مرحلة ما بعد خطة ترمب بغزة.. خلافات مستمرة وملفات شائكة على طاولة التفاوض

بعد عامين من الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مساء الأحد “انتهاء الحرب”، بينما تستكمل “حماس” وإسرائيل المرحلة الأولى من خطة ترمب للسلام في غزة، والتي تتضمن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، فيما تثار أسئلة بشأن مصير المراحل المقبلة، خصوصاً ما يتعلق بكيفية حكم وإدارة قطاع غزة، ومصير حركة “حماس” وسلاحها.
رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن، ذكر في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز”، أن الوسطاء (مصر وقطر وتركيا) قرروا تأجيل التفاوض بشأن ما وصفه بـ”القضايا الأكثر تعقيداً”، مثل نزع سلاح حركة “حماس”، معتبراً أن “الطرفين ليسا جاهزين لعقد اتفاق شامل”.
ويثير رئيس الوزراء القطري في تصريحاته، أحد جوانب الاتفاق الحالي لوقف الحرب وتبادل الأسرى بين “حماس” وإسرائيل، والذي يركز على التزام الطرفين بتنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترمب، قبل الانتقال إلى المراحل الأخرى الأكثر تعقيداً.
فبدلاً من انتظار حلّ التفاصيل قبل إعلان التوصل إلى اتفاق، دفعت الإدارة الأميركية والوسطاء، في مصر وقطر وتركيا، الطرفين إلى قبول الصفقة علناً قبل أن يُحسم كل ما اتّفق عليه فعلياً.
وعند لحظة وقف إطلاق النار، على سبيل المثال، لم تكن إسرائيل و”حماس” قد اتفقتا بعد على أسماء الأسرى الفلسطينيين الذين يتم الإفراج عنهم.
وأضاف رئيس الوزراء القطري، أنه “لو تفاوضنا على اتفاق شامل منذ البداية، لما كنا لنصل إلى هذه النتائج”، في إشارة إلى وقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية وتبادل الأسرى.
ورغم المخاوف بشأن المراحل المقبلة من الاتفاق، خاصة في ظل القضايا الخلافية بين طرفي التفاوض، يشدد الرئيس الأميركي على أن “الحرب انتهت”، وقال للصحافيين خلال رحلته من واشنطن إلى تل أبيب: “الحرب انتهت. نعم، الحرب انتهت”.
واعتبر ترمب، في تصريحات على متن طائرته الرئاسية خلال رحلته إلى تل أبيب، الاثنين، أن اتفاق غزة، “ربما يكون أعظم إنجازاته”.
وتضع خطة السلام التي أطلقها ترمب، نهاية لحرب إسرائيلية قتلت أكثر من 67 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، وتسببت في مأساة إنسانية طاحنة، مع تفشي المجاعة والأمراض، وتدمير 80% من مباني القطاع.
كما أنهى اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه بعد محادثات ماراثونية في مدينة شرم الشيخ المصرية، الأسبوع الماضي، أحد أبرز القضايا الأساسية في هذه الحرب، وهي تبادل الأسرى بين إسرائيل و”حماس”، والتي اعتبرها ترمب أساسية في نجاح المراحل المقبلة من “اتفاق واسع للسلام في منطقة الشرق الأوسط”.
“حماس” وإسرائيل
أطلق إعلان الاتفاق على تنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترمب بشأن قطاع غزة، أسئلة بشأن مستقبل القطاع وحركة “حماس”، ولكنه منح كل طرف من أطراف التفاوض، روايته الخاصة عن “الانتصار”.
بعد إعلان التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، الخميس الماضي، اعتبر القيادي في “حماس”، محمود مرداوي، أن “غزة مقبرة الغزاة، انتصرت بثباتها ووحدتها، وفرضت إرادتها على العدو المتغطرس”، فيما اعتبرت إسرائيل أن الاتفاق “يُجبر حماس على الاستسلام، عبر الإفراج عن جميع المحتجزين، والسماح للجيش الإسرائيلي بالسيطرة على أجزاء واسعة من القطاع، وإلزام حماس بنزع سلاحها”.
ومع إصرار كل طرف على موقفه، قال رئيس الوزراء القطري لـ”نيويورك تايمز”، إن “حماس أبدت استعداداً لمناقشة شكل مختلف من العلاقات مع إسرائيل”. وتابع: “في الواقع، حماس منفتحة على مناقشة سبل عدم تشكيل تهديد لإسرائيل”.
وذكر ترمب في تصريحاته للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية، الأحد، أنه يعتقد أن وقف إطلاق النار سيصمد لأن “كلاً من إسرائيل وحماس سئمتا القتال”، ولأن “معظم الناس في إسرائيل وفي دول المنطقة يدعمون خطة السلام الأميركية”.
وأوضح أنه تلقّى ضمانات من الطرفين بشأن تنفيذ الاتفاق، مضيفاً: “لا أعتقد أن أحداً يرغب في أن يخيب أملي”.
وأشار ترمب إلى أنه كانت هناك خلافات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بشأن حرب غزة، لكنه أشار إلى أنها “حُلّت سريعاً”.
قضايا خلافية
وعلى الرغم من الاتفاق على تنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترمب، تبرز العديد من القضايا الخلافية، بما في ذلك تفاصيل عملية تبادل الأسرى، خاصة ما يتعلق بأسماء الأسرى الفلسطينيين القادة.
