميع الفاعلين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News