صحافة وإعلام | فن

الصفحات الإخبارية الفنية.. بديل ينافس الصحافة المهنية أم يغرّد خارج السرب؟

الصفحات الإخبارية الفنية.. بديل ينافس الصحافة المهنية أم يغرّد خارج السرب؟

برزت، في السنوات الأخيرة، صفحات إخبارية على مواقع التواصل الاجتماعي كالفايسبوك والإنستغرام، حيث تنشر الأخبار والموضوعات، وكل ما هو جديد في الساحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكذا الفنية.

وتحظى الصفحات الإخبارية الفنية، التي يشرف على تسييرها شخص أو مجموعة من الأشخاص، على مواقع التوصل الاجتماعي، وتهتم بنشر أخبار الفن والمشاهير على مدار اليوم، بمتابعة كبيرة وتفاعل واسع، متفوقة، في بعض الأحيان، على عدد من المواقع والجرائد الإلكترونية.

هذا الحضور القوي واللافت لهذه الصفحات يطرح العديد من التساؤلات، أهمها: هل أضحت هذه الصفحات فعليا تنافس الصحافة الفنية وتقلص أدوارها؟.

صفحات إخبارية يسيرها “هواة”

تزخر مواقع التوصل الاجتماعي كـ”الفايسبوك” و”الإنستغرام” بالمغرب، بصفحات تحمل أسماء مختلفة، وتقدم نفسها على أنها فضاءات لنشر أخبار الفنانين والمشاهير المغاربة ومستجداتهم.

صفحة “مغربية”، التي يتابعها نحو مليون شخص بموقع “إنستغرام”، واحدة من بين هذه الصفحات. وفي هذا الإطار، كشفت المشرفة عليها أنها لم تكن تطمح إلى الوصول بالصفحة لهذا الكم الكبير من المتابعين، لكنها سعيدة بذلك، رغم صعوبة المسؤولية وثقلها.

وتابعت المشرفة ذاتها، في تصريحها لجريدة مدار21، قائلة: “لم أكن على دراية بماهية “الإنستغرام”، ولم أكن مقتنعة بفائدته، لكنني قررت سنة 2016 تجربة فتح صفحة على طريقة صفحات المجلات والأخبار آنذاك على الفايسبوك، ومن ثم بدأت المغامرة وتطورت وأصبحت على شكلها الحالي”، مشيرة إلى أنه مع ارتفاع عدد متابعي الصفحة، تكونت لديها الصورة الأوضح لما يرغب الناس في مشاهدته ومعرفته على “الانستغرام”، وتأكدت أن الجميع متشوق لاكتشاف أخبار الفنانين والمشاهير في مختلف الميادين، وهذا هو الهدف الأساس من الصفحة،  إلى جانب الترويج للسياحة المغربية والتعريف بتراثه وحمايته.

وبخصوص طريقتها في التأكد من الأخبار أوضحت المتحدثة أنها تتمثل في التواصل المباشر مع الفنانين أو مع مقربيهم، وفي حال عدم التوصل بجواب، تحرص على أن يكون الخبر مستقى من مصدر صحافي موثوق، غير ذلك تتجنب نشره إلى حين التأكد من صحته لتفادي السقوط في فخ الإشاعات.

من جانبها، المشرفة على صفحة “ستارز بلادي”، أكد، في تصريح لجريدة مدار21، أنه يسعى من خلال صفحته إلى إيصال أخبار  الفنانين والمشاهير بصفة عامة وتقريبهم من محبيهم، مبرزا وجود العديد من المصادر الموثوقة يأتي منها بالأخبار.

أما مسير صفحة “مجلة مشاهير المغرب”، صرح لجريدة مدار21، بأن تأسيس هذه الصفحة جاء بالصدفة ودون تخطيط، ونظرا لاهتمامه بالمجال الثقافي والفني بدأ في نشر الأخبار الفنية، كاشفا أن جل التدوينات التي ينشرها عبارة إما عن تقديم خدمة لفنان ما بمقابل مادي تدخل في إطار “الدعاية”، أو لأن الخبر يستحق النشر ويجذب المتابعين.

