حوارات

بوعياش: نرفض إعدام مغتصبي الأطفال ونتمنى قطع حكومة أخنوش مع التردد

بوعياش: نرفض إعدام مغتصبي الأطفال ونتمنى قطع حكومة أخنوش مع التردد

مضى ما يزيد عن عقدين ونصف من الزمن عن آخر تنفيذ لحكم بالإعدام في المغرب، في حق قائد الشرطة محمد مصطفى ثابت الشهير بـ”الحاج ثابت”، في قضية مثيرة شغلت الرأي العام الوطني سنة 1993. منذ ذلك الوقت، وبالرغم من عدم تنفيذه فعليا، فما تزال المحاكم تنطق به، في وقت العشرات من المحكومين بتلك العقوبة يقبعون في السجون، بعضهم قضوا سنوات طويلة داخلها وهم يترقبون ما قد يحمله الغد، خصوصا في ظل عدم الإلغاء الصريح لتنفيذ العقوبة في القانون المغربي، وهو ما دفع عشرات الحقوقيين والمنظمات الدولية الناشطة في المملكة، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان مرارا إلى دق ناقوس الخطر.

ومع تعاقب الحكومات، يبقى هذا المطلب قائما، بحسب رئيسة المجلس الوطني لحقوق، آمنة بوعياش، التي خصت “مدار21” بحوار مطوّل، نتناول في هذا الجزء منه مطالب إعدام مغتصبي الأطفال الذي يعود إلى الواجهة في كل مرة تظهر فيها فاجعة جديدة.

مع تنامي ظاهرة الاعتداءات الجنسية على الأطفال ببلدنا، كثيرون يطالبون بالإخصاء والإعدام لمغتصبي الأطفال والمعتدين عنهم، كيف ترون هذا الأمر؟

هذا السؤال فيه شقين، شق ضمني يفترض أو يلمح إلى فعّالية عقوبة الإعدام في ردع مثل هاته الجرائم الفظيعة ضد الأطفال، وهذا في نظري ونظر المدافعين عن الحق في الحياة أمر مستحيل، لأن عقوبة الإعدام كما سبق الإشارة إلى ذلك عقوبة غير رادعة ولا فعّالة؛ وشق ثانٍ يتعلق بالاعتداء الجنسي على الأطفال لا يقل أهمية عن الموضوع العام لهذا الحوار، وإن كان الربط بين شقي السؤال غير دي جدوى تُرجى، لأن تطبيق عقوبة الإعدام من عدمه لن يحل بأي حال من الأحوال إشكالية الاغتصاب والاعتداء الجنسي على الأطفال بالمغرب.

الأحكام القانونية ذات الصلة بالاعتداء الجنسي على الأطفال أحكام ملتبسة ومرتبكة وغير استباقية، علاوة على أن القانون لا يطبّق بشكل مؤسّس وممنهج. فتعريف “الاغتصاب” مثلا في القانون الجنائي المغربي لا يشمل جميع أشكال الاعتداء الجنسي، كما أن جريمة “هتك العرض” لا تعكس في الحقيقة خطورة الجرائم المرتكبة في مثل هذه الحالات.

أما الردع وأنجع الطرق وأكثرها فعالية في مكافحة مثل هذه الجرائم فيتمثل في اليقين من المتابعة الحتمية عند ارتكاب أي جُرم، وليس انتهاك الحق في الحياة باسم القانون، مقرونا بالوقاية الفعلية والفعّالة من حالات العود. كما يتضمن ذلك أيضا رفع المؤهلات التقنية والعلمية للشرطة المغربية وتعزيزها من أجل حل أكبر عدد ممكن من القضايا، وهذ أمر رادع في حد ذاته.

مكافحة الإفلات من العقاب، من خلال نظام قضائي فعّال وقانون جنائي مناسب تطبق وفقه العقوبات المتناسبة بشكل يمكن التنبؤ به، تساعد في الحقيقة على خفض معدلات الجريمة، كفيل بإيجاد الأجوبة المناسبة لهذه الحالات.

هل يسع حكم الإعدام كبح جماح الظلم الذي يتعرض له الأشخاص ضحايا الجرائم الجماعية وأسرهم، كالجرائم الإرهابية على غرار أحداث “شمهروش” الأخيرة؟ وكيف يسع المشرّع المغربي التعامل مع الأمر إذا ما استحضرنا أيضا أنه بالرغم من بشاعة جرائم القتل يستفاد من العفو بهذا الخصوص؟

العفو مؤسسة لا يمكن اختزالها بالشكل الذي جاء به هذا السؤال، لأن فلسفته تقوم بالأساس على الإصلاح وعلى فرص إعادة الإدماج في المجتمع. وأنا بدوري أتساءل كيف يمكن لأي حكم، كيفما كانت قساوته، أن يعوض ضحايا مثل هذه الجرائم وأسرهم؟ هذا أمر مستحيل.

