مجتمع

فاجعة “الرغيف الأسود”… فشل البديل الاقتصادي بجرادة يعيد المأساة

فاجعة “الرغيف الأسود”… فشل البديل الاقتصادي بجرادة يعيد المأساة

رغم الاحتجاجات التي عرفتها مدينة جرادة بسبب مصرع عاملين في آبار الفحم نهاية سنة 2017، وتدخل السلطات لإغلاق المئات منها ومنح تراخيص ودعم لتعاونيات لاستغلالها بشكل قانوني، عادت فواجع “الرغيف الأسود” لتخيم من جديد على المدينة، بعد مصرع ثلاث شبان اختناقا بثاني أكسيد الكربون يوم أمس الأربعاء.

وفي وقت سبق للساكنة أن طالبت ببديل اقتصادي يغني شباب المنطقة عن العودة إلى مزاولة أنشطة استخراج الفحم من “الساندريات”، تكررت مأساة آبار “الموت” من جديد بعد مصرع ثلاثة أشخاص، تتراوح أعمارهم 43 و52 سنة، بعد أن باءت مجهودات السلطات بالفشل.

ومع إعلان مصرع الأشخاص الثلاثة، أثيرت من جديد الأسئلة حول الأسباب الحقيقية لتكرار مثل هذه الفواجع الإنسانية، ومدى ارتباطها بالفشل الحكومي في إيجاد البديل الاقتصادي الحقيقي، الذي يراعي إمكانيات ومؤهلات المنطقة.

رهان التهدئة أفشل البديل

حول هذه النقطة أكد الناشط الحقوقي خالد البكاري في تصريح ل”مدار21″ بأن الحديث عن بديل اقتصادي بجرادة، كان شعار للحراك سنتي 2017 و2018، الذي شهد زيارات لمسؤولين بالحكومة السابقة، وعلى رأسهم عزيز الرباح، الوزير السابق للطاقة والمعادن، لكن هذه الزيارات “لم تعطي أكلها لأنها كانت فقط محاولات لوقف الاحتجاجات أكثر منها وجود برنامج حقيقي لانتشال جرادة من العزلة الاقتصادية والهشاشة التي تعيشها منطقة المغرب الشرقي كاملة منذ إغلاق الحدود وتراجع نشاط التهريب”.

الدليل وفق البكاري على أنه لم يكن هناك أي برنامج واقعي محين بميزانية واضحة وأفق واضح، هو أنه تم الشروع بإعطاء تراخيص “للساندريات” والمناجم العشوائية، فما حصل هو تمتيع بعض شباب المنطقة من العاطلين عن العمل من بعض الرخص، “لكن استمر العمل بنفس الشروط، وما حدث هو دليل على أنه لم يكن هناك أي مشروع حقيقي لانتشال هذه المنطقة مما تعانيه”، يضيف المتحدث.

وذهب البكاري إلى أن هذه الفواجع يمكن أن تستمر في المستقبل إذا لم يكن هناك تدخل عاجل، لأن ليس هناك أي نشاط يمكن أن يحل مشكل البطالة في تلك المنطقة، فالمنطقة لا تتوفر سوى على نشاط الساندريات وأنشطة فلاحية بسيطة متعلقة بالرعي أساسا، وهناك تعاونيات نسائية، ما يجعل المنطقة معزولة.

أسباب فشل الإجراءات الحكومية

وفي سياق تشخيص أسباب فشل الإجراءات الحكومية أورد خالد البكاري بأن السبب الحقيقي أنه لم تكن دراسة حقيقية لإيجاد نشاط اقتصادي يعتمد على مقومات المنطقة ويتوافق مع إمكانياتها، لأن جميع الأنشطة التي تم اقتراحها لا تربطها أي علاقة بطبيعة المجال بمدينة جرادة، التي تتوفر على أنشطة الفحم والرعي وإمكانية السياحة الغابوية، وكذا إمكانية التفكير في نشاط اقتصادي حدودي.

وتابع أن مختلف الإجراءات التي قامت بها السلطات لم تجب عن الأزمة الحقيقية، حيث تم توقيف مشروع نقل النساء للعمل بضيعات إسبانيا لأنه نشاط موسمي فقط، كما أن تراخيص الساندريات لم توفر شروط السلامة والعملية لم تكن مقننة بشكل واضح، كما أن نتائج التعاونيات لا زالت محدودة.

