دولي

من ملاذ الأنبياء لطريق المنفى… الطيبة الفلسطينية تنزف من جراح المستوطنين

من ملاذ الأنبياء لطريق المنفى… الطيبة الفلسطينية تنزف من جراح المستوطنين

“الطيبة” بلدة فلسطينية تقع شرق مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، نزع عنها المستوطنون الإسرائيليون أمنها وسلامها وحوّلوها بهجماتهم المتكررة إلى مكان يفقد أبناءه يوميا، وذلك باللجوء إلى الهجرة طمعا في حياة كريمة آمنة. ​​​​​​​

منذ القدم ترمز هذه البلدة إلى الأمن والطمأنينة، ويُروى أن نبي الله عيسى المسيح لجأ إليها بعدما خرج من القدس للنجاة من مؤامرة قتله، فلجأ إلى البرية التي تعرف اليوم بـ “الطيبة”، حيث الأمان.

لكن الطيبة اليوم لم تعد كذلك، حيث يتعرّض سكانها وجميعهم مسيحيون، لاضطهاد المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين، ما يدفع المواطنين إلى الهجرة بما يهدد المكوّن المسيحي في فلسطين.

ففي يوليو/ تموز 2025 أحرق مستوطنون الجهة الخلفية من كنيسة الخضر التاريخية، واعتدوا على مساكن ومركبات الفلسطينيين بالحرق وخطّوا شعارات عنصرية باللغة العبرية تهدد أهالي البلدة، منها “الموت للعرب، شعب إسرائيل حي”.

يقول سكان البلدة إن “الطيبة اليوم تعيش مخاضا من الصعوبات والتحديات، ولم تعد ملاذا للمضطهدين” كما كانت عبر التاريخ.

بشار فواضلة، راعي كنيسة الفادي للاتين في البلدة، يقول لمراسل الأناضول، إن “الطيبة تعيش اليوم حالة صعبة جراء التضييق وحالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي واعتداءات المستوطنين”.

ويبيّن أن “للبلدة مكانة دينية في الديانة المسيحية، حيث ذكر في الإنجيل أن المسيح ترك القدس هربا من اليهود الذين عزموا على قتله ولجأ إلى الطيبة ومكث فيها أياما قبل موته وقيامته”، وفق الرواية المسيحية.

ويوضح فواضلة أن الطيبة ذكرت في الإنجيل باسم “أفرايم”.

“نفقد وجودنا المسيحي في فلسطين”

وفي تبعات تعكس الوضع غير المستقر للبلدة، يشتكي فواضلة من تراجع في عدد المواطنين الذي كان يبلغ نحو 3 آلاف مسيحي في ثمانينات القرن الماضي، بينما لا يتعدى عدد سكانها اليوم 1250 نسمة.

ويتابع: “نشهد هذه الأيام حركة هجرة كبيرة في البلدة، فمنذ 7 أكتوبر 2023 هاجرت 10عائلات، وهناك مجموعة من الشباب تفكر جديا بالهجرة قريبا”.

وأرجع ذلك إلى الصعوبات والمعيقات والتحديات والتضييقيات، وإلى حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، ولإغلاق إسرائيل أي أفق واستقرار وفقدان مصدر الرزق.

وقال فواضلة: “بات لا يتوفر هنا في فلسطين لا أمن ولا استقرار ولا مصدر دخل ثابت ولا منزل ومأوى آمن”، مشيرا إلى تزايد اعتداءات المستوطنين على المواطنين وخاصة في قرى وبلدات شرق رام الله.

وتابع: “نفقد ليس العدد بل نوعية الأشخاص التي لها حضور مميز ولها أبعاد تنموية وبشرية واقتصادية، نفقد جزءا أساسيا وصلبا من وجودنا الفلسطيني المسيحي في هذه البلد”.

