قد يحيي صدمات قديمة.. مخاوف من آثار نفسية سلبية لترند الطفولة

يشهد الفضاء الرقمي في الآونة الأخيرة انتشاراً واسعاً لـ”ترند” جديد يقوم على استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتوليد صور تجمع الشخص بنسخته الطفولية، في مشهد بصري يبدو للوهلة الأولى أقرب إلى لحظة خيالية يتقاطع فيها الماضي مع الحاضر.
ولم يقتصر هذا “الترند” على منصات التواصل الاجتماعي فحسب، بل تحول إلى مادة للنقاش بين المتخصصين في علم النفس والاجتماع، بالنظر إلى ما يثيره من مشاعر الحنين واسترجاع الذكريات، وما يكشفه من أبعاد نفسية واجتماعية عميقة. فبين التعليقات التي تغمرها الدهشة والعاطفة، والانتقادات التي ترى فيه مجرد نزوة رقمية عابرة، يظل الترند مرشحاً لفتح آفاق جديدة حول علاقة الإنسان بذاته.
وفي هذا السياق، أوضح عبد الصمد العلوي، باحث في علم النفس، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن الترند “يثير بعداً عاطفياً عميقاً، إذ يضع الفرد وجهاً لوجه أمام نسخته الطفولية”، مضيفا أن “هذا اللقاء البصري الافتراضي يفتح قنوات دفينة في الذاكرة، ويعيد استحضار صور الطفولة بكل ما تحمله من براءة وأحلام وأحياناً جراح لم تندمل”.
وبحسب العلوي، فإن مجرد النظر إلى صورة تحمل ملامح الذات الصغيرة بجانب الحاضر “يحفّز مناطق في الدماغ مرتبطة بالحنين والنوستالجيا، ويخلق تفاعلاً وجدانياً قوياً”، ما يجعله يحمل بعداً علاجياً غير مباشر، إذ يجد كثيرون في هذه الصور فرصة لمراجعة ذواتهم القديمة ومساءلة مسار حياتهم.
واعتبر أن الترند قد يستحضر بالنسبة للبعض شعور الاعتزاز بما حققوه، بينما يغمر آخرين إحساس بالخذلان أو الحزن لابتعادهم عن أحلام الطفولة، وهو ما يجعل التجربة أقرب إلى شكل من أشكال العلاج الذاتي القائم على الحوار مع الطفل الداخلي.
وأضاف العلوي أن الترند قد يُحدث أثراً مزدوجاً على تقدير الذات، “فمنح البعض إحساساً بالاستمرارية والقدرة على التعايش مع مسار الحياة، بينما قد يواجه آخرون أزمة هوية طفيفة، خاصة إذا كان الفرق بين صورتهم الحالية وصورة طفولتهم شاسعاً من حيث الحيوية أو الجمال أو البراءة، ما قد يفجّر مشاعر فقدان أو ندم”.
وأكد العلوي أيضاً أن الترند يحمل بعداً اجتماعياً، إذ تتحول مشاركة هذه الصور على المنصات الرقمية إلى طقس جماعي، يعلّق فيه الأصدقاء والمتابعون ويقارنون ويستعيدون الذكريات، ما يعزز روابط اجتماعية ويخلق شعوراً بالانتماء لتجربة مشتركة، وفي المقابل قد يولّد ضغطاً اجتماعياً لمجاراة الترند، ما يثير قلقاً لدى من يخشون أحكام الآخرين.
وأشار العلوي إلى أن الترند يكشف عن توق الإنسان الدائم إلى المصالحة مع الزمن، فهو محاولة لمسك اللحظة الفارقة بين الماضي والحاضر، ويعكس خوفاً لا واعياً من المستقبل والشيخوخة، إذ يجد الفرد عزاءً مؤقتاً في هذه الصور التي توهمه بوجود جسر بصري بين ما كان وما هو كائن، لتصبح آلية دفاعية ضد قلق الزمن وفنائه.
وأضاف العلوي أن على الرغم من الطابع الإبداعي للظاهرة، ينبغي الانتباه إلى أثرها النفسي السلبي المحتمل، إذ قد يجد بعض الأشخاص ذوي التجارب الطفولية المؤلمة أنفسهم أمام صور تستحضر صدمات قديمة، ما يزيد من مشاعر القلق أو الحزن، لذلك يبقى التعامل مع هذا الترند بحاجة إلى وعي فردي، حتى لا يتحول من لحظة حنين جميلة إلى إعادة إحياء جروح منسية.