سياسة

هل يتجه حياد الصين الاستراتيجي تدريجياً نحو دعم صريح للحكم الذاتي؟

هل يتجه حياد الصين الاستراتيجي تدريجياً نحو دعم صريح للحكم الذاتي؟

أكد تقرير حديث لمجلة The Africa Report أن قضية الصحراء المغربية تظل في صلب العلاقات المغربية الصينية، رغم التطور الكبير الذي تعرفه هذه الشراكة في المجالين الاقتصادي والدبلوماسي.

وأوضح المصدر ذاته أن زيارة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى بكين في شتنبر الجاري لم تقتصر على توقيع اتفاقيات أو مذكرات تفاهم، بل حملت أيضاً بعداً سياسياً محورياً يرتبط مباشرة بملف الوحدة الترابية، وهو ما عكسته لغة البيانات المشتركة التي تحدثت عن السيادة الوطنية ووحدة الأراضي ورفض الانفصال، في إشارة واضحة إلى دعم ضمني لموقف المغرب.

وأضاف التقرير أن الصين، على الرغم من تحالفها التاريخي مع الجزائر، لم تصوت في أي مناسبة ضد المغرب داخل مجلس الأمن، بل ساندت القرار 2602 الصادر سنة 2021 وتجنبت دعوة البوليساريو إلى منتدى الصين–إفريقيا الأخير.

ويقول رضا ليموري، الباحث في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، إن بكين تحافظ عادة على ما يسميه “الحياد الاستراتيجي”، لكنها في السنوات الأخيرة تبنت مفردات جديدة مثل “حلول واقعية ومعقولة”، وهي صياغات تتناغم مع مقترح الحكم الذاتي المغربي.

وأشار التقرير إلى أن هذا التحول يعكس تقارباً في الرؤى بين الرباط وبكين، إذ يرى مراقبون أن تجربة الصين مع حروب الأفيون وخسائرها الترابية التاريخية جعلتها حساسة جداً تجاه قضايا السيادة، ما يسهل عليها فهم الموقف المغربي.

وأكد الدبلوماسي السابق أحمد فوزي أن “ذاكرة الإذلال الترابي لدى الصينيين تجعلهم أكثر تقبلاً لقضية الصحراء المغربية”، إلا أن التقرير شدد على أن الحذر ما زال سائداً، وأنه من غير الواضح ما إذا كانت الصين ستدعم علناً خطة الحكم الذاتي قبل التصويت الأممي المرتقب في أكتوبر.

وبحسب The Africa Report فإن العلاقات المغربية الصينية نسجت خيوطها من التاريخ والقوة والمال، غير أن ملف الصحراء ظل دائماً في قلبها، “فمنذ ستينيات القرن الماضي، عندما كان الحسن الثاني ولياً للعهد، دعا في الأمم المتحدة إلى تمثيل الصين الشيوعية في المنظمة، في وقت لم تكن بكين قد حصلت بعد على الاعتراف الدولي، وهو موقف بقي راسخاً في الذاكرة الصينية”.

ويضيف التقرير أن المغرب كان ثاني بلد عربي وإفريقي بعد مصر يعترف بجمهورية الصين الشعبية سنة 1958، كما شكل جزءاً من حركة عدم الانحياز، وهو ما انعكس على طبيعة علاقاته مع بكين.

وقد تكرست هذه الروابط عبر محطات بارزة مثل زيارة الملك محمد السادس إلى بكين سنة 2016، وإلغاء التأشيرة أمام السياح الصينيين، ثم زيارة الرئيس شي جينبينغ للدار البيضاء سنة 2024.

أما على المستوى الاقتصادي، فقد انتقلت الصين في ظرف عشر سنوات من المرتبة الثالثة عشرة إلى ثالث أكبر مستثمر في المغرب، بتبادل تجاري سنوي يقترب من 10 مليارات دولار.

وذكر التقرير أن الاستثمارات الأخيرة شملت مشاريع ضخمة، أبرزها مصنع “ألومنيوم أخضر” بقيمة 3 مليارات دولار، ومشروع مشترك بـ 2 مليار دولار لإنتاج مواد بطاريات الليثيوم، إضافة إلى مشروع ضخم لشركة “غوشن هاي-تيك” في القنيطرة لبناء أول وأكبر مصنع للبطاريات الكهربائية في إفريقيا بميزانية 5,6 مليارات دولار.

ويرى الخبير فتح الله ولعلو، وزير المالية الأسبق، أن هذا التوجه يعكس اختلافاً جوهرياً بين المغرب والجزائر، إذ “في الجزائر تبني الصين الطرق، أما في المغرب فهي تستثمر في صناعات المستقبل”.

ويضيف أن المغرب، رغم غياب النفط والغاز، راهن على القطاعات الواعدة مثل السيارات والطاقة المتجددة والهيدروجين، وهو ما يجعل استقراره السياسي ورؤيته الاقتصادية عناصر جذب لبكين التي تبحث عن شريك آمن في شمال إفريقيا.

ويخلص تقرير The Africa Report إلى أن المغرب بات بالنسبة للصين أكثر من مجرد شريك اقتصادي، بل يمثل بوابة نحو إفريقيا جنوب الصحراء، ومركز إنتاج موجهاً نحو أوروبا وأمريكا، فضلاً عن كونه ركيزة للاستثمارات الصينية في إطار مبادرة “الحزام والطريق”.

ويؤكد التقرير أن بكين تفكر دوماً بمنطق العقود الطويلة، وهو ما ينسجم مع مشروع الحكم الذاتي المغربي واستقراره السياسي، إلا أن الموقف النهائي بشأن دعم صريح لمقترح الرباط في ملف الصحراء يبقى معلقاً على تطورات التوازنات الدولية المقبلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News