بعد عروض “مخيبة” للآمال.. فيلم “علي صوتك” ينال إشادات واسعة وينافس بقوة بمهرجان طنجة

دخل فيلم “علي صوتك”، الذي يغوص بشكل خاص في عوالم شباب متشبعين بالأمل وعاشقين لموسيقى “الهيب هوب”، اليوم الثلاثاء، المنافسة الرسمية للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، وذلك بعد مشاركته في العديد من المهرجانات الدولية.
وحظي فيلم “علي صوتك”، للمخرج المغربي نبيل عيوش، والذي عرض بقاعة “روكسي”، بإشادات النقاد السينمائيين في أثناء المناقشة، عادين إياه منافسا “قويا” ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان، خصوصا عقب عدة عروض كانت “مخيبة” للآمال، وفق ما أكده مجموعة من المتتبعين للجريدة.
الفيلم يبرز الوجه الآخر لشباب “سيدي مومن”
في هذا الإطار، قال الناقد السينمائي عبد الكريم وكريم، إنه بالرغم من أنه قد يقع الاختلاف بعض الأحيان في الحكم على بعض أفلامه سينمائيا وفنيا، إلا أن المخرج نبيل عيوش يختار مواضيعه بعناية، وتكون على علاقة بشرائح اجتماعية مهمشة في الغالب، ويركز على ظواهر اجتماعية.
وأضاف واكريم، أن فيلم “علي صوتك” استمرارا لفيلم “ياخيل الله” (2012)، للمخرج ذاته، حيث تطرق فيه لحادثة إقدام مجموعة من الشباب المنتمين لحي “سيدي مومن” الفقير جدا بالدار البيضاء على تفجير أنفسهم في أماكن سياحية بالمدينة، إذ تابعهم وهم لا زالوا صغار السن إلى أن وصلوا إلى مرحلة الشباب، مبرزا أن أوضاعهم الاجتماعية البئيسة، ومستواهم الدراسي المتدني، جعلهم لقمة سائغة في أيدي الجماعات المتطرفة التي ستصنع منهم أداتها لمواجهة النظام.
وأشار المتحدث نفسه إلى أن فيلم “علي صوتك” سيقود نبيل عيوش إلى الحي نفسه، ليكشف عن “نماذج من الشباب مخالفة تماما لأولئك الذين شاهدناهم في فيلمه “ياخيل الله”، شباب رغم أنهم يعيشون الظروف الاجتماعية ذاتها لشخوص فيلمه السابق، غير أنهم اختاروا طريقا آخر مخالفا، وهو طريق الفن ليواجهوا به هذا الواقع البئيس، وذلك من خلال ممارستهم لفن الراب و”الهيب هوب”.
ممثلون “هواة” بأداء متميز
وعن أداء الممثلين الشباب الهواة في الفيلم جيدا، أكد الناقد واكريم، في تصريحه للجريدة، أن نبيل عيوش اشتغل معهم طويلا ليبصموا على أداء متميز، وسبق له أيضا في أفلام سابقة أن اشتغل بالطريقة عينها مع ممثلين يقفون أول مرة أمام كاميرا سينمائية.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن عيوش أتى بأشخاص يمثلون حيواتهم الشخصية، ويؤدونها كما هي في الواقع مثل ما حصل في فيلم “علي زوا”، مردفا: “يبدو أن هذا مافعله هنا في “علي صوتك”، لذلك جاءت أحاسيس الشخصيات المُعبر عنها صادقة، ووصلت للجمهور بشكل غير متكلف أو فيه ادعاء”.
ويتجلى اشتغال المخرج عيوش أيضا مع الممثلين، حسب الناقد السينمائي واكريم، في المشاهد الراقصة التي كانت من أجمل ما جاء في الفيلم وأهمه، حيث أضحت لغة الجسد مُعبرة عن الثورة عن الواقع “القامع” و”الضاغط” على كاهل الشخصيات الشابة، وأكثر مما يمكنهم تحمله من مجتمع يقمع طموحاتهم ويريد مصادرتها، وكبح جماحها.
لكن، وفي المقابل، يرى المتحدث نفسه أن الفيلم تعتريه بعض العيوب؛ وتكمن خصوصا في “الخطاب المباشر المبالغ فيه طيلة لحظات الشريط، بحيث نسمع باستمرار ما كان يجب أن يُنقل بالصورة، إضافة إلى “الثرثرة الزائدة” على حساب ماهو سينمائي وبصري”.
بصمة عيوش واضحة
الناقد السينمائي واكريم يؤكد أن فيلم “علي صوتك” استمرار واضح لمسار المخرج نبيل عيوش، حيث إنه يحمل بصمته التي لا تخطئها عين المتتبع، سواء من حيث الثيمات المتناولة، أو من حيث شكل تناولها وأسلوبه.
وشدد المتحدث ذاته على أن تجربة عيوش استحقت منذ مدة أن تتوج بالحضور في المحافل السينمائية الدولية صحبة خيرة من الأسماء في الإخراج السينمائي العالمي.
وخلص بالقول “إن نبيل عيوش يستحق انطلاقا مما أنتجه في مساره السينمائي لنفسه، وما أنتجه أيضا لغيره، أن يكون تلك القاطرة التي قد تجر السينما المغربية للعالمية وللحضور في المحافل الدولية المهمة.
يذكر أن أحداث “علي صوتك” تدور حول أنس، الشخصية الرئيسة في الفيلم، الذي يؤطر ثلة من الشباب والفتيات والفتيان، الذين يمثل فن “الراب” شغفا حيويا لهم، شباب يخرجون ليعلنوا للعالم عن رغبتهم في التغيير، متسلحين بهذا النمط الغنائي.
واختار عيوش فن “الهيب هوب”، في عمله الجديد الذي أنتجه عام 2021، لأنه وسيلة للتعبير عن التطلعات والأحلام والغضب، وقبل أن يكون فنا، فهو ثقافة.
ويبدو أن حي سيدي مومن يشكل مصدر إلهام للمخرج نبيل عيوش، إذ صور فيه مشاهد من فيلمه “علي زاوا” عام 1999 عن قصة أطفال مشردين، إضافة إلى تصوير فيلمه “يا خيل الله” سنة 2012، المستوحى من رواية للكاتب ماحي بينبين، حول تطرف الانتحاريين الاثني عشر الذين نفذوا تفجيرات دامية في الدار البيضاء عام 2003، وخرجوا بمعظمهم من ذلك الحيّ.
ويشار إلى أن فيلم “علي صوتك” (102 دقيقة)، مثل المغرب في المسابقة الرسمية للدورة الـ74 لمهرجان “كان” السينمائي، وحاز فيه جائزة السينما الإيجابية، وفاز نبيل عيوش أيضا بجائزة “أفضل إنجاز في السينما”، عن مجموع مساره الفني، والتي منحتها إياه المنظمة الإنسانية “يونيون-لايف إنترناشيونال”.