سياسة

هل خرق الرئيس التونسي دستور البلاد بحل البرلمان والحكومة؟

قيس

“حالة من الغموض”، تسود الوضع السياسي بتونس بعد القرارات “المفاجئة”، التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيد، مساء الأحد وتم بموجبها تجميد البرلمان وحل الحكومة، مع استحواذه الكامل على السلطة التنفيذية، في أعقاب تنديدات متتالية للأحزاب التونسية بمن فيها حزب النهضة أكبر أحزاب البرلمان، الذي شجب قرارات سعيّد واعتبرها “انقلابا على الدستور والثورة”.

ولم يكتف، الرئيس التونسي قيس سعيد، بإقالة الحكومة وتعليق عمل البرلمان، بل ذهب أيضا إلى رفع الحصانة عن النواب وتوليه رئاسة النيابة العامة في سعي منه لتحريك دعاوى ضد عدد منهم متورط في قضايا أخرى، فضلا عن اقتحام مكاتب بعض الجرائد والمنابر الإعلامية الدولية على غرار مكتب الجزيرة الإعلامي.

أزمة سياسية تعمق الأزمة الوبائية

واعتبر الباحث التونسي في العلوم السياسية، شكري حمودي، في حديثه لـ”مدار21″، أن القرارات الجديدة التي اتخدها الرئيس التونسي، تتناغم مع عدائه العلني منذ البداية لحزب النهضة والحكومة التونسية ورئيسها هشام المشيشي، إلى جانب راشد الغنوشي، رئيس مجلس النواب التونسي.

ويرى حمودي  أن قيس سعيد، لطالما عبر عن رغبته المستميتة في تغيير النظام السياسي الحالي والذهاب إلى نظام رئاسي، فيما هذه القرارات الجديدة من الواضح جدا أن موجهة بشكل خاص لحزب النهضة، وخلافه معهم فضلا عن الاحتجاجات الأخيرة المناوئة للحركة منحته سببا لتعليق البرلمان وإقالة الحكومة واتخاد كافة القرارات التي من شأنها إسكات الحركة والحكومة، بما معناه أنها ضربة موجهة”.

وبخصوص مآل الوضع وما سيحدث في المستقبل القريب خاصة وأن البلاد تعيش وضعا وبائيا متفاقما، قال المتحدث، إن “القرارات التي أعلنها الرئيس تحظى بوضوح بدعم قطاع عريض من الشارع التونسي وإن كانت ليس وقتها خاصة في ظل الظرفية الوبائية التي نعيشها حاليا”.

وأوضح حمودي، أنه على إثر القرار الرئاسي الجديد “انتشرت قوات الجيش التونسي في مقرات الحكومة بالقصبة ومنعت الموظفين من الدخول، ورابطت أمام مقر البرلمان ومنعت رئيسه راشد الغنوشي والنواب من دخول مقر المجلس النيابي، بعد ساعات من إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد، تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب، وإلى جانب ذلك تجمهر المواطنون أمام مقر البرلمان عشرات من منهم مرحبين بقرارات الرئيس في حين أن العشرات الأخرى الاخرى من أنصار النهضة في الجهة المقابلة رافضة لما وصفته انقلابا على الشرعية، وحالة الشنآن والتداخل من شأنها أيضا تأزيم الوضع وبائيا، فالشارع التونسي لازال يستقبل وفودا من المواطنين المحتجين، وبالتالي نحن أمام قرار غير مسؤول حقا في هذه الظرفية” يقول المتحدث.

وشكلت القرارات الرئاسية الجديدة، نقطة استفهام كبيرة أمام الوضع في الجمهورية التي شهدت مطبات سياسية منذ سنوات تلت سقوط حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في 2011 بعد اندلاع ثورة البوعزيزي، ثم بعدها حدوث اغتيالين سياسيين في 2013 وهجمات إرهابية دامية واضطرابات اجتماعية متواترة ضد الفقر والبطالة، إلى جانب موجات هجرة غير شرعية مكثفة عبر البحر، ثم أزمة اقتصادية خانقة بلغت نسبة 8 بالمائة في 2020 لأول مرة منذ منتصف القرن الماضي مع عجز مالي بلغ 11.5 بالمائة لأول مرة بنهاية 2020، تزامنا أيضا مع الوضع الوبائي المعروف في تونس وهو ما يضع المستقبل قيد “الضبابية”.

