عبد السلام بنعبد العالي: في قلب كل كاتب يقطن مترجم
“في قلب كل كاتب يقطن مترجم بل مترجمون” يقول المفكر عبد السلام بنعبد العالي وهو يرتدي قبعة المترجم ويجلس بمحاذاة عبد الفتاح كيليطو القابض على أصول الترجمات في لقاء ماتع عن انتقال المعاني من لسان إلى آخر جمع الرجلين مؤخرا بالرباط.
وإذا كانت الخيانة تهمة المُترجم المعهودة، فبنعبد العالي يجعلها تهمة لا يسلم منها المؤلف نفسه. يقول الأكاديمي المغربي “لو حصرنا المسألة بين المؤلف والمترجم، لتغافلنا أن المؤلف هو نفسه ليس في وضعية مريحة، وهو نفسه قد يتهم بالخيانة على غرار المترجم أو على الأقل بالإخلال بالمعاني إذا أردنا أن نستعمل عبارة للتوحيدي”.
ويعضد بنعبد العالي رأيه، في اللقاء الذي نظم ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب وكان لكل واحد من الأديبين كلمته فيه، بالقول إن المؤلف نفسه لا يسيطر على نصه “إذ إن كل نص ينطوي على كثافة سيميولوجية تجعل حتى صاحبه عاجزا عن أن يحصرها من غير انفلات بقايا لا يقدر عليها كما كتب التوحيدي”.
“فالنص”، يواصل مترجم كيليطو، ” ينفلت من قبضة صاحبه والمعنى يختلف ويمتد في اختلافه عن ذاته لا يحضر إلا مبتعدا عنها مباعدا لها..حتى المؤلف نفسه لا يتمكن من بسط سلطته لحصر معانيه وضبطها والتحكم في المتلقي مهما تنوعت مشاربه اللغوية والثقافية”.
حجة بنعبد العالي في أن النص يتفوّق على كاتبه قبل مترجمه هي أن المؤلِف نفسه حين يحاول “نقل أحد نصوصه إلى لغة أخرى سرعان ما يصطدم بالصعوبات التي يطرحها نصه، ليتبين اشتراك ألفاظه ولبس معانيه وتعدد تأويلاته، والغريب أنه يحس أنه لم يكن لبتبيّن كل ذلك لولا سعيه إلى نقله إلى لغة أخرى”.
“فكأن الترجمة هي التي تسلط الأضواء على النص الأصلي وتكشف للمؤلف نفسه ما تضمره اللغة الأصلية، بل إنها تُبين عن نواقص الأصل”، يقول بنعبد السلام.
وتوكيدا لهذا المعنى، يستشهد المفكر المغربي الذي ترجم عددا من مؤلفات كيليطو بحديث الكاتب الإيطالي أمبرطو إيكو عن علاقته بما ترجم له من نصوص يقول فيه (أي إيكو) “كنت أشعر أن النص يكشف في حضن لغة أخرى عن طاقات تأويلية ظلت غائبة عني، كما كنت أشعر ان الترجمة أن ترقى به بعض الأحيان”.
