دعم واشنطن للحكم الذاتي يُجهض مناورات البوليساريو بخطاب مهترئ في الوقت الضائع

في وقت تتجه فيه أنظار المجتمع الدولي نحو دعم الحل السياسي الواقعي لنزاع الصحراء المفتعل، القائم على المبادرة المغربية للحكم الذاتي، خاصة عقب إعلان واشنطن دعمها الصريح لهذه المبادرة على لسان رئيسها السابق دونالد ترامب ومستشاره، أعلنت جبهة البوليساريو الانفصالية عن تقديم ما سمّته “نص مقترحها الموسّع”، وهي خطوة وُصفت بأنها محاولة لتدارك العزلة الدبلوماسية التي تعيشها الجبهة واستعادة حضور فقدته في مسار أصبح محسوماً لصالح رؤية الرباط.
فمنذ أن قدّم المغرب سنة 2007 مبادرته للحكم الذاتي، التي تمنح سكان الأقاليم الجنوبية صلاحيات واسعة لتدبير شؤونهم المحلية في ظل السيادة الوطنية، تغيّر المشهد الدولي بشكل جذري، إذ أضحت المبادرة المغربية مرجعاً وحيداً لأي حديث عن تسوية واقعية ودائمة للنزاع، إذ وصفتها قرارات مجلس الأمن المتعاقبة بأنها “جادة وذات مصداقية”، بينما حظيت بدعم متزايد من القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا، فضلاً عن انضمام عدد من الدول الإفريقية والعربية إلى قائمة المؤيدين لسيادة المغرب الكاملة على صحرائه.
وفي مقابل هذا الزخم الدبلوماسي الذي راكمته الرباط بفضل رؤيتها الواضحة والتزامها بمسار الأمم المتحدة، تحاول جبهة البوليساريو اليوم إعادة تدوير خطابها القديم حول “تقرير المصير” عبر استفتاء أثبت الواقع استحالته، بعدما أقرت الأمم المتحدة نفسها بأن هذا الخيار غير قابل للتطبيق بسبب الخلافات الجوهرية حول لوائح الناخبين والواقع الميداني الجديد الذي رسّخته التنمية المتسارعة في الأقاليم الجنوبية.
ورغم محاولة زعيم الجبهة الانفصالية إبراهيم غالي تقديم المقترح الجديد كـ”بادرة حسن نية”، متحدثاً عن “تقاسم فاتورة السلام” وإبداء استعداد للتفاوض مع المغرب على “علاقات استراتيجية”، فإن الخطوة بدت، أقرب إلى مناورة إعلامية منها إلى عرض سياسي جدي، خاصة أنها لم تصدر بطلب من مجلس الأمن، ولا بتنسيق مع المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا.
مصطفى ولد سلمى، القيادي السابق في جبهة البوليساريو، اعتبر أن الورقة التي قدمتها جبهة البوليساريو مؤخراً تشكل محاولة لفتح النقاش على مستوى مجلس الأمن بدلاً من حصره في مقترح الحكم الذاتي، موضحاً أن الهدف منها هو تشتيت الزخم الدولي الذي تحظى به المبادرة المغربية، وعدم تركها وحيدة على الطاولة، وذلك لربح الوقت وتبديد موجة الدعم المتزايدة للحكم الذاتي، في انتظار حدوث متغيرات دولية قد تعزز موقع الجزائر والبوليساريو مستقبلاً.
وقال مصطفى ولد سلمى، إن الصلح بين الجزائر والمغرب مرتبط بنهاية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، مؤكداً أن الأولوية يجب أن تكون للمصالحة بين البلدين، باعتبار أن قضية الصحراء تمثل أحد الملفات العالقة بينهما، لكنها ليست الوحيدة، لافتا في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن ورقة الضغط الأقوى لدى الجزائر تتمثل في استمرار نزاع الصحراء، باعتباره ملفاً دولياً مطروحاً على طاولة الأمم المتحدة، ومرتبطاً بقبول أطراف النزاع بحل سياسي وفق مبادئ المنظمة الأممية.
وأضاف ولد سلمى أن حل قضية الصحراء لا يمكن أن يتحقق إلا عبر مقاربة سياسية توافقية تشمل المغرب والجزائر والبوليساريو وموريتانيا، مشدداً على أن مجلس الأمن قادر على اتخاذ قرار حاسم عند حصول توافق بين أعضائه الدائمين، لكنه غير مخول لفرض أي حل ما لم يُدرج الملف تحت البند السابع الملزم، معتبرا أن هذا السبب وراء الجهود الأمريكية المبذولة لتقريب وجهات النظر بين المغرب والجزائر، بهدف تسوية الملفات العالقة بينهما وتفادي أي تصادم قد يهدد استقرار المنطقة.