وقال المسير ذاته، الحاصل على شهادة الماجستر، إنه يحرص على التأكد من صحة الخبر قبل نشره، للحفاظ على مصداقية الصفحة، وذلك من خلال اعتماد مصادر موثوقة وقريبة من الشخيصات الفنية، التي يتعامل معها باستمرار، مضيفا أن التفاعل مع منشورات صفحته وتأثيرها نابعان من مصداقية أخبارها ودقتها.

صفحات أخبار الفن.. تزاحم الصحافة أم تعوّضها؟

 في هذا الإطار، قال محمد لغروس، مدير نشر موقع العمق المغربي، إنه “لا يمكن للعشوائية في أي مجال أن تسحب البساط من تحت أقدام المهنية والتنظيم والاحتراف، وهو ما ينسحب، في نظره، على الإعلام الجديد سواء بتوجهاته الاجتماعية، وهذا الأصل فيه، أو بمحاولاته التحريفية لمهنة الصحافة والإعلام.

وأضاف لغروس، في تصريح لجريدة مدار21، أن “هذه الصفحات غير المهنية، من حيث الشكل، في حالة انتحال صفة ومخالفة صريحة للقانون المنظم للصحافة والنشر، إلى جانب الجرائم المهنية والقانونية ومختلف ما تقترفه من سب وقذف وتشهير وتحريض على العنصرية، ناهيك عن جرائم مادية من حيث المضمون.

وأكد المتحدث ذاته، أن “التكاثر الفطري الضار والانتشار الكبير لمثل هذه الصفحات يستثمر في أمية جحافل المتتبعين وتخلفهم، مشددا على أنه في حالة “ارتفاع منسوب الوعي والتعلم لدى المتتبع، فإن الاندثار والتلاشي، ولما لا الاستهداف بالتبليغ والمحاربة، سيكون هو مصير تلك الصفحات”.

وأورد لغروس أن للفيديو والصورة بمواقع التواصل الاجتماعي “سلطة معرفية” على المتلقي عموما كما تشير إلى ذلك بعض التقارير، لافتا إلى أنه “عندما نكون أمام متلقٍ بمنسوب وعي منخفض، فإنه لا يستطيع التمييز بين الصفحة المعتمدة وغيرها، ولا بين صفحة مؤسسة مهنية وذات مصداقية، وصفحة عشوائية أو متطفلة على المجال، وهنا نكون، حسب تعبير المتحدث عينه، أمام جهة “تنتج” التخلف، وأخرى تتابعه وتعيد نشره ومشاركته في عملية وصفها بـ”تغذية راجعة وسامة”.

ولم ينكر الإعلامي لغروس، في تصريحه للجريدة، وجود صفحات فنية معدودة يديرها صحفيون مختصون في المجال الفني بشكل خفي أو أشخاص يشتغلون داخل المجال ومطلعون على جميع أسراره، وينشرون، في الغالب، أخبارا صحيحة وحصرية، لكنه يرى، في الوقت ذاته، أن الصفحات الأخرى الكثيرة يسيرها أشخاص بعيدون عن المجال ويقتاتون من الإشاعات، وهدفهم الأساسي تجاري بحث.

وبخصوص منافستها للصحافة الفنية الجادة، خلص لغروس إلى القول إن الصفحات العشوائية وغير المهنية لن تتفوق على مهنة الصحافة والإخبار مهما كثرت، ومهما توسع عدد متابعيها، معززا موقفه بأنه “لا يمكن أن ينافس الصحافة، إلا صحافة أكثر منها مهنية وجدية واجتهاد وإبداع وتجسيد لكل مبادئ مهنة الصحافة وأخلاقياتها وقيمها”.

وفي السياق ذاته، يرى الإعلامي يونس مسكين، أنه من الناحية الكمية، يمكن الإقرار بأن هذه الصفحات والحسابات، التي تعنى بأخبار الفن والمشاهير، تنافس فعلا المنابر الإعلامية من حيث السبق في نشر الأخبار والتواصل المباشر مع الجمهور والتفاعل معه.

