موقف

دافقير: “محميون” مغاربة يستقوون على سلطة بلدهم بالقوى الأجنبية

دافقير: “محميون” مغاربة يستقوون على سلطة بلدهم بالقوى الأجنبية
كلفة الجغرافيا ..وعدالة القضاء
لننطلق من ثلاث ملاحظات أولية:
1- قدر المغرب أن يدفع دائما، عبر التاريخ واليوم، ثمن جغرافيته. موقعه وإمكانياته تجعلانه محط صراع مصالح دولية كبرى، وأحيانا عليه أن يدفع ثمن ذلك. وفي ذلك التاريخ وهذا الحاضر أيضا، كان هناك دائم «محميون» مغاربة يستقوون على سلطة بلدهم بالقوى الأجنبية.
2- سبق للولايات المتحدة الأمريكية تحت حكم الديمقراطيين أن جربت إقحام قضايا حقوقية في علاقتها الثنائية مع المغرب، حدث ذلك سنة 2013 حين قدمت سوزان رايس مندوبة واشنطن لدى الأمم المتحدة توصية إلى مجلس الأمن بشأن مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء. وبقية القصة معروفة من بدايتها إلى اللحظة التي استقبل فيها باراك أوباما محمد السادس في البيت الأبيض.
3- المغرب لديه التزامات دولية في حقوق الإنسان سواء في إطار اتفاقيات دولية جماعية أو اتفاقات ثنائية، وهو حريص على الوفاء بتعهداته، وتقارير الخارجية الأمريكية تتضمن ما يكفي من الإشادات بتطور مسار الدمقرطة في المغرب.
بعد ذلك يمكننا الإنتقال إلي الملاحظات التي تخص تصريح الناطق الرسمي باسم الخارجية الأمريكية في قصضية المواطن المغربي سليمان الريسوني، ومعه في مرتب ثانية المواطن المغربي عمر الراضي:
1- المسؤول الأمريكي تحدث بلغة دقيقة ومتقنة، فهو لم يدن ولم يشجب ولم يستنكر، فهو يتحدث عن «إحباط» و «مخاوف» و «متابعة عن كتب»، وهذا يتناقض مع استنتاجات من تحدث عن «تقريع» و «توبيخ» ويصيب بالإحباط أولئك الذين سعوا نحو استصدار موقف أشد لهجة.
2- لم يتبن المسؤول الأمريكي رواية من يتحدثون عن أن القضية سياسية، على العكس من ذلك حافظ على موقعها كقضية حق عام، وبالنسبة إليه فإن المشكل يوجد في «الإجراء القضائي الذي أفرز هذا الحكم يتعارض الالتزامات المغربية بمحاكمات عادلة للأفراد»، كما أنه لم يتحدث عن استهداف الصحافة بل «مخاوف بشأن التأثير السلبي لهذه الحالات على حرية التعبير».
3- يبني المسؤول الأمريكي موقفه وتعليقه على «تقارير» و «زعم»، ما يعني أن الادارة الأمريكية ليست لديها قناعتها الخاصة خارج ما توصلت به من تقارير بشأن سير المحاكمة، ولأن الحزب الديمقراطي استثماره الرئيسي دوليا هو في مجال حقوق الإنسان فقد كان ضروريا أن يقدم على ما يشبه رفع العتب دون التورط التام في تبني الرواية والمزاعم المتوصل بها.
-4 لا يمكن التعليق على الأحكام القضائية دون الاطلاع على نص الحكم وما بنى عليه حكمه من حيثيات قانونية، فمن ضمانات المحاكمة العدالة في المغرب أن صار القضاء مجبرا على تعليل أحكامه ,وإلا فإنها تقع تحت طائالة البطلان، وهذا ما ذهب إليه الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف في تعقيبه على تصريحات هيئة دفاع المواطن سلفيمان الريسوني حين قال : « إن التعليق على الأحكام يكون بعد الإطلاع عليها وليس قبل ذلك، تفاديا لما قد ينجم عن الأمر من مغالطات، والذي لا يمكن أن يفسر إلا بمحاولة التأثير على القضاء».
-5 وعلى ذكر التأثير على القضاء، يشير تصريح المسؤول الأمريكي إلى «أجندة إصلاح الملك محمد السادس» و «وعد دستعور 2011» (هذا في حد ذاته مهم جدا ويتعارض مع أطروحة الدستور الممنوح وإفلاس المشروع الإصلاحي المغربي)) ومن أساسات هذا الوعد وتلك الأجندة إرساء مبدإ استقلال السلطة القضائية عن غيرها من السلط، ولذلك فإن القضية المعروضة على القضاء في إطار نزاع بين الخواص لا يمكن التدخل فيها بأوامر السلطة التنفيذية، فالبأحرى أن تتدخل فيها دولة أجنبية.
-6 يؤكد المسؤول الأمريكي على أنه «يجب على الحكومات أن تضمن للصحافيين أداء أدوارهم الأساسية بأمان دون خوف من الاعتقال الجائر أو التهديدات»، وهذه نقطة سبق وأوضحها الوكيل العام للملك حين أشار إلى أن « المعني بالأمر متابع من أجل جرائم تتعلق بالحق العام لا علاقة لها إطلاقا بعمله الصحفي».
ماذا يعني كل ما سبق؟
يعني شيئا واحدا ووحيدا، على هيئة دفاع المواطن سليمان الريسوني أن تبحث عن براءة موكلها في ساحة محكمة الإستئناف وليس في بلاغات الهيئات الديبلوماسية. ومن كان يراهن على موقف أمريكي يدين المغرب ويضعه في زاوية ضيقة، أخطأ التقدير وأخلف موعده مع النتيجة.
في الذكرى المائوية لاستقلال الولايات المتحدة الأمريكية، بعث الملك محمد السادس رسالة إلى الرئيس بايدن جاء فيها : «الطابع العريق لعلاقاتنا الثنائية ، المبنية على أسس متينة قوامها التقدير والاحترام المتبادلين»، كما أن التزام المملكة المغربية الوثيق بالقيم الدولية والكونية ، يشير الملك محمد السادس، يعتبر «منطلقا ذو أهمية بالغة للتنسيق مع إدارتكم في كل ما من شأنه أن يساهم في ترسيخ مختلف هذه القيم النبيلة التي تمثل قاعدة أساسية من أجل الاستمرار في العمل المشترك جنبا إلى جنب ، بما يخدم ويقوي روابط الصداقة والتعاون العريقة بين بلدينا».
وفي كل الحالات والأحوال، لا يملك كل ديمقراطي وحقوقي أصيل إلى أن يأمل تصحيح أخطاء مسار القضية في مرحلتها الابتدائية، وتتعاون جميع الأطراف في القضية، على ضمان الحق في محاكمة عادلة للمتهم والضحية معا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News