رأي

طوطو وزليج المغرب.. من زرع الريح حصد العاصفة

طوطو وزليج المغرب.. من زرع الريح حصد العاصفة

كان عبوري لأول مرة نحو أكادير غشت 1990 وأنا ألتحق بالجامعة، والحافلة تعبر من على وادي أيت أمر قرأت فوق قنطرته “وادي أيت أمر”. بعد ذلك العبور بسنوات، ستختفي أيت أمر وتنبت مكانها تامري، ودون أن يرف له جفن، عرّب مهندس العملية اسما عريقا لقبيلة عريقة من قبائل إيحاحان المصامدة؛ كما عربت أغلب أسماء الأعلام الجغرافية والبشرية لهذه الرقعة من الأرض، التي يريد أولو الأمر لقاطنيها أن يكونوا أي شيء إلا أنفسهم.

ولفرط جهل من تجشموا عناء مسخ الهوية البصرية للمغرب، نحتوا أسماء غريبة؛ فأضحت إمي ن أوكادر فْمّْ الحصن التي تحولت بالتداول إلى فم لْحْسْنْ، دون أن يعلم الناس من هو هذا لْحْسْنْ وما الذي يميز فمه عن باقي الأفواه حتى يستحق أن يختار رمزا للإحالة على منطقة بصمت وتبصم ماضي المغرب وحاضره.

وإبان تعميم الحالة المدنية، يقف أحدنا أمام الموظف فيسأله عن كنيته، يجيب بكنية منحوتة باللغة الأمازيغية وبمرجعية ثقافية أمازيغية، فيصبح بجرة قلم جائرة يحمل اسما عائليا غريبا عنه، والنماذج بمئات الآلاف.

يلج ابن دوار من دواوير المغرب العميق المدرسة أول مرة، فيجد أمامه لغة غريبة غير لغة أمه، ويفتح مقرر التاريخ فيتفاجأ بأول درس في التاريخ يحدثه عن شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، ينتقل إلى الجغرافيا فيتفاجأ بصور قصبات يمر من أمام بوابتها كل لحظة وحين، ويتمعن في نقوشها، تلحق بالمعمار العربي الإسلامي أو الأندلسي، يكبر ذاك التلميذ فتكبر أسئلته وتؤرقه، كيف يعقل أن يظلم جده العاشر، الحرفي البارع في النقش على الخشب وبناء القصبات ويجرد من ثمار إبداعه العمراني، وهو من نقلها إلى الأندلس من دواوير مملكة مراكش في القرن الثامن، وليس العكس؟

يلتحق ذاك التلميذ بالكلية، فيجد أمامه شعبا تتحدث كل لغات العالم وتدرس كل ثقافات وفنون العالم إلا فنون أمه الوضيعة حسب أولي الأمر، يتفاجأ بتفريخ شعب للدراسات الإسلامية والشريعة وإغلاق تخصصات الفلسفة والعلوم الحقة، يتخرج حاصلا على إجازة في الفيزياء بميزة مشرفة فلا يجد عملا، بينما أبناء جيرانهم ممن اختاروا الشعب المحدثة بداية التسعينيات لا يعرفون طعما للعطالة.

يستمع لقصائد شعراء وفناني الدوار فيستغرب كيف لا يعرفون طريقا للإعلام ولا تعرف نصوصهم سبيلا إلى المناهج الدراسية، كيف لا يكرمون، لماذا يهمشون، ولا يجد أسماءهم في المهرجانات وهم يبدعون الروائع بلغة البلد التليدة؟

يتفحص برامج المهرجانات والندوات والملتقيات الثقافية، يصعق من هول الانحدار والاندحار المزمن نحو الحضيض، نصوص أغان تروج للتفاهة، نجوم مصنوعة من الورق تنشر الضحالة، أشباه مفكرين يحاضرون في منافع الحجامة والحبة السوداء ودلالات رقم معين في نص ديني، يفتح التلفزيون والمذيع يقدم الأخبار، يصعق مرة أخرى، يا لهول ما رأى، علم النشرة وضيف الظهيرة نجم “تيك توك” ما قدم للأرض والإنسان شيئا فاختار من اختار أن يجعله قدوة…

فلا تلوموا طوطو، ولا تنزعجوا للسطو على زليجكم، فمن زرع الريح حصد العاصفة. لقد اقتلعتمونا من جذورنا طيلة عقود، وسلطتم علينا برامج النسخ الهوياتي؛ فما يضيركم أن نكون أنفسنا، يا سادة؟ فنحن مغاربة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News