لا أمن ولا استقرار

رجل الدين الفلسطيني لفت إلى أن البلدة “تعد سياحية بالدرجة الأولى، وكان يزورها نحو 13 ألف سائح سنويا، الأمر الذي كان ينعكس إيجابا على الحياة الاقتصادية وتشغيل قطاعات واسعة فيها، بينما لا يصلها اليوم العشرات”.

ويوجد في البلدة “كنيسة الخضر” التي شيدت في القرن الخامس للميلاد، وأعيد بناؤها في القرن الثاني عشر، وتعد من أقدم كنائس فلسطين.

وتسعى الكنيسة بالشراكة مع القطاع المحلي إلى بناء وحدات سكنية للشبان وتوفير فرص عمل مؤقته لبضعة أشهر في محاولة منها للحد قدر الإمكان من الهجرة.

يقول فواضلة: “الطيبة بلدة مسيحية 100 بالمئة، كانت تعد ملجأ للأمن والأمان، باتت اليوم تعيش مخاضا من الصعوبات والتحدّيات”.

وأضاف: “هجمات المستوطنين لم تتوقف، وإسرائيل تعمل على إنشاء حلم تأسيس مملكة إسرائيل في الضفة الغربية”.

ويتابع: “مسيحيو الطيبة يُصلّون اليوم من أجل إنهاء الظلم وإعطاء كل ذي حق حقه، وأن يعيش الشعب الفلسطيني في أرضه بأمن وأمان”.

وتعرضت الطيبة في الأشهر الأخيرة إلى سلسلة اعتداءات من المستوطنين، بينها حرق الجهة الخلفية لكنيسة الخضر، وحرق مركبات واعتداء على المواطنين.

البلدة محاطة بمستوطنات إسرائيلية من كافة الجهات، غير أن بؤرة رعوية استيطانية يسكنها مجموعة من مستوطني “فتيان وفتيات التلال” يشنّون أعمال عربدة على المواطنين.

ويقول فواضلة: “كانت الطيبة مكانا للجوء، واليوم بما تتعرض له كما بقية البلدات الفلسطينية، تعيش مرحلة مخاض من الصعوبات جراء هجمات المستوطنين، فأصبحت غير آمنة، غير مريحة لا تعطي الطمأنينة والسكينة”.

الهجرة ضريبة الفلسطيني

الفلسطينية جاكي جورج (46 عاما)، تقول للأناضول إن حياتها انقلبت رأسا على عقب منذ 7 أكتوبر جراء تصاعد اعتداءات المستوطنين وتردّي الوضع السياسي والاقتصادي.

وتضيف: “بات من غير الممكن أن أخرج لبستان بيتي، قد أجد المستوطن الراعي وقطيعه فيه، إذا ما خرجت من البيت أخشى العودة ليلا لا أعلم ماذا يمكن أن أصادف”.

وتشير إلى أن كل ذلك تسبب بفصل عائلتها إلى نصفين، حيث يعيش زوجها منذ عام في الولايات المتحدة جراء تردّي وضعهم الاقتصادي.

جاكي المعلّمة في مدرسة تابعة للكنيسة، تقول: “اتخذنا قرار الغربة، وهذا كان أصعب قرار في حياتنا”، وتتابع: “هذه هي ضريبة أن تكون فلسطينيا”.

وبموازاة الإبادة بقطاع غزة، قتل الجيش الإسرائيلي ومستوطنون بالضفة، بما فيها القدس الشرقية، ما لا يقل عن 1047 فلسطينيا، وأصابوا نحو 10 آلاف و300، إضافة لاعتقال أكثر من 19 ألفا بينهم 400 طفل، بحسب معطيات فلسطينية.

ومنذ 8 أكتوبر 2023، ارتكبت إسرائيل إبادة جماعية بقطاع غزة، بدعم أمريكي، خلّفت “67 ألف و806 شهداء و170 ألفًا و66 جريحًا”، غالبيتهم من الأطفال والنساء، إلى جانب مجاعة أودت بحياة 463 فلسطينيًا، بينهم 157 طفلًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News