لكن، في المقابل، استبعد مدير النشر السابق ليومية أخبار اليوم، في تصريح لجريدة مدار21، أن تعوض هذه الصفحات الصحافة، موضحا أن الوظائف التي تقوم بها الصحافة تختلف عن تلك التي تقوم بها قنوات التواصل، أي ممارسة الرقابة نيابة عن المجتمع في كل ما يرتبط بقيمه ومصالحه، ونشر ما لا ترغب بعض الأطراف في نشره، وتتبع مسار صرف المال العام في مختلف أوجهه.

واتفق مسكين، مع ما ذهب إليه لغروس، إذ قال إنه من الناحية النوعية، “لا يمكن لهذه الصفحات أن تعوض الصحافة أو تنافسها”، لكون هذه الأخيرة تختص بقوالب وأشكال معينة للمحتوى الصحفي، لا يمكن أن توظفها سوى الصحافة المحترفة، من أجناس وأشكال معينة تحتفظ للصحافة بكل مبررات وجودها في جميع المجالات، بما في ذلك المجال الفني، يضيف المتحدث نفسه.

وسائل للإخبار أم مطيات للاسترزاق؟

أمام تكاثر هذا النوع من الصفحات وتناسلها، لابد من السؤال عن غاياتها وأهدافها.

في هذا الجانب، يشدّد الإعلامي محمد لغروس، في سياق تصريحه لجريدة مدار21، على أن المشكل ليس في وجود الهدف التجاري والإخباري من عدمه، بل المشكل الرئيس أنها صفحات “غير مهنية” و”عشوائية” في مجملها، وتنتحل مهنة الصحافة وصفة الصحافي، مضيفا: “حين يكون القالب والشكل والإطار سليما، وقتها علينا مناقشة الهدف، فالسؤال هل هي أهداف مؤطرة بمهنة وقانون وأخلاقيات أم أنها تجمعات إعلانية عشوائية تجعل من الربح رهانها، ولا يهمها أن تدوس على ما سواه”.

أما الإعلامي يونس مسكين، فيعتقد هو الآخر، أن لهذه الصفحات دور مزدوج، وأي من الدورين لا يلغي الآخر، حيث إن البعض يسعى من خلال تأسيس مثل هذه الصفحات إلى توفير خدمات إخبارية مرتبطة بنشاطه الفني الشخصي أو الذي يدخل في مجال اهتمامه، بينما يسعى البعض الآخر إلى تحقيق أهداف تجارية، تظل مشروعة إذا انضبطت للقوانين والقواعد الأخلاقية الخاصة بالنشر واحترام خصوصيات الأفراد وحقوق الهيئات.

وفي الوقت الذي تنفي فيه مسيرة صفحة “مغربية” أن تكون مداخيل مثل هذه الصفحات الإخبارية كبيرة، مقارنة بالمؤثرين والشخصيات العامة والمشاهير، الذين يجنون أمولا كثيرة، وتؤكد أن أرباحهم بسيطة، فإن لغروس يرى أنه “لا توجد تفسيرات كثيرة لفهم ما “تقترفه” هذه الصفحات من جرائم غير الربح المادي أو الانتقام، ويتجلى ذلك، بحسبه، في حالة استهداف هذا الفنان أو ذاك وتصريف الحقد والكراهية”.

الأمر عينه يؤكده مسكين بالقول إن هناك بلا شك أهدافا خاصة لدى القائمين على مثل هذا الصفحات، لافتا إلى أن مسؤولية السلطات العمومية تظل قائمة في المواكبة والتأطير، وتفادي تحويل هذه الصفحات إلى أسلحة هدامة موجهة ضد البعض، أو تلويث الفضاء العام عبر نشر الأخبار الزائفة والشائعات.