موقف ضبابي لأكبر منظمة نقابية

وعلى عكس المتوقع، طالب الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو أكبر المنظمات النقابية في البلاد، الرئيس قيس سعيد اليوم الاثنين بوضع ضمانات دستورية مقابل التدابير الاستثنائية التي أعلنت أمس الأحد، وعدم التوسع فيها.

وظل موقف الاتحاد، صاحب النفوذ القوي في الشارع، غير واضح منذ إعلان الرئيس سعيد تجميد البرلمان وإقالة الحكومة وتوليه السلطة التنفيذية.

وأعلن الاتحاد، الذي يعد لاعبا أساسيا في هندسة فترة الانتقال السياسي في تونس منذ 2011، موقفه الداعم للحراك الشعبي ضد الفقر والفساد اليوم عقب اجتماع مكتبه التنفيذي.

وأكد الاتحاد “على وجوب مرافقة التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس بجملة من الضمانات الدستورية وفي مقدمتها ضرورة ضبط أهداف التدابير الاستثنائية بعيدا عن التوسّع والاجتهاد”.

ودعا أيضا إلى مراجعة التدابير الخاصة بالقضاء لضمان استقلاليّته، في إشارة إلى إعلان الرئيس سعيد توليه بنفسه رئاسة النيابة العامة من أجل تعقب النواب المتورطين في قضايا بعد أن كان قرر رفع الحصانة البرلمانية عنهم.

وطالب الاتحاد بتحديد مدة تطبيق الإجراءات الاستثنائية والإسراع بإنهائها حتى لا تتحول إلى إجراء دائم، والتمسك بالشرعية الدستورية في أي إجراء يتخذ في هذه المرحلة الدقيقة.

الأغلبية والمعارضة ترفضان القرارات الرئاسية

وإذا كان غالبية الشارع التونسي مؤيدة لقرارات سعيد إلا أن عددا من الأحزاب السياسية والشخصيات التونسية أعلنت موقفها الرافض لهذه القرارات المستجدة معتبرة أنها “خارقة لدستور البلاد وتفتقد الشرعية”.

وأعلنت كتلة “قلب تونس”، وهي القوة الثانية في البرلمان، رفضها قرارات الرئيس، ووصفتها بأنها “خرق جسيم للدستور”، وعبّرت عن تمسكها بالشرعية الانتخابية واحترام القانون والمؤسسات.

كما دعت الكتلة الحكومة إلى ممارسة مهامها الشرعية وتفادي إحداث فراغ مؤسساتي، وحثّت الجيش والأمن على التزام دورهما التاريخي في حماية الدولة ومؤسساتها وقيم الجمهورية والثورة.

من جانبه، عبر”ائتلاف الكرامة” في تونس، عن رفضه القطعي للقرارات الأخيرة التي أعلنها الرئيس، ودعا الشعب إلى “الدفاع عن حريته وثورته”.

وقال سيف الدين مخلوف، الناطق الرسمي باسم الائتلاف، في مقطع فيديو بثه عبر صفحته على الفايسبوك إن “ائتلاف الكرامة يرفض قطعيا هذه القرارات الانقلابية الفاشلة” على حد تعبيره.

وتابع مخلوف، “ندعو الشعب التونسي لرفض قرارات الرئيس، والدفاع عن حريته وعن ثورة شهدائه وجرحاه”.

ويبدو أن رفض قرارات الرئيس، لم تكن في سلة الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي فقط، بل إن المعارضة نفسها أعلنت رفضها واستنكارها لقرارات رئيس الدولة وهو ما عبر عنه حزب التيار الديمقراطي الذي أكد في بيان له على أن رئيس الجمهورية هم إلى تأويل الفصل 80 من الدستور، بالطريقة التي يريد والتي تتنافى مع مقتضيات الدستور.

وشدد التيار، على أنّه لا يرى حلًّا إلا في إطار الدستور، داعيا رئيس الدولة وكل القوى الديمقراطية والمنظمات الوطنية لتوحيد الجهود للخروج بالبلاد من الأزمة، باحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان ومقاومة الفساد المالي.

وحمّل البيان، في الوقت نفسه، الائتلاف الحاكم بقيادة حركة النهضة وحكومة المشيشي مسؤولية الاحتقان الشعبي والأزمة الاجتماعية والاقتصادية والصحية.

هل خرق الرئيس التونسي الدستور؟

وباستناد الرئيس التونسي على الفصل (المادة) 80 من الدستور، ليعلن عن قراراته الجديدة من قصر قرطاج، أثار انقسامات بين مؤيدين ومعارضين وخبراء في القانون الدستور بخصوص هذه المادة وكيف جرى تأويلها ليمسك رئيس الجمهورية بكل السلط بقبضة واحدة.

