ستارمر يدعو لصحوة وطنية لمواجهة صعود اليمين المتطرف

قال رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، أول أمس الجمعة، إن “الاصطفاف السياسي الحاسم في عصرنا يتمثل في الاختيار بين سياسة تقوم على استغلال معاناة العمال وتوظيفها كمنصة للانقسام، وبين نهج يقوم على صحوة وطنية متجذرة في المجتمعات المحلية لبناء بلد أفضل يتسع للجميع”.
وبعيدا عن كونه مجرد تصريح عابر، يعكس خطاب المسؤول البريطاني الواقع السياسي الراهن في المملكة المتحدة، حيث تشهد الساحة تحولات عميقة أشبه بزلزال سياسي، وما يرافقها من اهتزازات كبرى تستدعي متابعة متبصرة ورصينة.
فمنذ انتخابات 2024، التي شهدت عودة حزب العمال إلى السلطة بعد 24 عاما في صفوف المعارضة في مواجهة منافسه المحافظ، ما فتئ أقصى اليمين، ممثلا في حزب “الإصلاح البريطاني”، يحقق تقدما في استطلاعات الرأي، مستفيدا من موجة “شعبوية” لكسب ثقة الناخبين.
وبين قضايا الهجرة والخدمات العمومية، التي يُتهم المهاجرون باستغلالها بشكل مفرط، وصولا إلى شعار “حماية الهوية الوطنية”، يبدو أن حزب “الإصلاح البريطاني”، بقيادة نايجل فاراج المثير للجدل، ينجح في خطته الرامية إلى تغيير الخريطة السياسية البريطانية، التي هيمن عليها حتى الآن الحزبان العريقان: العمال والمحافظون.
وقد أظهر استطلاع للرأي نشرته وسائل الإعلام البريطانية، يوم الجمعة، الصعود المدوي لحزب “الإصلاح البريطاني”، حيث أفادت دراسة أجراها معهد “يوغوف” أن هذا الحزب قد يتمكن من الفوز بـ 311 مقعدا من أصل 650 في مجلس العموم، الغرفة السفلى في برلمان وستمنستر.
وتُعد هذه النتيجة مفاجئة، علما أن تشكيل فاراج لا يملك حاليا سوى خمسة نواب في مجلس العموم.
ويأتي حزب العمال في المرتبة الثانية بـ 144 مقعدا، بينما تراجع المحافظون، الذين يقودون المعارضة الحالية، إلى المرتبة الرابعة بـ 78 مقعدا فقط، في نتيجة وُصفت بالمذلة.
وبحسب محللين سياسيين، فإنه يتعين أخذ نتائج استطلاع “يوغوف” على محمل الجد، مؤكدين أن الأحزاب التقليدية، لا سيما العمال والمحافظين، تواجه حاليا محيطا سياسيا متقلبا يقوده فاعلون كانوا يعتبرون في السابق على الهامش.
في هذا السياق غير المسبوق، يعتبر حزب العمال بقيادة كير ستارمر حزب “الإصلاح البريطاني” منافسه الأول، بعد التراجع غير المسبوق لحزب المحافظين.
غير أن ثمة تغييرا لا يقل أهمية على الجانب الأيسر من الساحة السياسية في البلاد، حيث يتجه جيريمي كوربين، الزعيم السابق لحزب العمال، نحو الإعلان الرسمي عن الحزب الذي أسسه مؤخرا بعد مغادرته صفوف العمال. وبحسب السياسي البريطاني المخضرم، فقد تلقى حزبه الجديد، المسمى “حزبكم” (Your Party)، بالفعل مئات الآلاف من طلبات الانضمام.
وإذا كان نايجل فاراج يستهدف الناخبين المحافظين، فإن كوربين يركز بدوره على كسب أصوات الناخبين التقليديين لحزب العمال.
ويدرك ستارمر تماما هذه المعطيات الجديدة. ففي كلمة ألقاها خلال لقاء عقد الجمعة في لندن، وجّه رسالة للناخبين مفادها أن الخيار في الانتخابات التشريعية المقبلة سيكون بين حزب العمال وحزب “الإصلاح البريطاني”، قائلا: “الخيار الذي سيواجهه الناخبون في الاستحقاقات المقبلة لن يكون المواجهة التقليدية بين حزب العمال والمحافظين”.
ولمواجهة المد الصاعد لليمين المتطرف، دعا ستارمر إلى العودة إلى “قيم الوطنية” من أجل إعادة بناء مجتمع قائم على أسس التماسك والاندماج.
وقال في هذا الصدد: “في عصرنا، علينا أن نكون بناة الأمة، وأن نكون الوطنيين في بلدنا”، داعيا حزبه ومن خلاله الناخبين إلى “إظهار للعمال أننا وحدنا قادرون على منحهم الفخر والانتماء الذي يبحثون عنه، وجعل مجتمعاتهم قوية ومتماسكة”.
وفي السياق نفسه، أقر رئيس الوزراء البريطاني بأن اليسار، الممثل بحزب العمال، كان “مترددا” في معالجة بعض القضايا التي تستغلها اليوم أحزاب اليمين المتطرف، لا سيما مسألة الهجرة.
وقال: “لا شك أن الأحزاب اليسارية، بما في ذلك حزبي، قد تجنبت لسنوات انشغالات المواطنين بشأن الهجرة غير الشرعية. فقد كان من السهل جدا للناس دخول البلاد، والعمل في الاقتصاد الموازي، والبقاء بشكل غير قانوني”.
وفي محاولة لاستعادة الزخم السياسي الذي فقده اليسار لصالح اليمين المتطرف في هذه القضية بالذات، كشف ستارمر، يوم الجمعة، عن خطة لإنشاء بطاقة هوية رقمية ستجعل، حسب قوله، العمل غير القانوني في البلاد أكثر صعوبة، مضيفا أن ذلك “سيعزز أمن حدودنا”.
ولعل هذا التحدي ليس بالهين. فبعد يوم واحد فقط من الإعلان عن الإجراء، وقع أكثر من 1.6 مليون بريطاني عريضة ضد ما سمي بـ “البطاقة البريطانية”، معتبرين أنها تنتهك خصوصيتهم.
وسيكون أمام ستارمر وحزب العمال فرصة خلال المؤتمر السنوي للحزب، الذي تنطلق أشغاله اليوم الأحد في ليفربول بميرسيسايد، لعرض خطتهم لتصحيح مسار الحزب وتقديم بديل أكثر مصداقية في مواجهة اليمين المتطرف.