سياسة | مجتمع

الإفراج عن “مدانين بالارهاب”.. هل يطْوي المغرب صفْحة أحداث 16 ماي؟

الإفراج عن “مدانين بالارهاب”.. هل يطْوي المغرب صفْحة أحداث 16 ماي؟

أثْلج قرار الملك محمد السادس إصدار عفو بمناسبة عيد الفطر، عن 29 شخصا محكومين في قضايا “إرهاب”، صُدور عدد من النشطاء والفاعلين الحقوقيين والمتخصصين في قضايا الإرهاب والتطرف، فبينما رأى البعض في هذه الخطوة أنها ستشجع الكثيرين من المعتقلين السلفيين على الالتحاق ببرنامج مصالحة للاستفادة من العفو، رأى البعض الآخرأن هذه المبادرة الملكية تمهد الطريق أمام طيّ جزء من الاشكالات التي ظلت عالقة منذ أحداث 16 ماي 2003.

وعشية  عيد الفطر، أصدر الملك محمد السادس عفوا عن مجموعة من الأشخاص، بلغ عددهم 958، ضمنهم 29 شخصا محكومين في قضايا “إرهاب” بعدما أعلنوا بشكل رسمي تشبثهم بثوابت الأمة ومقدساتها وبالمؤسسات الوطنية، وبعد مراجعة مواقفهم وتوجهاتهم الفكرية، ونبذهم للتطرف والإرهاب”.

وأوضحت وزارة العدل، أنه سيتم “العفو مما تبقى من عقوبة الحبس أو السجن لـ23 سجينا”، بينما سيجري “التخفيض من عقوبة الحبس أو السجن لـ6 سجناء”.ويستهدف برنامج “المصالحة” الذي تنظمه المندوبية العامة للسجون ومؤسسات رسمية أخرى منذ 2017، الراغبين في مراجعة أفكارهم بين المدانين في قضايا التطرف الديني.

واعتقلت السلطات المغربية منذ عام 2002 أكثر من 3500 شخص وجرى تفكيك أكثر من ألفي خلية إرهابية، بحسب إحصاءات رسمية.وفي المجموع، أصدر الملك محمد السادس بمناسبة عيد الفطر للسنة الجارية، عفوا عن 958 شخصا حُكِم عليهم من طرف مختلف محاكم المملكة.

وفي قراءته لمبادرة العاهل المغربي، إطلاق سراح هذا العدد من المعتقلين في قضايا الارهاب والذين قضى أغلبهم سنوات طويلة داخل السجون المغربية تصل إلى تقترب من 20 سنة، اعتبر الباحث في الفكر الإسلامي والجماعات الإسلامية  ادريس الكنبوري، أن هذه الخطوة “ستشجع الكثيرين من المعتقلين السلفيين على الالتحاق ببرنامج مصالحة للاستفادة من العفو، بعد أن لمسوا جديته، مقارنة بالمبادرات السابقة التي لم تكن ناجعة”.

تحوّل جديد لطي الملف

وسجل الكنبروي في حديثه لـ”مدار21″، أن “هذا أول عفو ملكي يصدر في حق المعتقلين السلفيين الذين شاركوا في برنامج مصالحة، الذي تشرف عليه مندوبية إدارة السجون منذ 2017″، مشيرا إلى أنه “من قبل كان العفو على المعتقلين السلفيين، يتم بناء على سلوك السجين داخل السجن ومواقفه، أما اليوم فقد أصبح هناك إطار محدد يمكن للسجناء أن ينخرطوا فيه للاستفادة من العفو”.

وأوضح الباحث في الفكر الإسلامي، أن “هذا التحول يدلّ على أن الدولة أصبحت واعية بأن هذا الملف يجب أن يطوى، وأن الاعتقال ليس هو الحل لظاهرة التطرف ما لم تكن هناك استراتيجية فكرية تعيد ادماج المعتقل السلفي في المجتمع ومصالحته مع القيم والثوابت المشتركة”.

وبخصوص اشكالية إدماج المفرج عنهم والذين كانوا متابعين في قضايا الارهاب، أكد الكنبوري، أن هناك مستويين لهذا الإدماج، يتعلق المستوى الأولي بالجانب الفكري والثاني بالجانب الااقتصادي والاجتماعي، أي تمكين هؤلاء من نشاط اقتصادي يخرجهم من الفقر والعزلة الاجتماعية، وتوفير الوثائق الإدارية لهم لكي يعيشوا يشكل طبيعي؛ ومحو سوابقهم كسجناء في إطار قانون الإرهاب لأن تلك السوابق تجعل الناس ينظرون إليهم نظرة خاصة تكرس عزلتهم الاجتماعية وقد تتسبب في عودتهم إلى التطرف كرد فعل.

من جهته، يرى عبد الوهاب رفيقي رئيس مركز وعي للدراسات والوساطة والتفكير‏، أن العفو الملكي على عدد من المعتقلين في قضايا الإرهاب بمناسبة عيد الفطر، هي “خطوة محمودة لا يمكن إلا تثمينها”، مضيفا أن “هذه هي ليست المرة الأولى التي يقوم فيها الملك بالعفو على المعتقلين في إطار برنامج مصالحة الذي انطلق سنة2016.

إعادة الحياة للمعتقلين

وأشار رفيقي الذي سبق له أن مرّ من تجربة الاعتقال في قضايا الارهاب، في حديثه لـ “مدار21″، إلى استفادة عدد من الأفواج التي خضعت لهذا البرنامج من العفو الملكي، ” و”بالتالي هو مسلسل عمره ست سنوات ولا يمكن مهما يكون من ملاحظات إلا دعمه وتشجيع كل الجهود التي تبذل في إطار هذا البرنامج”، يقول رفيقي.