ويقول نص الفصل 80 من الدستور التونسي الخاص بالإجراءات الاستثنائية، فإن “لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتّمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن التدابير في بيان إلى الشعب”.

ووفق الفقرة الثانية من الفصل نفسه “يجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال، ويُعدّ مجلس نواب الشعب (البرلمان) في حالة انعقاد دائم طوال هذه المدة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حلّ مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة”.

وجاء في الفقرة الثالثة من الفصل 80  بأنه “بعد مضيّ 30 يومًا على سريان هذه التدابير، وفي كل وقت بعد ذلك، يعهد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو 30 من أعضائه البتُّ في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه”.

ويشير الفصل ذاته في فقرته الأخيرة إلى أن “المحكمة تُصرِّح بقرارها علانية في أجل أقصاه 15 يومًا، ويُنهى العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها، ويوجه رئيس الجمهورية بيانا في ذلك إلى الشعب”.

محلل سياسي: الرئيس ارتكب مجزرة دستورية وقانونية استعدادا لمجزرة جنائية

ويرى المحلل السياسي التونسي، عادل حمدي، أن رئيس الجمهورية ارتكب “مجزرة دستورية “بخرق قانون البلاد، ذلك أنه فرض الحالة الاستثنائية دون الالتزام بما ورد في المادة 80 التي تنظمها، والتي تجزم بـ” ضرورة استشارة رئيس الحكومة ورئيس البرلمان قبل اتخاذ القرار” مشيرا إلى أن تجميد البرلمان هو الاخر فيه خرق ذلك أن نص الدستور يقول بأن ” مجلس النواب يبقى منعقدا بصفة مستمرة طوال استمرار الحالة الاستثنائية”.

حمدي وفي تصريح خص به “مدار21″، شدد على أن قيس سعيد خرق بشكل “جسيم الدستور مؤولا المادة 80  منه، والتي لا تخول له لا تجميد البرلمان ولا حل الحكومة ولا جمع السلط، خاصة وأن المحكمة الدستورية غير موجودة، وهو ما كان يفرض بالأصل الإبقاء على انعقاد البرلمان”.

واعتبر حمدي، أن الرئيس التونسي “ضرب بالدستور الوطني للبلاد، عرض الحائط وجمع بين يديه السلطات بطريقة غير قانونية بما فيها السلطة التنفيذية، وذلك استعدادا للقيام بما وصفه المحلل السياسي “مجزرة قضائية اذا صح التعبير ترمي إلى اعتقال المناوئين له وهذا يسير نحو تأزيم الوضع والمسار الديمقراطي والحريات بالبلاد”.

ولفت المتحدث في تصريحه إلى أن “غالبية القوى أعلنت رفضها الكامل لما جرى سواء التابعة للأحزاب في الحكومة أو حتى المعارضة، التي تعتبر بدورها ان ما جرى هو خرق وانقلاب مكتمل الأركان”.

وبخصوص مستقبل الوضع في تونس، يقول حمدي أن “قيس شل الحركة السياسية، والناس باتوا في انتظار موقف القوى الدولية، التي لاشك وأنها ستتفق مع ألمانيا في تخوفها مما حدث من خرق للقانون ومقتضيات دستور البلاد”.

من جهة أخرى يرى المحلل السياسي، أن “قيس سعيد تجاوز خرقه للدستور من خلال المجزرة القانونية والمجزرة السياسية، التي قام بها ليتطاول أيضا على الحريات من خلال اغلاقه للمنابر الإعلامية الحرة، في ضرب صارخ بحرية التعبير بالبلاد التي لطالما كانت تونس رمزا لها”.

واستفسارا على سبب استقبال الشارع التونسي هذه التحولات و”الخروقات” بالتهليل، وحول ما اذا كانت تونس ستصمد أمام ما يحدث خاصة في الظروف الوبائية التي تعيشها أمام انهيار المنظومة الصحية، يقول حمدي:” المواطن التونسي يعيش كبقية الشعوب حول العالم، تحت وطأة الفيروس والازمة  الاقتصادية الطاحنة، والخشية ان الناس وتحت وطأة الأزمة يعتقدون ربما أم ما يحدث يشكل محاولة لإنقاذهم يعتقدون أن الإجراءات تشكل بارقة الامل، لكن بعد سويعات بدأوا يستفيقوا ويتراجعون عن موقفهم، المهم أن الازمة مستمرة والوضع سيكون له تداعيات كبيرة”.

 

تعليقات الزوار ( 1 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News