أخطاء وخروقات جسيمة.. كيف السبيل للمواجهة؟

من خلال الاطلاع على مجموعة الصفحات الإخبارية الفنية، نجدها تقترف مجموعة من الأخطاء والخروقات المهنية، من قبيل نشر الإشاعات أو أخبار زائفة حول فنان أو نجم ما أو الخوض في حياته الخاصة، وبالتالي لا تحترم أخلاقيات مهنة الصحافة وضوابطها، مما يسائل “غياب” إطار قانوني رادع.

بهذا الخصوص، أوضح الإعلامي محمد لغروس الذي لم يتوان، في مناسبات كثيرة، في الدفاع عن أخلاقيات مهنة الصحافة في العصر الرقمي، أن عدم الإشارة المباشرة لمواقع التواصل الاجتماعي في مدونة الصحافة والنشر، لا يعني أنه لا يمكن متابعة مقترفي جرائم النشر وغيرها، مشيرا إلى أنه تمت متابعة مجموعة من المدونين بقانون الصحافة والنشر، ومتابعات أخرى عديدة بالقانون الجنائي وغيره، حيث إن اقتراف جرائم من قبيل القذف والسب والتشهير يعاقب عليها بنصوص قانونية واضحة بغض النظر عن الطريقة والفضاء الذي تم فيه ذلك.

وأكد لغروس، في تصريحه لجريدة مدار21، أن تخصيص مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها ظاهرة جديدة بقانون خاص يواكب التقنيات الجديدة والحديثة وأساليب الإساءة للناس والخوض في حياتهم الخاصة، والتشهير بهم، سيكون، بلا شك، إجراء أكثر دقة وإفادة في محاصرة آلاف الإساءات اليومية في حق الناس وانتهاك حياتهم الخاصة من خلال التدوين والتغريد والتعليق والمشاركة.

لكن وفي انتظار ذلك، يواصل المتحدث عينه، أننا نحتاج فقط إلى تفعيل القوانين الحالية، وهي بالعشرات، والضرب بيد من حديد على ما وصفه بـ”طفيليات” التجمعات الإعلامية العشوائية والخارجة عن المهنة والمهنية والقانون، بالإضافة إلى دفع الهيئات الوصية على مجال الصحافة والإعلام والنشر إلى التحرك، وهي أيضا كثيرة ومتنوعة، لكن عموما تقف موقف “المتفرج”، وفق تعبيره.

وبخلاف لغروس، ربط مسكين الخروقات والأخطاء التي تعج بها هذه الصفحات بـ”الثقافة والتربية الرقميتين” أكثر مما تتعلق بالقواعد والضوابط المهنية للصحافة، مضيفا أن المنصات والقنوات الجديدة للنشر وإنتاج المحتوى أسقطت احتكار عملية النشر من طرف الصحافة، لذلك، لا يستقيم، في اعتقاده، أن ننادي بعودة هذا الاحتكار في ظل منحى تطور هذا المجال،.

واسترسل مسكين في حديثه إلى مدار21، بأنه إذا علمنا أن المنظومة القانونية موجودة جزئيا، وتنظم جميع أشكال النشر الرقمي وتقننها وتزجرها، يبقى الحل، حسب رأيه، أولا في عودة الصحافة إلى ممارسة أدوارها وتوفير المعلومات والآراء التي يحتاجها المواطن، ثم في العمل على نشر الثقافة الرقمية بالمدرسة والإعلام الخدماتي، خاصة منه الإعلام العمومي، لمواكبة التطور الرقمي بالتربية والتوعية الملائمين.

المتحدث ذاته صرح بأن الأولية القصوى تكمن، في اعتقاده، في ضرورة توفير المحتوى الجاد والمهني والمتنوع، لأن المقاربة التي تقوم على الزجر والمنع تؤدي إلى نتائج عكسية، مؤكدا أنه إذا توفر المواطن على المنابر الإعلامية التي تلبي حاجياته بمختلف أنواعها، فإن تأثير مثل هذه الصفحات سيبقى محدودا، وحينها فقط يمكن أن يتدخل التأطير القانوني والرقابة لإزالة الشوائب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News