وترفض إسرائيل إطلاق سراح القادة الفلسطينيين الكبار المحتجزين في سجونها من ذوي الأحكام المؤبدة، رغم إصرار “حماس” على إطلاق سراحهم.
ولا تزال هناك مخاوف أخرى، بشأن استكمال تسليم رفات المحتجزين الإسرائيين الذين لقوا مصرعهم في حرب غزة.
وتتضمن بنود اتفاق وقف إطلاق النار، تعهدات بإدخال 600 شاحنة مساعدات يومياً إلى غزة.
ولا تزال العقبات نفسها قائمة، فالأمم المتحدة وشركاؤها يفتقرون إلى القدرة على إيصال هذا العدد من الشاحنات يومياً، بسبب الإجراءات البيروقراطية الإسرائيلية عند المعابر، بينما تعمل اللجنة الدولية المشتركة (مصر وقطر وتركيا) المشرفة على مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، على إدارة وتوزيع المساعدات.
وعلاوة على ذلك، تنصّ الخطة الأميركية بشأن غزة، على الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، بالتوازي مع نزع سلاح “حماس”.
إلا أن إسرائيل لا تعتزم القيام بذلك. ونقل الصحافي الإسرائيلي، آميت سيجال، المقرّب من نتنياهو، أن الجيش الإسرائيلي لا ينوي التخلّي عن السيطرة على 53% من مساحة غزة التي يحتلها حالياً، وفق ما أوردت مجلة “فورين أفيرز”.
وتؤكد تصرفات إسرائيل في أماكن أخرى هذا التوجّه، إذ ما زالت تحتل 5 مواقع في تلال لبنان رغم توقيعها اتفاق وقف إطلاق النار مع “حزب الله” في نوفمبر 2024، والذي نصّ على انسحابها. كما أبقت قواتها على الأراضي السورية.
قوات دولية في قطاع غزة
وإنهاء الحرب على غزة، يتطلب أيضاً وجود قوات على الأرض لضمان الأمن. ونشرت وزارة الداخلية الفلسطينية في قطاع غزة، التي تديرها “حماس”، السبت، الآلاف من عناصر الشرطة والأمن في كافة مدن قطاع غزة ومخيماته، التي انسحبت منها القوات الإسرائيلية لحفظ النظام والأمن.
وفي تعليقه على ذلك، قال الرئيس الأميركي ترمب، إنه وافق على نشر قوة شرطة تابعة لـ”حماس” لفترة مؤقتة في غزة.
وأعربت مصر، عن دعمها لنشر قوات دولية في قطاع غزة ضمن ترتيبات المرحلة الأولى من الخطة الأميركية لإنهاء الحرب، وأكدت أن أي انتشار عسكري يجب أن يتم بتفويض رسمي من مجلس الأمن الدولي يحدد مهام القوات، وولايتها على الأرض.
وتفترض خطة ترمب أن دولاً عربية وإسلامية ستنشر قوات في القطاع، وقد أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في التاسع من أكتوبر الجاري، عزم بلاده “المشاركة في قوة المهام التي ستراقب تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار على الأرض في قطاع غزة”.
وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في مقابلة مع شبكة CBS NEWS الأميركية، إن “جزءاً من الاتفاق يتعلق بالترتيبات الأمنية، ونحن نعمل على مستويات مختلفة”، موضحاً أن هناك “فلسطينيين في غزة سيتم تدريبهم ونشرهم داخل القطاع”، وأن مصر “بالتنسيق مع الأردن تعمل حالياً على تدريب نحو 5 آلاف فلسطيني ليكونوا ضمن القوة التي ستنتشر في غزة”.
ولكن إعداد هذه القوة قد يتطلب وقتاً، إذ نقلت “فورين أفيرز” عن مسؤولين عسكريين أميركيين، إقرارهم في أحاديث خاصة بأن تشكيل قوة فلسطينية فعالة ومدرّبة جيداً قد يستغرق 18 شهراً على الأقل، وهو وقت أطول بكثير مما تسمح به مراحل تنفيذ خطة ترمب للسلام في غزة.
كما أن خطة ترمب قد تضع أيضاً 4 قوى عسكرية مختلفة داخل غزة في الوقت نفسه، وفق “فورين أفيرز”، وهي: مقاتلو حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى، وقوات تابعة للسلطة الفلسطينية، وقوات دولية لحفظ السلام، والجيش الإسرائيلي، وهو ما قد يدفع بدول إلى رفض المشاركة في مثل هذا الوضع.
واستبق نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، خلال تصريحات لشبكة ABC NEWS الأميركية، مساء الأحد، عملية تبادل الأسرى بين إسرائيل و”حماس”، الاثنين، بالتأكيد على أن بلاده “لا تعتزم إرسال أي قوات أميركية برية إلى غزة أو إسرائيل”، مشيراً إلى أن قوات تابعة للقيادة المركزية الأميركية الوسطى “سنتكوم”، تعمل على “مراقبة تنفيذ شروط وقف إطلاق النار، وضمان تموضع القوات الإسرائيلية في الخط المتفق عليه، والتأكد من أن حماس لا تهاجم مدنيين إسرائيليين، وبذل كل ما بوسعهم لضمان أن السلام الذي أنشأناه سيستمر ويصمد”.
ومع الشروع في تنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترمب بشأن غزة، والتي تتضمن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة “حماس” الفلسطينية، لا تزال العديد من النقاط الخلافية، قائمة، في رحلة التفاوض على “قضايا معقدة” في باقي مراحل خطة إنهاء حرب غزة.