وأردف البكاري “حتى نكون موضوعيين ليس المشكل أن تفكر الدولة بمنطقة تهدئة الاحتجاجات في البداية على أن يتم تنزيل مشاريع متوافقة مع مؤهلات المنطقة فيما بعد، لكن المشكل هو أن يتم نسيان الموضوع بعد تهدئة المنطقة ما جعل الأمور تعود إلى منحاها السابق”، مقترحا التفكير في إعادة تشغيل المنجم.

تقنين الموت.. “الساندريات” ليست حلا

وتأسف الطيب موغلية، الناشط المعتقل سابقا على خلفية حراك جرادة، في تصريح ل”مدار21″، على تكرار مشهد وفاة عمال داخل الساندريات، مضيفا أن “جرادة خرجت سنة 2017 للمطالبة ببديل اقتصادي ومحاربة الفساد لكن بعد مرور خمس سنوات على الحراك لم يتم تنزيل أي حلول على أرض الواقع”.

وأكد المتحدث نفسه أن “الحكومة قدمت مجموعة من الوعود، بعد الزيارة التي قام بها عزيز الرباح وعزيز أخنوش ومسؤولين آخرين، وخصصت ميزانيات لمجموعة من المشاريع دون أن يتم تنزيلها على أرض الواقع، متابعا أنه منذ البداية تم “التأكيد على أن “الساندريات” والتعاونيات ليست حلا”.

وتابع موغلية أن ظروف العمل “لم يتم تحسينها، ما حدث هو تقنين الموت، وذلك من خلال توقيع اتفاقات مع التعاونيات حتى يتم تحميل من اختار هذا العمل مسؤولية حياته”، مشيرا إلى أن هذه الاتفاقات تم توقيعها مع تعاونيات تضم أناس لا تربطهم علاقة مع “الساندريات”، وأن ساكنة جرادة ترفض العمل في هذا النشاط وتطالب ببديل اقتصادي.

وطالب الناشط بحراك جرادة سابقا بمحاسبة المتورطين في نهب الغلاف المالي الذي خصص لمدينة جرادة، والذي يقدر بالملايير، حسب رأيه، والقضاء نهائيا على نشاط الساندريات حتى لا يتم تكرار مثل هذه المآسي، والبحث عن بديل اقتصادي.

بديل وهمي

ومن جانبه أكد ياسين لزعر، أحد المستفيدين من مشروع بالمدينة، أن المعمل الذي تم افتتاحه في إطار الإجراءات الحكومية، وقيل إنه سيضمن خلق 1000 فرصة شغل، “لم يُشغل سوى مئة شخص”، معتبرا أنه “بديل وهمي”، إذ تم تخصيص 2000 درهم كأجرة لا تراعي حتى الحد الأدنى للأجور “السميك”، ليتم تخفيض المبلغ فيما بعد إلى 1000 درهم ما أدخل العاملين في صراعات مع المعمل.

وطالب لزعر، وفق تصريح ل”مدار21″، بالمحاسبة الفورية لكل المتورطين في هذا المشروع، مضيفا أن أبناء جرادة لم يستفيدوا من التعاونيات، متابعا أنهم باتوا أمام خيارين “إما الموت فوق الأرض أو الموت تحتها”.

 

جذور المأساة

وحول جذور فواجع “الرغيف الأسود” أفاد الناشط الحقوق خالد البكاري أنه يجب العودة إلى الوراء، إلى سنة 1998، حينما تم إقفال المنجم بسبب اعتبارات توازنات مالية، دون مراعاة التوازنات الاجتماعية، حيث قيل آنذاك أن الفحم الذي يتم استيراده من الخارج، ومن دولة روسيا أساسا، له كلفة أقل من الذي يتم استخراجه من منجم جرادة، وفق المتحدث.

وأضاف أن ما نعيشه مع منشأة “لاسامير” بخصوص أزمة المحروقات هو نفسه ما نعيشه اليوم مع مادة الفحم بسبب إغلاق منجم جرادة، لأن هذا الأخير لا زال يتوفر على كميات كافية من الفحم لتشغيل على الأقل المحطات الحرارية بما فيها المحطة الحرارية الموجودة بجرادة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News