مكافحة الجرائم الإرهابية قضية مجتمعية، لأنها تهزّ ببشاعتها المجتمع وتخلق، في حال تواترها، مثل ما يقع في دول عديدة، الخوف والترهيب والشعور بانعدام الأمن. عقوبة الإعدام لا تجيب على الإشكالات التي يطرحها الإرهاب، لأن الموت بحد ذاته لا يكون رادعا في مثل هذه الحالات، ليبقى الجواب في وجهة نظري، مجتمعيا وليس بالضرورة قضائيا، من أجل الوقاية والتثقيف ومحاربة التضليل وتعزيز الاستباقية للحيلولة دون وقوع هذه الجرائم. وقد أثبت المغرب في هذا الإطار عن كفاءة عالية وعدد من الممارسات الفضلى.

من خلال التجارب المقارنة، إذا ما أردنا تعزيز دحض ادعاء أن تطبيق الإعدام رادع لمثل هذه الجرائم وغيرها من الجرائم الخطيرة الأخرى، يتبين أن الدول التي تبقي على عقوبة الإعدام وتواصل تنفيذها لا تنجح بالضرورة في خفض معدلات جرائم القتل والجرائم العنيفة. في حين تشهد الدول التي ألغت العقوبة واستثمرت بشكل كبير في إصلاح تشريعاتها وأجهزتها القضائية انخفاضًا أو على الأقل استقرارًا في معدلات هذه الجرائم.

في كندا مثلا، انخفض عدد جرائم القتل سنة 2008 إلى أقل من نصف عدد جرائم القتل سنة 1976، عندما تم إلغاء عقوبة الإعدام. وإذا أردنا المقارنة داخل نفس النسق الفيدرالي، في الولايات المتحدة الأمريكية، مثلا، نجد أن معدلات جرائم القتل أقل بالولايات التي لا تعتمد عقوبة الإعدام بالمقارنة مع الولايات التي تبقي على هذه العقوبة، حيث إن هذه المعدلات تبقى دون المعدل الوطني بالنسبة لأغلب الولايات التي لا تطبق عقوبة الإعدام، في حين أن هذه المعدلات أعلى من المعدل الوطني بالنسبة لنصف الولايات التي تبقي على عقوبة الإعدام. كما أنه خلال عقدين، ظل معدل جرائم القتل في الولايات التي تبقي على عقوبة الإعدام أعلى بـ 48 بالمئة إلى 101 بالمئة من الولايات التي لا تعتمد عقوبة الإعدام، حسب الدراسات المعدة بهذا الشأن بالولايات المتحدة الأمريكية.

هل تعتقدون بأن حكومة عزيز أخنوش التي ولدت تزامنا مع مشروع النموذج التنموي قد تتفاعل بشكل إيجابي مع مطالب إلغاء هذه العقوبة تشريعيا؟

لا يمكننا الحكم بموضوعية على الخيارات التي ستنهجها الحكومة الحالية بشأن موضوع إلغاء عقوبة الإعدام، خاصة أنها حكومة معينة حديثا، غير  أنه لا بد من التذكير أنها مسؤولية احترام حقوق الإنسان، بشكل عام، وتعزيز حمايتها وتدبيرها تبقى مسؤولية ملقاة على عاتقها.

من موقعنا، باعتبارنا مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان، وجّهنا توصيات ومقترحات لرئيس الحكومة من أجل وضع حقوق الإنسان في صلب السياسات العمومية (بعد مصادقة جمعية المجلس العامة عليها في دورتها الأخيرة-أكتوبر 2021). ومن ضمن هذه المقترحات والتوصيات، شدد المجلس الوطني لحقوق الإنسان على ضرورة ملائمة التشريعات الوطنية مع المعايير والمقتضيات الدولية التي صادق عليها المغرب وأيضا تعزيز الممارسة التعاقدية للمملكة، بما في ذلك بالمصادقة على البروتوكول الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتعلق بمنع عقوبة الإعدام، والقطع بشكل تام ونهائي مع كل أشكال التردد التي تحدثنا عنها.

نبقى متفائلين ونأمل اتخاذ خطوة مهمة في عملية توسيع وتعزيز الأوراش الديمقراطية والحقوقية بالمغرب، خاصة بعد قرار الحكومة سحب مشروع القانون الجنائي من البرلمان، وسننتظر ما سيقدمه المشروع الجديد بخصوص عقوبة الإعدام، وهي فرصة للقطع مع التردد التشريعي السابق.

تعليقات الزوار ( 1 )

  1. هذه التي ترفض إعدام مغتصبي الأطفال فإني أتمنى أن يقع أحد أطفالها ، أو أحفادها بين يد أحد المغتصبين لنرى ردة فعلها..فهي لا تحس بما يحس هؤلاء الآباء الذين اغتصب أطفالهلم من معاناة، ومن حالات نفسية مدمرة…الذي يده في النار ، ليس كالذي يده في الماء…إنها لم تعش تلك التجربة القاسية…كم أتمنى أن يطبق على هؤلاء افعدام، وفي الساحات العامة ليكونوا عبرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News