وسجل الباحث في الدراسات الإسلامية المعروف بـ”أبي حفص”، أنه “ما يمكن الوقوف عنده من خلال العفو الملكي الأخير على المعتقلين في قضايا الإرهاب، هو أن عددا ممن الذين استفادوا من العفو الملكي بمناسبة عيد الفطر الأخير، همْ من المجموعات المعتقلة قديما في ملفات تتعلق بالإرهاب سواء تعلق الأمر بملف “يوسف فكري” ومن معه وما يعرف بـ”مجموعة 86″ التي نسبت إليها أحداث 16 ماي.

واعتبر أبو حفص، أن هذه المبادرة الملكية، “هي “خطوة جيدة” بعد 20 سنة تقريبا من الاعتقال بحيث قد يكون هؤلاء المفرج عنهم غيروا أفكارهم بما يكفي لتمتيعهم بالعفو، لاسيما لما أظهروه من حسن النوايا ومن الاستعداد للعودة إلى الحياة والاندماج في المجتمع، مردفا ” وهو ما يجعل بقاءهم في السجن غير ذي معنى”، مشددا على أنه ” بهذا العفو قد تم حل جزء كبير من بعض الإشكالات التي بقيت مرتبطة بأحداث 16 ماي” .

وأعرب رئيس مركز “وعي للدراسات والوساطة والتفكير”، عن الأمل في أن يتم الافراج عن باقي المعتقلين خلال المناسبات القادمة، خاصة ممن أبدوا ندماً على اعتناق الأفكار المتطرفة، وعبروا عن استعدادهم للعودة إلى الحياة من جديد، مسجلا في المقابل أنه “لا يمكن أن نتجاوز ما يمثله هذا العفو بالنسبة للعوائل وأقارب هؤلاء المعتقلين الذين أمضوا ما يقارب 20 سنة الاعتقال والانتظار”.

وتابع رفيقي، أنهم “سيكونون مسرورين بهذا العفو، الذي يأتي بعد طول عناء، لتمكينهم من معانقة الحرية، وإفساح المجال أمام المفرج عنهم لكي تقرّ أعينهم بأبنائهم”، وزاد: ” وهذا بُعد انساني  لا يمكن اهماله لاسيما وأننا نتحدث عن أمهات وزوجات وأطفال، وبالتالي لا يمكن إلا تثمين هذا البعد الإنساني المتجلي في مثل هذه القضايا”.

وخلص أبو حفص، إلى أنه “لابد من الإشارة إلى أن هذا العفو الملكي، يعتبر  من الطرق والسبل التي تكافح بها الدولة الفكر المتطرف والارهابي”، مؤكدا أنه بمثل هذه المبادرات تُعطى إشارات بأن الدولة مستعدة لاحتضان أبنائها ولإعادة ادماجهم في الحياة و تمتيعهم بفرص أخرى كلما تأكدت من سلامة نوياهم ومن استعدادهم للتصالح مع الوطن”.

من جانبه قال الكاتب الصحفي مصطفى الفن، إن العفو الملكي على 29 سلفيا، لا ينبغي أن يمرّ في صمت كما لو أنه “لا حدث”، مسجلا أن” العفو الملكي على هذا العدد من السلفيين هو حدث غير عادي ويفرض أن نتفاعل معه تفاعلا إيجابيا، وأن هذا العدد مهم ودال إذا ما استحضرنا هويات المستفيدين من العفو”.

الوطن لا يضيق بمواطنيه

وتبرز دلالات هذه الخطوة الملكية في الإفراج عن عدد العدد الكبير من المعتقلين في قضايا “إرهاب”، وفق الفن “إذا ما استحضرنا خطورة الأفعال والجرائم الثقيلة التي أدين بها هؤلاء السجناء..وأيضا إذا ما استحضرنا ربما حتى المجهودات التي تبذلها الرابطة المحمدية لعلماء المغرب في دفع السلفيين إلى الاعتدال وإلى تبني التدين الوسطي”

ويرى الكاتب الصحفي ذاته، أن “العفو الملكي على هذه العينة من السجناء له رسالة أولى مفادها أن الوطن لا يضيق بمواطنيه مهما أخطؤوا في حقه”، مضيفا ضمن تدوينة مطولة على “فايسبوك” أن “ثاني الرسائل فهي أن الوطن حتى وإن بدا قاسيا في بعض الأحيان فإنه سرعان ما ينتصر للرحمة وللصفح الجميل حتى مع وجود تهم ثقيلة كالإرهاب والتطرف”

بالمقابل، شدد الفن إن هناك خطوة هامة ينبغي أن تقوم بها حكومة عزيز أخنوش، بعد “هذا القرار الملكي النبيل والحكيم تجاه سلفيين قضى معظمهم أكثر من 19 أو 20 سنة في السجون”، ويتعلق الأمر بحسب الفن بـ”ضرورة إدماج هؤلاء السلفيين المفرج عنهم في المجتمع وفي الحياة وفي سوق الشغل”

وفي هذا الصدد، قال الفن: ” الإفراج صحيح مهم جدا لكنه سيعطي أكله وسينفع الناس والوطن وسيمكث في الأرض إذا ما أرفق مع الإدماج..”، موضحا “لأننا بكل بساطة سنحمي هؤلاء السلفيين الذين قضوا هذه الفترات الطويلة خلف القضبان من التنظيمات الداعشية المتطرفة التي ستعمل كل ما وسعها لاستعادتهم من جديد”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News